وقعت «شركة الكهرباء الفلسطينية» الأسبوع الماضي عقداً قيمته 1.2 بليون دولار ومدته 20 سنة مع الشركتين الإسرائيليتين «ديليك» و «أفنر أويل إكسبلوريشن» والشركة الأميركية «نوبل إنرجي» لشراء الغاز من حقل ليفاياثان البحري. وأضافت صحيفة «جيروزليم بوست» التي نقلت الخبر، أن الهدف من العقد هو تزويد محطة كهرباء تنوي الشركة الفلسطينية تشييدها في جنين بالضفة الغربية على أن تشتري الشركة 168 بليون قدم مكعبة من الغاز خلال عقدين.
اكتُشف حقل ليفاياثان في تشرين الثاني (نوفمبر) 2010، ويُعتبر أكبر حقل غاز مكتشف في مياه شرق المتوسط (يضم 16 – 19 تريليون قدم مكعبة من احتياطات الغاز ويقع على عمق ألفي متر تحت سطح البحر وعلى بعد 130 كيلومتراً غرب ساحل حيفا. ووُقِّع الاتفاق وأُعلِن في خضم جولات وزير الخارجية الأميركي جون كيري ومحاولاته الوصول إلى اتفاق سلام فلسطيني – إسرائيلي.
ولكن بما أن اتفاقاً غازياً بعيد الأجل كهذا يتطلب مفاوضات اقتصادية وفنية طويلة، فهل يمكن اعتباره إحدى ثمار جولة كيري أم انتهازاً لفرصة سنحت؟ ولماذا يستورد الفلسطينيون من حقل إسرائيلي ولا يضغطون للحصول على موافقة إسرائيل على تطوير حقل «غزة مارين» في المياه الفلسطينية، فمعروف أن شركة «بي جي» البريطانية اكتشفت، بالشراكة مع «شركة اتحاد المقاولين» و «صندوق الاستثمار الفلسطيني» الحقل الذي يضم احتياطاً بتريليون قدم مكعبة من الغاز، ويقع على بعد 30 كيلومتراً غرب ساحل غزة.
واكتُشف هذا الحقل عام 2000 ولكن إسرائيل منعت الإنتاج منه لأسباب منها اقتصادي إذ أصرت أن يُصدَّر الإنتاج إليها أولاً وبأسعار أقل من الأسعار العالمية لتأخذ ما تحتاجه لاستهلاكها المحلي. ورفضت السلطة الفلسطينية ومجموعة الشركات ذلك. وأرادت إسرائيل أيضاً التأكد من كمية الغاز الذي سيُسلَّم إلى قطاع غزة، واعتبرت أن الأموال التي ستجنيها «حماس» من المبيعات ستمول «الإرهاب»، فأصرت على إغلاق هذا المصدر المالي. وكان يمكن تحويل ريع «غزة مارين» إلى صندوق يستلم المساعدات الدولية لصالح فلسطين.
ولكن أين هي مصادر الغاز العربية لتزويد الأراضي الفلسطينية بالطاقة؟ ولماذا غاب الإصرار على بدء العمل في «غزة مارين» قبل إيجاد مصادر عربية أخرى لتزويد هذه الأراضي بالغاز؟ ولو افترضنا أن إسرائيل تمنع استيراد الأراضي المحتلة الطاقة من الدول العربية، أليس بالإمكان تزويد هذه الطاقة من الدول التي عقدت سلاماً مع إسرائيل، أو عبرها؟ والسؤال الأهم: إلى متى سيُترك المجال لإسرائيل لضم اقتصاد الأراضي المحتلة إلى اقتصادها حتى يصبح فك هذا الارتباط مستحيلاً مستقبلاً؟
ويُعتبر اتفاق تزويد محطة جنين الكهربائية بالغاز أول عقد لتصدير الغاز من حقل ليفاياثان العملاق، وأول عقد لتصدير الغاز من حقول شرق المتوسط. ويُذكَر أن إسرائيل تعتمد حالياً على الفحم الحجري والمازوت لتوليد الكهرباء، إلى جانب كميات محدودة من الغاز كانت تستوردها من مصر أو لا تزال تنتجها محلياً. وهي تخطط لتوليد 50 في المئة من الطاقة الكهربائية من الغاز بحلول 2025.
وتحاول إسرائيل تبني سياسة تصدير للغاز، فأعلنت أولاً إمكانية تصدير 53 في المئة من الغاز المنتج، ولكن أطرافاً محلية اعترضت وطالبت بخفض النسبة التي اعتبرتها مضرة بمصالح إسرائيل. ورضخت الحكومة لهذا المطلب وشكلت لجنة في حزيران (يونيو) 2003 برئاسة رئيس الوزراء ووزيري الطاقة والمال وحاكم المصرف المركزي لدرس الموضوع وتقديم اقتراحات. واقترحت اللجنة تصدير 40 في المئة من الغاز المنتج، وأضافت تدبيراً احتياطياً ينص على إدراج مبيعات الغاز لكل من الأردن والسلطة الفلسطينية في الضفة من ضمن الـ 60 في المئة المخصصة للاستخدام المحلي، ولكن مجلس الوزراء أسقط هذا الاقتراح.
واستمرت معارضة القوى المحلية التي لجأت إلى القضاء لمنع تنفيذ سياسة التصدير هذه، مطالبة برفع يد الحكومة والكنيست عن تحديد حجم كميات تصدير الغاز. ولا يزال الموضوع لدى القضاء. ويرى المعترضون أن ارتفاع حجم التصدير يزيد السعر المحلي للطاقة. ويحذر البعض من خطورة عدم الحفاظ على احتياطات كافية مستقبلاً، بما يجبر إسرائيل على الاستيراد خصوصاً من الدول العربية. ويحذر البعض من تجربة مصر التي اندفعت بسرعة باتجاه تصدير الغاز، ما اضطرها مع زيادة الاستهلاك واضمحلال إنتاجية الحقول إلى استيراد الغاز بأسعار عالية.
وتحاول إسرائيل تصدير الغاز، أولاً عن طريق تسييله في منشأة مزمع تشييدها في قبرص ولكن هذا سيعني الانتظار سنوات حتى الانتهاء من التشييد والحصول على التمويل اللازم في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة لقبرص؛ وثانياً عن طريق تشييد خط أنابيب يمتد إلى تركيا ليرتبط هناك بأحد أنابيب تصدير غاز روسيا أو غاز دول بحر قزوين إلى أوروبا، وهذا أسرع وأقل كلفة لإسرائيل، إلا أن المشكلة التي تواجهه هي اختلال العلاقات الإسرائيلية – التركية؛ وثالثاً عن طريق تشييد محطة عائمة لتسييل الغاز وتصديره قرب الساحل الإسرائيلي، إلا أن هذا الخيار باهظ الثمن ويواجه أخطاراً أمنية؛ ورابعاً عن طريق التصدير إلى الجوار مثل الضفة الغربية والأردن، وهذه المشاريع قليلة الكلفة نسبياً، وتسمح لإسرائيل بالهيمنة على تزويد مصدر للطاقة إلى مناطق ودول عربية، وهنا خطورة الأمر. وثمة خطة لتشييد خط للغاز طوله 15 كيلومتراً يمتد من الشبكة الإسرائيلية إلى الحدود الأردنية جنوب البحر الميت، ولكن هذا الخيار وحده غير مجدٍ للشركات العاملة التي تطمح إلى مشاريع تصدير أخرى لتحقق أرباحاً أكبر.
يُذكر أن احتياطات الغاز الإسرائيلية ضئيلة جداً (680 بليون متر مكعب أو أقل من 0.4 في المئة من الاحتياط العالمي المؤكد). ولذلك لا بد للسياسة الإنتاجية والتصديرية لإسرائيل أن تكون محدودة جداً، على رغم توقعات بأن تستغل إسرائيل اكتشافها للغاز في دعم إستراتيجيتها الأمنية الإقليمية، بالإضافة إلى دعم اقتصادها.