تصبّ الشمْس أشعّتها في شكل متفاوت على كوكب الأرض. وتكون أشد سطوعاً في منطقة تقع بين خطّي العرض 36 جنوب خط الاستواء، و38 شماله، فتسمّى «حِزام الشمْس».
تقع ألمانيا خارج حِزام الشمْس، وتصلها أشعة شمسيّة باردة وخفيفة نسبيّاً. وعلى رغم ذلك، تقطف ألمانيا 25 ألف ميغاواط كهرباء من الشمْس حاضراً، ما يمثّل 3 في المئة من استهلاكها للكهرباء، وتخطّط للوصول إلى 25 في المئة بحلول العام 2050. وتذكيراً، يمثّل الـ»ميغاواط/ساعة» مليون واط/ساعة، وهو يكفي لحاجة بلدة مؤلّفَة من 500 منزل، فيصل لكل منها تيار بقوّة 10 أمبير. وللمقارنة، تبلغ الطاقة القصوى لمعامل الكهرباء الحراريّة في لبنان، إلى قرابة ألف ميغاواط/ساعة.
وتقع الدُول العربيّة ضمن «حِزام الشمْس، على امتداد مساحةٍ تفوق 13.3 مليون كيلومتر مربّع (37 ضعف مــساحة ألمانيا)، كما تصلها شمْس قويّة لأكثر من 10 ســاعات يومياً، بأشعة تصل كثافتها إلى ألف واط/ســـاعة في المتر المربّع عند الذروة في وقت الظهيرة، وتصل حصّة العرب من الشمْس الى بلايين الميغاواط/ساعة. وعلى رغم ذلك لا تستثمر الدول العربية مجتمعة سوى 80 ميغاواط كهرباء مباشرة!
أرقام هروب الضوء
في مقابل الهدر عربيّاً، تنهمك دول كثيرة في الاستفادة من تقنيّات تحويل طاقة الشمْس إلى كهرباء، سواء عبر الأفران الشمسيّة المُركّزة أم الألواح الكهروضوئية (تسمّى أيضاً «فوتوفولطيّة» Photo Voltaic) التي صارت صناعة كبرى عالميّاً.
وبدأت إيطاليا نشر محطاتها الشمسيّة عام 2009، ووصلت طاقتها الكهربائية المُنتَجَة بألواح الشمْس إلى 17 ألف ميغاواط/ساعة في نهاية العام 2012. وفي 2010، أنتجت إسبانيا 4 آلاف ميغاواط/ساعة كهرباء شمسيّة، ما غطّى 2.7 في المئة من متطلباتها للكهرباء حينها.
وبلاد اليابان الباردة، بلغ اعتمادها على الكهرباء الشمسيّة في أواخر العام 2011 قرابة خمسة آلاف ميغاواط/ساعة، وتعتبر الدولة الثالثة في الاعتماد على طاقة الشمس، بعد ألمانيا وإيطاليا.
وتُنتِج الولايات المتحدة الآن 7.6 ألف ميغاواط/ساعة من كهرباء الشمْس. وتستضيف ولاية كاليفورنيا المحطّة الأكبر لتوليد الكهرباء من الشمس عالميّاً، بقوة 354 ميغاواط/ساعة. وتخطّط الولايات المتحدة للوصول إلى تغطية 33 في المئة من حاجتها للكهرباء من طاقة الشمس، بحلول العام 2020.
وتعتبر الصين أكبر مُصَنّع للألواح الشمسيّة عالميّاً، كما تنتج عشرة آلاف ميغاواط/ساعة من كهرباء الشمس، وتعمل للوصول إلى 21 ألف ميغاواط/ساعة في 2015.
وفي 2009، انتجت الهند ألف ميغاواط/ساعة من كهرباء الشمْس، ورصدت في 2013 مبلغ 19 بليون دولار للوصول إلى 20 ألف ميغاواط/ساعة من كهرباء الشمس في 2020.
حتى بريطانيا، البلد الذي يكاد لا يرى الشمْس، تنتج حالياً ألف ميغاواط/ساعة كهرباء شمسيّة، وتخطط للوصول إلى 22 ألف ميغاواط/ساعة في 2020. وكذلك حال كندا التي انتجت في أواخر 2010 قرابة 80 ميغاواط كهروشمسيّة، أي ما يوازي ما تنتجه الدول العربية الـ 22 مجتمعة!
وتُنتِج إسرائيل 250 ميغاواط/ساعة كهرباء شمسيّة، أي أكثر من ثلاثة أضعاف طاقة العرب الشمسيّة مجتمعة!
عن اللاجدوى المفرطة
ثمة أرقام لافتة ترد في تقرير أَعَدّته «الوكالة الأوروبية للصناعة الفوتوفولطيّة» في 2013 بعنوان: «واقع السوق العالمية للكهرباء الفوتوفولطيّة بين 2013 و2017». ولم يرد في التقرير اسماً لدولة عربيّة، ما يعني أن الخبراء اعتبروا مساهمة العرب في كهرباء الشمْس غير جدّية.
فمن أصل 102 ألف ميغاواط/ساعة كهروشمسيّة أُنتِجَت في 2012، تقدّم الدول العربية مجتمعة 0.078 في المئة من تلك الطاقة!
ووفق تقرير «المنتدى العربي للبيئة والتنمية 2013»، فإن دولة الإمارات هي الأولى في إنتاج كهرباء الشمْس عربيّاً، إذ تنتج 22.5 ميغاواط/ساعة، وتضمّ محطة «شمس» التي تعتبر الأضخم عالميّاً للطاقة الشمسيّة المُركّزَة. وتلي الإمارات مصر وموريتانيا والمغرب (15 ميغاواط/ساعة لكل منها)، ثم البحرين وليبيا (5 ميغاواط/ساعة) ثم السعودية (3 ميغاواط/ساعة).
وتتميّز أنظمة تسخين المياه شمْسيّاً بأنها سهلة التداول ولا تتطلب معرفة تكنولوجيّة عند المستهلك، وهي واسعة الانتشار عربيّاً. ويقدّر تقرير «المنتدى العربي»، مساحة انتشار الألواح الشمسيّة الحرارية بقرابة 4.8 مليون متر مربع، تُنتِج قرابة 3300 ميغاواط/ساعة حراريّة.
وبشّر التقرير بأن العام 2013 شَهد اهتماماً عربياً رسميّاً لمُعالجة التقصير الفاضح في استثمار طاقة الشمْس، فأقرّت 20 دولة عربيّة سياسات فيها أهداف لتشجيع إنتاج الطاقات المُتَجدّدة، خصوصاً الشمْس.
وتملك شعوب المنطقة العربيّة تاريخاً حضاريّاً مديداً. إذ كانت بلاد ما بين النهرين على مدى آلاف السنين قبل السيد المسيح، موئلاً لحضارات عامرة متتالية، كالسومريين والآشوريين والكلدانيين والآكاديين والبابليين الذين تركوا آثارهم في العلوم والفلك والزراعة وتنظيم المُدُن.
وكانت بلاد النيل مسرحاً للحضارة الفرعونيّة التي ما زالت آثارها العظيمة تدهِش عقول علماء الأرض. وكذلك زرعت فتوحات العرب الحضارة والمعرفة حيثما حلّت. وما زالت كتب علماء العرب في الطب والفلك والكيمياء والرياضيات، شاهدة على حضارتهم في متاحف الغرب ومكتباته. لذا يحق السؤال عمّا أعاق مسيرة العرب في زمن السباق الحضاري بين الأمم!