الفلافل.. أدخلها شقيقان إلى دمشق من مصر واستبدلا الفول بالحمص

رغم ارتفاع سعرها كما هي حال معظم المواد الغذائية والاستهلاكية، فإنها تبقى وجبة الدراويش والفقراء، إنها (الفلافل)، تلك الوجبة الغذائية السريعة الساحرة التي يتنافس محضروها ومحلات بيعها في المدن والأرياف السورية على تقديمها للناس على شكل ساندويتش وبطريقة مبتكرة بإضافة ما يمكن إضافتها لها من مكملات ونكهات، تبدأ من الخضار كالبندورة والخيار والبقدونس والخس والملفوف، ولا تنتهي عند حد معين، حيث البعض يضيف لها دبس الرمان والطحينة أو الحمص الناعم (المسبحة) وغير ذلك؟! ولشهرتها وانتشارها بين الناس لا يمكن أن تجد حيا أو شارعا دمشقيا إلا وبه بائع أو أكثر للفلافل حتى لو اضطر بعضهم لتحضيرها في زاوية على رصيف وبعربة متنقلة، فالوجبة رخيصة الثمن قياسا إلى غيرها من الوجبات السريعة، ولذيذة المذاق وتؤكل في كل الأوقات على الفطور والغداء والعشاء وما بينهم؟! والفلافل التي دخلت العاصمة السورية ومن ثم المدن الأخرى في خمسينات القرن الماضي كانت محاكاة لـ(الطعمية) تلك الوجبة الشعبية المصرية، حتى إن من أدخلها لسوريا كان يعيش في مصر ويحمل لقب (المصري) وما زال ولده يعمل فيها من خلال محلهم وسط العاصمة السورية دمشق وهو كمال المصري (أبو محمود)، (57 سنة)، الذي يشرح لـ«الشرق الأوسط» كيف أدخلت أسرته الفلافل لدمشق.

يقول أبو محمود: «ورثت المهنة عن أبي وعمي، ونحن كعائلة كنا أول من أدخل هذا النوع من الوجبات الغذائية السريعة لسوريا في خمسينات القرن الماضي، وكان محلنا في منطقة البحصة قرب جامع يلبغا، وقد نقلناها من مصر، ولكن المصريين يحضرونها بالفول وتسمى (طعمية)، بينما نحن نحضرها بالحمص وأطلق عليها اسم (فلافل) كتسمية محلية لوجود البهارات من فلفل وغيرها في تركيبتها، وكان عمي وأبي من مواليد مصر، حيث كانا جدي يقيم هناك منتقلا من منطقة الشاغور في دمشق، حيث عاش عشرين سنة في مصر وكان يعمل بغجاتي (حلواني) هناك، وأعجبت والدي وعمي الطعمية في مصر فقررا نقلها لدمشق مع عودتهما لسوريا بعد وفاة جدي. وأضافا في البداية الحمص للفول، ولكن لم يستذوقها الناس هنا، حيث كان لونها يميل للسواد بسبب وجود الفول فيها فقررا تحضيرها من الحمص فقط، وبالفعل نالت إعجاب الناس واشتهرت من خلالنا، وظل محلنا هو الوحيد الذي يبيع ساندويتش الفلافل حتى سبعينات القرن الماضي ليدخل أناس آخرون هذه المهنة، حيث جاء بعدنا (فلافل الجمهورية) و(الميامين) وغيرهما، ولتنتشر فيما بعد في كل أنحاء المدن والقرى السورية».

ولكن تطورت طريقة تحضير وتقديم الفلافل للزبائن أليس كذلك؟ «صحيح – يجيب أبو محمود – حيث كان لنا السبق أيضا في تقديمها بطريقة التقطيع التي أطلقنها عليها – فلافل عربي – في أواخر الخمسينات من القرن الماضي أي بدلا من أن نقدمها للزبون على شكل لف ساندويتش قدمناها مقطعة إلى أربع قطع مع وضعها في صحن وبجانبها مخلل ونعنع بحيث يمكن للزبون أن يتناولها وهو جالس علي كرسي أو في منزله، ولاقت هذه الطريقة الجديدة استحسان الناس هنا وانتشرت أيضا فيما بعد وأخذت التسمية (صحن عربي)».

وكيف تعد الفلافل حتى تصل لمرحلة القرص الذي يوضع في الساندويتش؟ المادة الرئيسة هنا حبات الحمص المسلوقة والمطحونة التي تعجن مع خلطة خاصة تتضمن البهارات المتنوعة والكزبرة والثوم والبصل. ويلاحظ تنوع مذاق الفلافل بين محل وآخر، حيث يتعلق الأمر هنا بنوعية الحمص المستخدم وطريقة طحنه ونقعه وكذلك تلعب عملية تتبيل البهارات الدور الرئيس في تنوع وجودة الفلافل، فالبعض يضع بهارات قليلة وبسيطة، بينما آخرون يضعون 16 نوعا من البهارات وكذلك يلعب زيت القلي دورا في هذا المجال، وأفضل الأنواع هو زيت القطن لقلي الفلافل ويجب تبديله باستمرار وهو جيد من حيث النقاوة ولصحة الإنسان.

وتبقى الفلافل أكلة الدراويش رغم أن كل الناس يقبلون على تناولها وفي مختلف أوقات اليوم والغني قبل الفقير بسبب شعبيتها الواسعة حتى إنها تتفوق على الشاورما والوجبات السريعة الأخرى كالبرغر وغيرها من الوجبات المستوردة من الخارج، كما أنها تبقى الأرخص ثمنا حتى الآن بين الوجبات السريعة رغم ارتفاع أسعارها في الفترة الأخيرة مع غلاء الأسعار الذي تشهده البلاد بسبب الحرب والأزمة التي تمر بها، فهي تباع بـ60 ليرة، وهناك من يبيعها بسعر أعلى يصل للمائة ليرة، «لماذا لا أدري؟! – يتساءل أبو محمود – كذلك هناك من استبدل الخبز العادي بلفها بالخبز المشروح، ولاقى ذلك استحسان البعض، ولكن هناك من يستخدم السمون بدلا من الخبز ويضيف المايونيز لها، وهذا برأيي غير مناسب للفلافل لأنها لا تعطيها المذاق المتعارف عليه، فالمايونيز يضاف عادة للشاورما وللحوم وليس للفلافل، ويبقى هناك من يطلبها بالسمون فهو هكذا يتذوقها – يصطفلوا!».؟ يبتسم أبو محمود معلقا.

 

+ -
.