العالم يقول للتلفزيون وداعاً

منذ أقل من ستة أشهر، لم تعد آماندا أوليندر مجرد فتاة أخرى من لوس أنجليس تبلغ من العمر 25 عامًا تحاول اقتحام مجال فن الرسم. كانت أوليندر قد وفدت إلى المدينة حديثًا وتحاول الاعتماد على ذاتها في شق طريقها بعد فترة عملها مصورة لدى شبكة تلفزيون «إي!». في تلك الفترة، اشتركت أوليندر في «بيريسكوب» Periscope، وهو تطبيق للبث الحي للفيديوهات عبر «تويتر».
كان زميل لأوليندر قد أخبرها عن «بيريسكوب» في يوم انطلاقه في مارس (آذار) الماضي، وقررت تجريبه في اليوم التالي. ودارت فكرتها حول بث جولاتها عبر مختلف أرجاء لوس أنجليس للأفراد الراغبين في التعرف على شكل الحياة في هوليوود، إلا أنها عندما بدأت في بث جلساتها الخاصة بالرسم فيما بين جولة وأخرى حول المدينة، أدركت أن الناس مهتمون بها للغاية، حيث اشترك أكثر من 13 ألف شخص لمشاهدتها أثناء الرسم، كما لو كانت واحدة من مشاهير القرن الـ21.
وقد حشدت ما يقرب من 340 ألف متابع وأكثر من 36 مليون علامة إعجاب (وإن كان العدد الإجمالي يزداد باستمرار مع كل ساعة)، وعلى خلاف الحال مع نجوم آخرين على صعيد مواقع التواصل الاجتماعي، لم تنقل أوليندر متابعيها معها من مكان آخر إلى «بيريسكوب».

* البث الحي
وفي تصريحات لموقع «ماكوورلد» الخاص بأجهزة «آبل»، قالت: «لم يكن لدي أي متابعين بأي مكان، أعتقد أن السر يكمن في الرسم ذاته، هذا ما يعشقه الناس حقًا. لقد بلغ حرص الناس على المتابعة أنهم استعانوا بأجهزة تنبيه لمتابعة فيديوهات الرسم، والبعض منهم يشاهدني منذ اللحظة الأولى حتى النهاية».
يذكر أنه أحيانا، تبث أوليندر فيديوهات لها وهي ترسم لمدة خمس ساعات متواصلة بالمرة الواحدة.
الواضح أن مسألة البث الحي تحمل سحرًا خاصًا بها، لا يؤثر عليها اهتزاز الكاميرا في يد حاملها أثناء التجول بها. وقد عثرت أوليندر على مجتمع بأسره من خلال رسوماتها، البعض منهم يبثون أحداثًا، ويتيحون التعليق عليها في نوع من التسلية. اللافت أن موقع «فيسبوك» أطلق مؤخرًا أداة بث حي لمستخدميه أصحاب الهوية المؤكدة، الذين يضمون مشاهير ورياضيين وصحافيين، أي الشخصيات التي من المفترض أن يهتم آخرون بمشاهدتها.
وعند البث الحي لنشاطاتها، تستعين أوليندر بحامل للجوال وخمسة حوامل، منها واحد خاص بسيارتها عندما تقدم بثًا حيًا أثناء قيادتها السيارة، بجانب كثير من «عصى السيلفي» وميكروفون من أجل خلق «تجربة رائعة» لمشاهديها.

* جمهور متزايد
في الواقع، لا تعد تجربة بث فيديوهات حية من الأمور الجديدة، لكن الجديد أنها أصبحت تجتذب جمهورًا جديدًا مع صعود نجم الهواتف الذكية.
وقد انطلقت منصتا بث الفيديوهات الحية «أنستريم» و«جاستين تي في» عام 2007 وسرعان ما اجتذبتا مستخدمين راغبين في بث نشاطاتهم اليومية إلى العالم بأسره أو بث مناسبات مثل حفلات موسيقية. ولاحقًا، جرى ضم «جاستين تي في» إلى «تويتش تي في»، وهي خدمة بث ألعاب فيديو اشترتها شركة «غوغل» العام الماضي مقابل مليار دولار. ولا تزال «أنستريم» مفتوحة أمام الجميع، لكنها تركز بصورة كبيرة على الشركات التي تستخدمها بوصفها وسيلة لتوفير بث حي لجهودها. (يعد «فيسبوك» واحدًا من هؤلاء العملاء.)
الملاحظ أن مجموعة من العوامل أدت لصعود تطبيقات مثل «ميركات» و«يو ناو» و«بيريسكوب» العام الحالي.
يذكر أن الأخير أعلن الأسبوع الماضي أن لديه 10 ملايين مستخدم يشاهدون أكثر من 40 عامًا من البث الحي يوميًا.
من بين تلك العوامل أن كاميرات الهواتف الذكية أصبحت الآن أفضل من أي وقت مضى، فعلى سبيل المثال، بإمكان كاميرات «آيفون 6» و«6 بلس» تصوير فيديو عالي الوضوح مع توفير خاصية التثبيت التلقائي التي تحول دون إفساد اهتزاز الأيدي للتصوير. كما أن النطاق العريض للجوالات بالغة السرعة أصبح أكثر انتشارًا، ففي أميركا الشمالية، امتلكت شركة «إل تي إي» 44 في المائة من السوق خلال الربع الأول من العام الحالي، تبعًا لتقرير صدر في يونيو (حزيران) عن مجموعة «فور جي أميركاز» المعنية بصناعة الاتصالات عن بعد.
والملاحظ أن هذه النسبة تتنامى ببطء في أجزاء أخرى من العالم. وتتوقع شركة «كيسكو» أنه بحلول عام 2019 سيشكل الفيديو 80 في المائة من إجمالي النشاط عبر الإنترنت.

* تفاعل المشاهدين
وقال المؤسس والرئيس التنفيذي لـ«أنستريم»، براد هنستبل، إن «الناس أصبحوا معتادين الآن على الفيديوهات الحية»، مضيفًا أن الفيديوهات تحمل طابعًا أكثر عاطفية من الفيديوهات السابقة. وأعرب عن اعتقاده أنه بغض النظر عما إذا كان الاعتماد على «سناب تشات» أو «فيسبوك» أو «فاين» أو «يوتيوب»، يبقى الناس منجذبين إلى الفيديو، خاصة الفيديوهات الحية، لأنك «لا تدري خلالها ما الذي سيحدث لاحقًا، بجانب أنها تخلق حالة من الإدراك الجماعي لأكثر من فرد يعايشون التجربة ذاتها في اللحظة ذاتها».
وتسمح كل من «ميركات» و«يوتيوب» و«بيريسكوب» للمشاهدين بالتفاعل مع الأفراد الجاري تصويرهم بالكاميرا من خلال أداة دردشة، ونجح كل منهم في خلق مجتمع من المتابعين الأوفياء. على سبيل المثال، تجيب أوليندر عن أسئلة من المشاهدين أثناء البث، أو إذا كانت في خضم جلسة رسم ولا تعير اهتماما للدردشة، يتولى معجبون الرد على أسئلة المشاهدين الجدد لها حول أعمالها.
ويعد مثل هذا المجتمع أحد الأسباب التي دفعت «هفنغتون بوست»، التي تتميز بالفعل بجزء للبث الحي على موقعها على الإنترنت يحظى بشعبية كبيرة، لاستضافة برنامج حي لمدة ساعة أسبوعيًا عبر «يوتيوب».
والملاحظ أن «بيريسكوب» انفجر فجأة في فضاء الإنترنت، حسب المعنى الحرفي لكلمة انفجار، ذلك أن شخصًا ما استخدم التطبيق يوم إطلاقه في تقديم بث حي للفترة التالية لانهيار أحد المباني واندلاع نيران في «إيست فيليدج» بمانهاتن. والآن، أصبح بإمكان الأشخاص غير الصحافيين تقديم بث حي لأحداث كبرى لأي شخص آخر بأي مكان في العالم. وعليه، فإن هذا التطبيق يشكل تطورًا هائلاً قادرًا على تغيير وجه الحياة، لكنه مع ذلك لا يخلو من جوانب سلبية.
لا تزال تطبيقات البث الحي مثل «يوتيوب» و«تويتر» من قبله، تناضل كي يجري التعامل معها بجدية وتثبت ذاتها. وكثيرًا ما تعرض «تويتر» لنكات وسخرية بسبب القيود التي كان يفرضها على حجم الرسائل المكتوبة عليه بحيث لا تتجاوز 140 وحدة. ومع ذلك، فإنه يعد حاليًا منصة لنشر الأخبار العاجلة. كما أن هناك قضايا لم تحسم بعد، مثل كيفية التصرف حيال إقدام مستخدمين على تقديم بث حي لأعمال تخضع لحماية قوانين الملكية الفكرية، لمعاونة الآخرين على تجنب دفع الأموال مقابل الاطلاع عليها. كما أن إساءة الاستخدام تبقى احتمالاً قائمًا، مثلما حدث من مشاهدي «جاستين تي في» عام 2008 عندما شجعوا شابًا على الانتحار أمام الكاميرا.
من جهة أخرى، فإن عروض الرعاية المالية انهالت على أصحاب فيديوهات البث الحي. وتلقت أوليندر بضعة عروض.

+ -
.