شارك الآلاف من افراد الميليشيات الموالية لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر في استعراض عسكري ضخم جاب شوارع العاصمة العراقية بغداد السبت في تطور ينذر بتصعيد الشحن الطائفي الذي يشهده العراق في الايام الاخيرة منذ الهجوم الذي شنه مسلحون تحت قيادة “الدولة الاسلامية في العراق والشام” (داعش) في التاسع من الشهر الحالي واستحوذوا فيه على عدة مدن مهمة تقع الى الشمال من بغداد.
واطلق على التشكيلات المشاركة في استعراض اليوم “سرايا السلام”، وقال الصدريون إن الغرض من تأسيسها “حماية المواقع الدينية والاضرحة.”
وكان مقتدى الصدر قد دعا اتباعه، الذين حاربوا الامريكيين لسنوات قبل انسحابهم من العراق، الى المشاركة في الاستعراضات.
ولكن مراسلين يقولون إن عرض القوة هذا ستنظر اليه الحكومة العراقية على انه تطور مزعج ومثير للقلق.
وكان مسؤولون قد اعترفوا السبت بأن المسلحين قد تمكنوا من الاستيلاء على بلدة القائم الحدودية في اعالي الفرات ونقطة الحدود الملحقة بها مع سوريا في قتال اسفر عن مقتل 30 جنديا حكوميا.
في الوقت نفسه قال مسلحون معارضون للحكومة أيضا إنهم سيطروا على بلدة راوة على نهر الفرات غربي البلاد.
وأفادت مصادر امنية موثوقة في كركوك للبي بي سي ان “اشتباكات عنيفة جرت منذ ساعة متأخرة من ليلة امس الجمعة وحتى صباح اليوم بين جيش النقشبندية وتنظيم داعش حول السيطرة على بلدة الحويجة جنوب غرب كركوك.”
وأفادت مصادر امنية وطبية في بغداد بمقتل اربعة مدنيين واصابة 12 آخرين بانفجار عبوة ناسفة في سوق شعبي في منطقة النهروان ذات الغالبية السنية جنوب شرق بغداد.
وفي مدينة الصدر التي تسكنها غالبية شيعية الى الشرق من العاصمة قتل مدني واصيب ثمانية آخرون بانفجار عبوة ناسفة في سوق شعبي.
وفي وقت لاحق السبت، أفادت مصادر امنية وطبية في العاصمة العراقية بمقتل 4 واصابة 6 اخرين من الشرطة والمدنيين بانفجار عبوة ناسفة زُرعت على جانب الطريق في منطقة الباب المعظم وسط بغداد لدى مرور دورية للشرطة العراقي.
ويقول محللون إن من شأن سيطرة داعش على المعبر الحدودي ان يمكنها من نقل الاسلحة والمعدات من العراق الى سوريا وبالعكس.
وكان الآلاف من الشيعة قد تطوعوا لمحاربة داعش استجابة لدعوة وجهها المرجع الديني الشيعي آية الله علي السيستاني.
ولكن مراسل بي بي سي جيم ميور الموجود في شمال العراق قال إن الاستعراض العسكري الذي جرى اليوم سيزيد من التوتر الطائفي في وقت تتعرض فيه الحكومة العراقية لضغوط كبيرة لتوحيد البلاد في وجه المسلحين المتشددين.
ويضيف مراسلنا ان المسلحين، فيما يواصلون ضغطهم على العاصمة من ناحية الشمال (حيث تجري مناوشات بين الطرفين في حزام يبعد عن بغداد بمسافة 70 كيلومترا تقريبا) يبدو انهم يعدون العدة لهجوم آخر من ناحية الغرب.
فبالاضافة الى سيطرتهم على بلدة القائم، قال المسلحون إنهم سيطروا ايضا على راوة التي تبعد بمسافة 70 كيلومترا الى الجنوب الشرقي منها على نهر الفرات.
ويبدو ان بلدة عانه الواقعة الى الجنوب الشرقي من راوة قد سقطت بدورها بايدي المسلحين دون قتال، وتقول التقارير إن القيادة العسكرية الميدانية العراقية في المنطقة محاصرة حاليا.
يذكر ان محافظة الانبار التي تقع فيها المدن الثلاث محافظة قبلية بامتياز، ويقول المسلحون إنهم يفاوضون العشائر للاستيلاء على المدن والقصبات دون قتال وبالتعاون مع القبائل المحلية.
ويسيطر المسلحون منذ يناير / كانون الثاني الماضي على مدينة الفلوجة التي لا تبعد عن بغداد سوى بـ 30 كم، علاوة على اجزاء كبيرة من الرمادي مركز المحافظة.
ويبدو ان المسلحين يحاولون ان يحققوا اتصالا بين جيبي الفلوجة والرمادي، لتتسنى لهم السيطرة على حوض الفرات بأكمله من الحدود السورية الى قرب بغداد.
وما زالت بلدتا حديثة وهيت الواقعتان في هذا الحزام تحت سيطرة الحكومة المركزية.
ويقول مراسلنا إنه لو تمكن المسلحون من السيطرة كليا على الرمادي والاستحواذ على حديثة وهيت، سيكون عندئذ بامكانهم التوجه الى بغداد من ناحية الغرب باستخدام الفلوجة قاعدة لانطلاقهم.
في غضون ذلك، من المتوقع ان يصل الى بغداد لاحقا وزير الخارجية الامريكي جون كيري في محاولة للضغط على العراقيين لتشكيل حكومة اوسع تمثيلا لشرائح الشعب العراقي، املا منه في ان يخفف ذلك من حدة التوتر الذي يشوب العلاقات بين الطائفتين السنية والشيعية.
وقال الرئيس الامريكي باراك اوباما إن داعش – التي يبلغ عدد افرادها في العراق وسوريا نحو عشرة آلاف مسلحا – قد استغلت فراغ السلطة في سوريا لتجميع الاسلحة والموارد، ولكنه نفى ان يكون ذلك قد جرى بسبب تردد الولايات المتحدة في دعم القوى المعارضىة المعتدلة التي تحارب نظام الرئيس بشار الاسد.
وقررت الولايات المتحدة، التي سحبت قواتها من العراق عام 2011، ارسال 300 من عسكرييها الى البلاد بهيئة مستشارين لمساعدة القوات العراقية والتصدي للمسلحين الذين تقودهم داعش.
ولكن البيت الابيض قال، ردا على الطلب العراقي بضربات جوية امريكية، إن لا حل عسكريا بحتا للازمة الراهنة.
ويقول مراسل بي بي سي في بغداد جون سمبسون إن الرئيس اوباما يعتقد بأن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قد عرض بلاده لخطر كبير بتجاهله لمطالب ومظالم السنة وبممارسته الحكم لصالح طائفته الشيعية فقط.
وكان المرجع السيستاني قد طالب بدوره بتشكيل حكومة جديدة “تحظى بقبول كل الشعب وتصلح اخطاء الماضي”، وذلك في تدخل ينظر اليه المراقبون على انه انتقاد صريح للمالكي.