تتمتع الأغذية العضوية بالكثير من المركبات المضادة للأكسدة المرتبطة بأفضل حالات الصحة وأدنى مستويات المعادن السامة والمبيدات الحشرية، طبقا لآخر تحليل علمي شامل صادر حتى الآن.
ويقترح الفريق العلمي الدولي الذي يعمل على التحليل الجديد، أن التحول من تناول الفاكهة العادية إلى الفاكهة والخضراوات العضوية يمكن أن يمنح الجسم الفوائد نفسها عن طريق إضافة جزء أو جزأين من جرعة (خمسة في اليوم) الموصى بها حاليا.
ويخلص الفريق، الذي يقوده البروفسور كارلو ليفيرت في جامعة نيوكاسل، إلى أن هناك فوارق مهمة وذات دلالات إحصائية، مع وجود مجموعة من المضادات للأكسدة الموجودة بنسبة كبيرة في الأغذية العضوية فيما بين 19% و69%. وتلك هي أولى الدراسات التي تظهر الفوارق الواضحة وواسعة النطاق بين الفاكهة والخضراوات والحبوب العضوية والتقليدية.
ويقول الباحثون إن المستويات المرتفعة من مضادات الأكسدة تعادل واحدا إلى اثنين من الأجزاء الخمسة للفاكهة والخضراوات الموصى بتناولها يوميا، ويمكن من ثم إن تكون ذات مغزى مهم ومؤثر من حيث التغذية البشرية، إذا تأكدت المعلومات التي تربط تلك [المركبات] بالفوائد الصحية الناتجة عن زيادة استهلاك الفاكهة والخضراوات والحبوب.
وتجلب هذه النتائج المزيد من الزخم لقطاع عريض من الباحثين حول ما إذا كانت تلك الفوارق تعني أن الأغذية العضوية هي أفضل للناس، مع وجود أحد الخبراء الذي يزعم أن الدراسة ينقصها الكثير من الوضوح.
ومن جهته، يصرح توم ساندرز، أستاذ التغذية في كلية كينغز كوليدج لندن، بأن البحث يظهر وجود بعض الفوارق فعلا. «ولكن يبقى السؤال ما إذا كانت تلك الفوارق ضمن الاختلافات الطبيعية؟ وهل هي وثيقة الصلة من الناحية التغذوية؟ إنني غير مقتنع».
أضاف ساندرز أن بحث البروفسور ليفيرت أثار نوعا من الجدل فيما مضى. «لدى ليفيرت الكثير من الخصومات مع الكثير من الناس. وهو يبالغ كثيرا في (تقريره)». ولاحظ ساندرز كذلك أن البحث أظهر وجود محتوى بروتيني قليل في الحبوب العضوية عن المحاصيل التقليدية.
وخضع البحث لمراجعة الخبراء ونشر في مجلة علمية تحظى بالاحترام، وهي المجلة البريطانية للتغذية. وكان من المقرر نشره في الأسبوع المقبل، غير أنه نشر بالفعل على الكثير من المواقع الأكاديمية الإلكترونية.
وتستند نتائج البحث إلى تحليل 343 دراسة سابقة خضعت كلها لمراجعة الخبراء من جميع أنحاء العالم – أكثر من ذي قبل – وكانت تبحث في الفوارق بين الفاكهة والخضراوات والحبوب العضوية والتقليدية.
وقالت هيلين براونينغ، المدير التنفيذي لرابطة التربة (Soil Association)، التي تناضل من أجل الزراعة العضوية: «إن المسألة المهمة للغاية حول ذلك البحث هو أنه يهدم أسطورة أن أسلوب الزراعة لا يؤثر في نوعية وجودة الأغذية التي نتناولها».
وتشهد مبيعات المملكة المتحدة من الأغذية العضوية، التي غالبا ما ترتفع تكلفتها كثيرا عن الأغذية غير العضوية، انتعاشا عقب ركود عانته خلال الأزمة الاقتصادية.
تنتج النباتات الكثير من المركبات المضادة للأكسدة لتقاوم هجمات الآفات، ومن ثم فإن المستويات المرتفعة للمحاصيل العضوية قد تنتج عن افتقارها إلى البروتين عن طريق الرش الكيماوي للآفات. لكن العلماء يقولون إن هناك أسبابا أخرى ذات أهمية، مثل مختلف الأصناف العضوية التي يجري إنتاجها لتصبح أكثر مقاومة ولا يطغى عليها إفراط الأسمدة الصناعية.
إلى ذلك، خلص ليفيرت وزملاؤه إلى أن الكثير من مضادات الأكسدة «ارتبطت سابقا بتخفيض خطر الأمراض الوراثية، بما فيها أمراض القلب والأوعية الدموية، والأمراض العصبية وبعض أنواع السرطان». غير أنهم لاحظوا كذلك أنه لم تجر أي دراسات طويلة الأجل حتى الآن، تظهر الفوائد الصحية من التغذية العضوية واسعة النطاق.
ومن أحد أكثر نتائج البحث إثارة للدهشة كان وجود مستويات عالية الارتفاع من الكادميوم، وهو معدن سام، في المحاصيل التقليدية. كما عثروا على بقايا المبيدات على المحاصيل التقليدية بنسبة تركيز تعلو أربع مرات عن الأغذية العضوية. وتلقى البحث التمويل من الاتحاد الأوروبي ومؤسسة خيرية معنية بالزراعة العضوية.
كما طال البحث الكثير من الانتقادات لعدد من الأسباب؛ منها أن إدراج الكثير من الدراسات في التحليل قد يعني أن العمل قليل الجودة من شأنه تشويه النتائج، رغم إجراء الفريق تحليلات تتسم بالحساسية، ووجدوا أن استبعاد العمل الضعيف لم يغير من النتيجة في شيء.
وانتقاد آخر يقول إن المستويات العالية من الكادميوم والمبيدات في المحاصيل التقليدية لا تزال أدنى بكثير من الحدود التنظيمية. غير أن الباحثين يدفعون بأن الكادميوم ذا طبيعة تراكمية في الجسم على المدى البعيد وأن بعض الناس يرغبون فعلا في تجنب ذلك، وأن حدود المبيدات يجري ضبطها بشكل فردي، وليس لقاء مجموعة الكيماويات المستخدمة في المحاصيل.
وهناك انتقاد آخر يدفع بأن الفوارق الملاحظة قد تنتج عن اختلاف المناخ، أو نوعية التربة أو أنواع المحاصيل، وليست نتيجة للزراعة العضوية، رغم أن الباحثين يقولون إنه بالجمع بين الكثير من الدراسات يمكن ترقية معدل تلك الفوارق المذكورة.
غير أن أكبر الانتقادات، رغم ما سبق، سوف يكون عن مقترحات الفوائد الصحية المحتملة. آخر التحليلات الكبرى الحديثة، الذي ضم 223 دراسة في عام 2012، خرج بدليل طفيف، إذ أكد أن «الأدبيات البحثية المنشورة تفتقر إلى الدليل الدامغ بأن الأغذية العضوية أكثر في فوائدها الغذائية بصورة كبيرة من الأغذية التقليدية».
وكان ذلك هو نفس الاستنتاج الذي خرجت به دراسات مصغرة نشرت في عام 2009 بمجلة علمية من قبل وكالة المعايير الغذائية البريطانية، رغم أن تلك الدراسة المذكورة شملت 11 دراسة فقط. ولم تذكر دراسة عام 2012 أن تناول الأغذية العضوية قد يساعد الناس في تجنب بقايا المبيدات.
وصرح ساندرز لصحيفة «الغارديان»، بأنه لم يكن مقتنعا بذلك العمل الجديد. «لن تكون في حالة غذائية أفضل إذا ما تناولت الأغذية العضوية، غير أن الأكثر أهمية هنا هو ما تتناوله، وليس إذا كان عضويا أو تقليديا. هو ما تتناوله من الفاكهة والخضراوات على الإطلاق».
وأضاف: «يبتاع الناس نظام وأسلوب حياتهم. حين يشعرون بالأمان لما ينمو من دون كيماويات وما ينمو من دون تدخل الشركات الكبرى».
وقال أيضا إن الزراعة العضوية تساعد في علاج مشكلة كبيرة بالمملكة المتحدة من حيث تدهور التربة والاستخدام الزائد للأسمدة المسببة لتلوث الأنهار.
وأظهر اقتراع أجرته رابطة التربة (Soil Association)، أن نسبة الأكل الصحي (55 في المائة)، وتجنب بقايا الكيماويات بنسبة (53 في المائة) هي الأسباب الرئيسة التي ذكرها المتسوقون وراء شراء الأغذية العضوية. ولكن، قال كثيرون غيرهم إن العناية بالبيئة (44 في المائة) ورعاية الحيوان (31 في المائة) هي من العوامل المهمة، كما هو الأمر بالنسبة للمذاق (35 في المائة).
وقالت براونينغ: «يدعم هذا البحث ما يعتقده الناس عن الأغذية العضوية. وفي بلدان أخرى، هناك مستويات أعلى بكثير من الدعم والقبول ولفترة طويلة لفوائد الأغذية والزراعة العضوية. وإننا نأمل أن تؤدي تلك النتائج إلى اتساق المملكة المتحدة مع باقي الدول الأوروبية».