الكومبيوترات الكمية تحل ألغاز الفضاء والكون

شكل انتقال الحوسبة من تقنية 32 – بت إلى 64 – بت قبل بضعة أعوام نقلة نوعية في عالم الكومبيوترات، إذ أصبح بالمستطاع مضاعفة القدرات الحسابية واختصار الزمن إلى النصف تقريبا. ولكن «الحوسبة الكمية» Quantum Computing ستغير من مفاهيم الحوسبة بشكل جذري، إذ إن الانتقال من تقنية 32 إلى 64 في «الحوسبة الكمية» سيقدم قفزة حسابية بمقدار 4 مليارات ضعف! ومن شأن هذه التقنية الثورية تطوير مفاهيم الحوسبة وتطوير البرامج بشكل غير متوقع، مع توفير محاكيات سحابية حاليا للتأكد من أن البرامج الجديدة ستستفيد من الحوسبة الكمية، الأمر الذي يسمح للمبرمجين بتجربة الكومبيوترات الكمية فعليا ومجانا. وتعمل «غوغل» ووكالة الفضاء الأميركية «ناسا» على تطوير جيل جديد من الكومبيوترات الكمية من شأنه حل الكثير من المشكلات التي تواجه الكثير من القطاعات، وإيجاد أفضل الحلول أداء في أقصر وقت ممكن.

* مفاهيم فيزيائية تعتمد هذه الحوسبة على مفهوم الفيزياء الكمية، والتي تقول باختصار إن أي جسم يستطيع أن يوجد في حالتين في آن واحد. ولا يوجد تعريف محدد للحالة، إذ إنها قد تكون دوران الإلكترونات أو قطبية الفوتونات، مثلا. وبتطبيق هذا المبدأ على أسس الحوسبة، سيصبح بمقدور الدارات الإلكترونية أن تحتوي على صفر أو واحد أو كليهما في آن واحد، ولكن سيظهر أمام المستخدم أي قيمة منهما عشوائيا لدى النظر إلى محتوى الدارة. ويمكن القول بأن استخدام الإلكترونات في الحوسبة الكمية يعني التحكم بدورانها، وأنها ستدور في اتجاه ما أو الآخر أو الاتجاهين في آن واحد، ولكن مع عدم القدرة على مشاهدة دوران الإلكترون في الاتجاهين. وبالنظر إلى 8 بت من هذه الظاهرة (يطلق عليها اسم «كيوبت QuBit» فإنها تحتوي على جميع القيم الممكنة من 0 إلى 255 من 00000000 إلى 11111111 في النظام الثنائي.

ويمكن رفع قيم الاحتمالات بزيادة عدد الـ«كيوبت»، إذ إن 32 كيوبت يستطيع تخزين 4.297.967.296 قيمة في آن واحد، بينما يستطيع 64 كيوبت تخزين 18.446.744.073.709.551.616 قيمة في آن واحد، أي أن معالج 64 كيوبت يقدم قدرة معالجة أعلى بـ4 مليارات ضعف مقارنة بمعالجات 32 كيوبت. ويمكن للمعالجات الكمية إجراء عمليات حسابية هائلة في آن واحد، ولكن المستخدم سيرى قيمة واحدة في أي لحظة، مع تغير القيمة في أي لحظة أخرى، نظرا لتعريف الحوسبة الكمية بأن الجسيمات توجد في أكثر من حالة في آن واحد.

* تطبيقات مقبلة وتستخدم «غوغل» ووكالة الفضاء الأميركية «ناسا» نظاما كميا يعمل بتقنية 512 كيوبت تحت اسم «دي ويف 2» D – Wave Two يعمل في درجة حرارة تبلغ 100 ضعف أبرد من درجة حرارة الفضاء الخارجي، وفي معزل عن المجال المغناطيسي للأرض (يعتبر المجال المغناطيسي للأرض أقوى بـ10 آلاف مرة من بيئة العمل المناسبة للمعالجات الكمية)، الأمر الذي يتطلب عزل المعالج الكمي داخل 5 دروع أسطوانية ووضعه داخل صناديق خاصة يبلغ ارتفاعها 3 أمتار، وفي درجات حرارة شديدة الانخفاض.

وتستطيع هذه المعالجات مساعدة وكالة الفضاء الأميركية في إيجاد أفضل السبل الممكنة لاستكشاف الفضاء وإرسال المركبات الفضائية في مسارات مختلفة وضمان استخدام أكثر المسارات كفاءة بعد محاكاة حركة الكواكب والنيازك وحقول الجاذبية المختلفة على بعد ملايين الكيلومترات، وبسرعة عالية، أو تطوير قدرة الوكالة على إيجاد أفضل الحلول للمشاريع الفضائية والأرضية والبيئية. أما بالنسبة لـ«غوغل»، فتأمل الشركة بإيجاد نظام يساعد في العثور على أفضل الحلول الممكنة للكثير من المشكلات الحسابية المتطلبة، مثل التغيرات الجوية أو محاكاة العثور على أفضل سعر ممكن لرحلة بين 20 مدينة مختلفة، مثلا، باستخدام عشرات الخيارات من شركات الطيران والحجوزات والخيارات الأخرى، في زمن قياسي شبه فوري، الأمر الذي كان سيتطلب ساعات طويلة جدا من عمل الكومبيوترات التقليدية.

ومن التطبيقات الرياضية المثيرة للاهتمام القدرة على التعرف على الأرقام التي تتكون من مضروب أعداد أولية، مثل 221 الذي يتكون من ضرب 13 بـ17. ويتطلب التعرف على هذه الأرقام عمليات حسابية مطولة في نظم الحوسبة التقليدية الحالية، والتي غالبا ما تتطلب إجراء الكثير من العمليات الحسابية غير الضرورية للتجربة. ويمكن باستخدام الحوسبة الكمية الوصول إلى هذه القيم بسرعات غير مسبوقة، وذلك بسبب أن البرنامج لن ينظر إلى القيم الموجودة في كل كيوبت (ستتغير القيم في كل مرة يطلب فيها البرنامج المحتوى الموجود في أي كيوبت)، بل سيتعرف على القيم المتكررة في كل كيوبت ويقيس فترة تكرارها، الأمر الذي يتطلب عمليات حسابية مضنية في نظام الحوسبة العادية (قد يصل إلى عشرات السنين في تقنية 2048 بت المستخدمة في الكثير من تطبيقات الحماية والترميز أو التشفير الموجودة اليوم)، ولكنها ستكون شبه آنية في نظام الحوسبة الكمية.

وأطلقت جامعة «بريستول» خدمة تجربة البرامج سحابيا على الكومبيوترات الكمية مجانا، وذلك لمحاكاة عمل البرامج المختلفة والتعرف ما إذا كانت تصلح للعمل على الكومبيوترات الكمية الحقيقية أم لا. وتستخدم هذه الخدمة تقنيات الحوسبة العادية، ولكن إذا ما اجتاز البرنامج الشروط المطلوبة، فسيسمح له بالعمل على كومبيوتر كمي حقيقي يستخدم الفوتونات، مع توفير توثيق مفصل للمبرمجين. ويمكن الحصول على المزيد من المعلومات بزيارة موقع الجامعة:

www.bristol.ac.uk/quantum- computing ولا تزال هذه التقنية في مهدها، ولكن من شأنها تذليل العمليات الحسابية المعقدة جدا وجعلها فورية، وعلى مستوى مصغر من قدراتها الممكنة، الأمر الذي قد يفتح آفاقا غير مسبوقة من الخدمات السحابية الممكنة للمستخدمين خلال بضع سنوات، والتي لن تخطر بمخيلتهم على الإطلاق.

+ -
.