مع انتشار أنظمة مختلفة للحمية في أيامنا هذه، يصعب علينا تحديد الحميات الغذائية المفيدة لأجسامنا. هناك طريقة تعامل مع الغذاء مختلفة تماما، تم التوصل إليها في الصين قبل آلاف السنين. طريقة مريحة قد تحل مشكلات العصر.
نعيش في عالم يزخر بأعداد لا حصر له من الوصفات التي تدعو لاتباع حميات غذائية وبات يصعب علينا أحيانا تحديد ما هو المفيد لأجسامنا. هناك من يقول: “الزبدة تضر بأجسامنا”، فيما يقول آخر: “الزبدة مفيدة لأجسامنا”. وهناك من يكرر: “الكولا التي لاتحتوي على السكريات مفيدة”، ثم يأتي قول مناقض: “الكولا التي لاتحتوي على سكريات تضر بأجسامنا”. وبعضهم يقول: “الأغذية النيئة سيئة ومضرة”، والبعض الآخر يرى أن: “الأغذية النيئة جيدة ومفيدة لأجسامنا”.
وجهات نظرنا حيال الغذاء الصحي تتبدل على الدوام وفي كل الأزمان، وهي غالبا ما تعتمد على أحدث نتائج البحوث الطبية السريرية. فنحن على دراية بجميع الأمور التي تتعلق بالشحوم، والنشويات، والبروتينات، والمعادن والفيتامينات، غير أنه وبغض النظر عن مدى تقدمنا في الكشف والمعرفة التي تتعلق بماهية الغذاء، تطالعنا الدراسات وباستمرار عن أساليب جديدة للحمية تثبت عدم نجاحها. ما هي إذن الاحتياجات الأساسية لأجسامنا؟
عند الصينين إجابتهم الخاصة التي تتعلق بالطعام الصحي، وهي تندرج ضمن مفاهيم مرتبطة بجذور راسخة في الطب الصيني التقليدي. ولربما يعتبرون من أشد المؤيدين لمقولة: “قل لي ماذا تأكل، كي أقول لك من أنت”.
DW التقت بمختصين في الطب الصيني، أحدهما يُدعى “تشان كي فات” ويعمل في “هونغ كونغ” والآخر يُدعى “غو كي مينغ” من مدينة “بكين” ويمتلك متجراً في مدينة “كولون” الألمانية. سألناهما عن رأيهما بمدى ارتباط الغذاء والدواء بعضهما ببعض وعن مدى تطبيق تلك المقولات خارج جمهورية الصين؟
1- الغذاء هو الدواء، والدواء هو الغذاء
وعلى النقيض من الطب الغربي، تتداخل أدوار الغذاء والدواء في الطب الصيني التقليدي. فعلى سبيل المثال: يندرج البطيخ الأحمر ضمن قائمة الغذاء، غير أن له تأثيرا طبيا خلال الأيام شديدة الحرارة لما يمتلكه من خواص تساعد على ترطيب الجسم.
اكتشفت القبائل الصينية القديمة قبل 2200 سنة أهمية الأعشاب الطبية بمختلف أنواعها، وذلك أثناء رحلات الصيد وجمع الثمار. بعض الغذاء له تأثير في التخفيف من الأمراض التي كانت تصيبهم، بينما كانت تتسبب أغذية أخرى بوفاتهم. وبمرور الزمن وازدهار الفلسفة الصينية تم تطوير النظريات الطبية.
هناك أيضا بعض الأغذية التي تعتبر “دواء أكثر من كونها غذاء”. مثل نبات “الجينسنغ”. عندما يتطلب الأمر تناول هذا “الدواء” يجب على الراغب قبل تعاطيه استشارة خبير الطب الصيني. وإذا ما تساءلنا عن السبب؟ فالجواب هو: لكل غذاء طبيعة خاصة ولكل منا أجسام لها استجابات تتفاوت في أسلوب تفاعلها مع مختلف أنواع الغذاء.
2- الخصائص الأربع للمواد الغذائية
يقَسَم الغذاء وفقا للطب الصيني التقليدي إلى خمسة عناصر: العنصر البارد، والعنصرالمائل للبرودة، والعنصرالحيادي، والعنصر الدافىء والعنصرالساخن.
لم يتم تحديد طبيعة المواد الغذائية في درجة الحرارة الفعلية، وإنما تم من خلال ما تحدثه من آثارعلى جسم الشخص عقب تناوله لذلك الغذاء. عندما يتناول الشخص وباستمرار نوعا واحدا معينا من الطعام، فإنه يتسبب بخلق حالة من عدم التوازن في جسمه، وبهذا يؤثر على نظام المناعة لديه. وهكذا، واحدة من أهم قواعد الطب الصيني التقليدي هي “الحفاظ والإبقاء على جسدنا في حالة حيادية”.
الأغذية ذات الطبيعة الحارة والساخنة تجلب الحرارة والسخونة إلى أجسامنا مثل: لحم البقر والقهوة والزنجبيل والأطعمة المقلية بالزيت والفلفل الحار (الشطة).
بينما في المقابل تتسبب الأغذية الباردة بتهدئة وتبريد أجسامنا وهنا يجدر بنا أن نذكر: السلطة، والأجبان، والشاي الأخضر، والبيرة (الجعة).
أما الأغذية الحيادية فتشمل كلا من زيت الرز وأغلب أنواع الأسماك.
والشخص الذي يشعر بارتفاع شديد بحرارة جسمه يعاني من التعرق طوال الوقت ومن مزاج غاضب، كما يعاني من تورمٍ في لسانه ، ويمكن أن يُعاني من الإمساك. والشخص الذي يصاب ببرد شديد يعاني من شحوب في وجهه وبرودة شديدة في أطرافه، وقد يشعر بوهن عام أو قد يعاني من ضعف في دورته الدموية. عندما تظهر ما سبق ذكره من أعراض ينصح بالتوقف عن تناول ذلك النوع من الطعام.
3- هي أكثر من مجرد مذاق
يقسم الصينيون الذوق إلى خمسة أنواع مختلفة: الحامض، والمر، والحلو، والحار، والمالح. ولكنها تعتبر بالنسبة للصينيين أكثر من مذاقات. ففي الطب الصيني التقليدي تُرسَل كل مضغة من الطعام إلى الأجهزة ذات العلاقة: فالطعام الحامض يدخل إلى الكبد ليساعد على إيقاف التعرق والتخفيف من حدة السعال. والملح يدخل إلى الكليتين، وبذلك يمكنه أن يجفف و يطهر ويطري الأنسجة. أما الغذاء المر فيدخل إلى القلب والأمعاء الدقيقة ويساعد على خفض الحرارة وعلى تجفيف أي رطوبة. أما الطعام الحار فيدخل الرئتين والأمعاء الغليظة ويساعد على تحفيز الشهية. ومقابل ذلك يدخل الغذاء الحلو المذاق المعدة والطحال ويساعد على تليين الجسم. ولهذا من المهم أن يتضمن أي نظام حمية غذائي جميع أنواع النكهات أو المذاقات.
هل يعني ذلك أنك لكي تتمتع بصحة جيدة عليك أن تأكل الغذاء الحيادي الطابع والذي يتضمن جميع أنواع النكهات أو المذاقات فحسب؟ لا، ليس بالضرورة. يقول تشان: “تتأثر الخيارات الغذائية بشكل يتناسب مع بنية جسمك، كما تتأثر بالفصل والمكان الذي تتواجد فيهما كما تتأثر بالسن والجنس (ذكر أم أنثى)”. وبعبارة أخرى، إن ممارسي الطب الصيني التقليدي يكيفون توصياتهم وفقاً لظروف شتى.
4- تناول الغذاء وفقاً لما هو متوفر في الموسم
الموسم يشكل عاملاً آخر عندما يتعلق الأمر بالاختيارات الغذائية. فعلى سبيل المثال غالباً مايكون فصل الربيع رطباً في الصين، وهذا يعني الحاجة لغذاء يخلص أجسامنا من الرطوبة ويتوفر ذلك في الذرة والفاصولياء البيضاء والبصل.
الصيف حار، لذا نحن بحاجة إلى الغذاء الذي يساعد على تبريد أجسامنا ويتوفر هذا الغذاء في البطيخ والخيار. الخريف فصل جاف، وهذا يعني أننا بحاجة لغذاء “لتليين” أجسامنا ويتوفر هذا الغذاء في البازلاء والعسل. الشتاء فصل بارد وهذا يعني أننا بحاجة إلى غذاء يوفر لنا الدفء لأجسامنا وهذا كله يتوفر في لحوم الأبقار والجمبري.
في عالم يتصف بالعولمة، يمكن للمرء وبسهولة شراء الأغذية التي يتم إنتاجها في غير موسمها. لكن لربما لا تكون هذه إرشادات ممارسي الطب الصيني، وذلك لأن الأغذية الموسمية توفر لنا الغذاء الذي نحتاجه في ذلك الموسم بالتحديد. ويتواجد هناك مفهوم مماثل في العالم الغربي.
5- القياس بمقياس واحد لن يناسب الجميع
تماما كما أن لكل منا شخصيته المختلفة عن الآخرين، فإننا نمتلك أجسادا مختلفة: ولهذا لا نستطيع تغذية أجسامنا بغذاء معين وبالإسلوب ذاته الذي يتبعه أشخاص آخرون.
ما هو “العُرف”؟ كانت التصنيفات عُرضة لتغير مستمر منذ ظهور الطب الصيني التقليدي. وأكثر التصنيفات شيوعاً هذه الأيام هي تلك التي طورها “هوانغ تشي” في عام 1978، والتي تصنف الأجسام إلى تسعة أنواع مختلفة.
الشخص الذي يكتنز في جسمه الكثير من “الرطوبة والمفرزات” يكون عادة ذا وزن زائد، وقد يتعرق كثيرا، و لربما يكون ذا وجه دهني. وعادة ما يكون مثل هذا الشخص أكثر ميلاً للسلم.
وهكذا فإن الشخص الذي يحتوي جسمه على رطوبة عالية وحرارة مرتفعة، يكون عادة سريع الغضب وغالباً ما يكون من أصحاب البشرة الدهنية التي يُغطيها حب الشباب. يحتاج كلا النوعين من الأشخاص إلى أنواع مختلفة من الغذاء للتخلص من الرطوبة التي يعانيان منها ويُقصد بهذا الحلويات التي “تُلين” الجسم، وهذا قد يفاقم الحالة ويُزيدها سوءا.
يقول غوو: كل نوع من أنواع المواد الغذائية – وهذا يتوقف على طبيعتها- قد يُحسن الحالة بشكل كبير أو قد يزيدها سوءاً. “ليس هناك مادة تُعتبر جيدة لأي كان. ويعتبر الكثيرون الزنجبيل بأنه مادة مفيدة للصحة، ولكنك إذا كنت بالفعل ذا جسم شديد الجفاف ومرتفع الحرارة فإن شربك للمزيد من مستخلص الزنجبيل سيعرض جسمك للمزيد من الجفاف”.
6- وللمناخ أيضاً أهمية
يمكن لمناخ المكان أن يؤثر على خياراتنا في الغذاء أيضا. في المناطق ذات المناخ شديد الرطوبة والبرودة يحب الناس أن يأكلوا الطعام مع التوابل الحارة لأن التوابل الحارة تؤدي إلى التعرق وهذا يدفء أجسامنا. وأضاف إذا كان الناس في المناطق المعتدلة يتناولون الكثير من الطعام المبهر بالتوابل الحارة، فإن الجسم سيصبح شديد السخونة، وهذا ليس صحي أبدا.
7- إيجاد الحل الأمثل
في نهاية المطاف، ما الذي يعتبر صحيا، وما الذي يجب تجنبه؟ في الطب الصيني التقليدي، كل أنواع الطعام مغذية، وطالما أن الشخص المُعافى لا يأكل الكثير من نوع واحد من الغذاء، فلا شيء يعتبرغير صحي. يقول لنا فلاسفة الصين وباستمرار أن نلجأ إلى “الوسائل الذهبية”. ومن الحكم الهامة: “لا تلجأ أبداً إلى المغالاة”.
في الطب الصيني التقليدي، من المهم أيضاً أن لا تأكل أكثر من اللازم: “تناول سبعين بالمئة فقط من الطاقة الخاصة بك”، ويجب أن تكون درجة حرارة الطعام معتدلة، وذلك لتجنب المبالغة في إجهاد الجهاز الهضمي. ملخص القول: الأمر برمته يتعلق بالتوازن.
هناك قول صيني مأثور: “خمسة أنواع من الحبوب تمدنا بحاجتنا الغذائية، خمسة أنواع من الخضروات توفر لنا الشبع، خمسة أنواع من الحيوانات تغني القيمة الغذائية وخمسة أنواع من الفاكهة تدعم نظامنا الغذائي”. وهذا يعني اتباع نظام غذائي متوازن ومتنوع، حيث يتم استهلاك الغذاء ضمن مجموعات تتناسب وتتوافق مع طبيعتها ونكهاتها، وتعمل على تزويد الإنسان بحاجاته الجوهرية.