العرب مادة الحرب الباردة

عشية سقوط الاتحاد السوفياتي كان العالم العربي، كله تقريباً، منحازاً إلى واشنطن ضد موسكو، ويشكل جزءاً أساسياً من استراتيجيتها في مواجهة «الإلحاد الشيوعي». كانت دول الخليج أكدت موقعها على خريطة النزاعات، أو فلنقل أنها أكدت انتصارها على اليسار. مصر السادات ثم حسني مبارك أنهت علاقاتها مع المعسكر الشرقي، معترفة بأن 99 في المئة من أوراق اللعبة بيد أميركا، على ما قال السادات في عبارته الشهيرة. المغرب والأردن بقيا على موقفهما المعروف بالانحياز إلى واشنطن. سورية استمرت في علاقاتها القوية مع موسكو إلا أنها كانت تمر في مرحلة مهادنة مع واشنطن. العراق كان معزولاً في الإقليم وعلى المستوى العالمي. ويمكن القول إن انتصار الغرب في هذه الحرب كان انتصاراً للحلفاء أيضاً. لكن أحداً من هذه الأطراف لم يتوقع نهوض روسيا من محنتها. أو كانت المراهنة على أنها، بعد انتمائها إلى نادي الدول الرأسمالية، ستنخرط في سياساتها واستراتيجياتها الدولية. لكن هذا البعض نسي أو تناسى أن المنافسة على الموارد والمستعمرات بين الرأسماليين أدت إلى حربين عالميتين مدمرتين.

بمعنى آخر، لم تكن الحرب الباردة بين أيديولوجيتين، رأسمالية وشيوعية، بل كانت تنافساً على النفوذ، ولم تكن الأيديولوجيا سوى غطاء لهذا التنافس، تماماً مثلما الدين الآن غطاء للتنافس على النفوذ في دنيا العرب.

هذا كان وضع العرب خلال المرحلة الأخيرة من الحرب الباردة فما وضعهم اليوم وهذه الحرب تتجدد، والصراع على الموارد، من غاز ونفط قد بلغ مرحلة الصدام؟

قد لا يكون العرب اليوم منقسمين بين معسكرين، لكنهم غارقون في فوضى لا تسمح لهم بالتأثير في «برودة» الحرب التي تتحول إلى أسلحة مدمرة في بلادهم، فهم مادتها الأساسية: العراق لم يستطع الخروج من حروبه الداخلية بعد، فضلاً عن أن انحيازه إلى إيران وتحالفه في الوقت ذاته مع الولايات المتحدة، وهذا الموقع لا يتيح له أي هامش للحركة. دول الخليج الداعية إلى مواجهة طهران وموسكو لدعمهما النظام السوري بينها وبين الولايات المتحدة حوار لم ينته في كيفية المواجهة. سورية غارقة في دمائها وهي موضع خلاف عربي- عربي. الأردن ولبنان غارقان في ضعفهما، وفي أوضاعهما الداخلية القلقة. مصر مكبلة باتفاقات كامب ديفيد، وهي في مرحلة انتقالية قد تطول، خصوصاً بعدما بدأ السلاح يتدخل في السياسة.

أما الوضع الروسي والغربي فلخصه بوتين في خطابه الترحيبي بضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا. استند القيصر في تأسيس مرحلة جديدة من العلاقات (المواجهة) مع الولايات المتحدة وأوروبا، إلى وقائع كثيرة حصلت منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، عندما وافق بوريس يلتسن على استقلال أوكرانيا.

أهم هذه الوقائع أن موسكو خرجت من محنة تفكك الإمبراطورية أكثر قوة على المستوى الاقتصادي والعسكري. وأن أوروبا تعيش مرحلة من الركود والتراجع في مختلف المجالات، وقد أثبتت الأحداث أنها مجرد صدى للولايات المتحدة التي تعاني هي الأخرى أزمة تبدو مستعصية، بعد الحروب التي شنتها على أفغانستان والعراق وعلى الإرهاب، وهي الآن في مرحلة الانكفاء ومراجعة الذات.

سواء صحت قراءة بوتين أو كانت خطأ فالغرب لن يقف مكتوف الأيدي حيال صعود نجم موسكو. الحرب الباردة تجددت. والعرب، ببلدانهم وشعوبهم ومواردهم، مادتها.

+ -
.