المخرجة الاسرائيلية مور لوشي: “انتصارات حرب 67 كانت انتصارات مأساوية”

عرض مهرجان برليناله هذا العام فيلماً وثائقياً للمخرجة الإسرائيلية مور لوشي. يتناول هذا الفيلم تسجيلات صوتية لجنود إسرائيليين كانوا قد عادوا للتو من حرب عام 1967.DW عربية التقت المخرجة وحاورتها حول فيلمها “أصوات محظورة”.

DW عربية: كيف أتت لك فكرة عمل هذا الفيلم الوثائقي ولماذا سميته “أصوات محظورة”؟

مور لوشي: كنت أدرس للحصول على درجة عليا في التاريخ، وبالصدفة قرأت كتاباً اسمه “اليوم السابع”، وكان كتاباً مناهضاً للحرب. وقد شعرت بالصدمة عندما اكتشفت أن هذا الكتاب كان موجوداً على رفوف المكتبات بعد شهرين أو ثلاثة فقط من نهاية حرب الأيام الستة عام 1967. وأنا أعتبر نفسي إنساناً مهتماُ بالسياسة، وأطالع الكثير من الكتب، ولكني لم أكن أعلم بوجود هذا الكتاب. وبعد ذلك بدأت بعمل التحريات، وعلمت أن هذا الكتاب مؤلف بناء على تسجيلات صوتية، كان قد سجلها الكاتب الإسرائيلي المعروف عاموس عوز بعد الحرب بأسابيع قليلة مع بعض الجنود الإسرائيليين الذين شاركوا في الحرب. وعلمت أيضاً أن الرقابة الإسرائيلية منعت نشر 70 بالمئة من هذه التسجيلات. ومع أن الكتاب مهم جداً، إلا أن حظر سبعين بالمئة من التسجيلات كان شيئاً مثيراً بالنسبة لي، ولذا قررت أن أعمل فيلماً عن ذلك.

وكيف حصلت على هذه التسجيلات؟

حاولت التواصل مع أبراهام شابيرا، وهو الرجل الذي أصدر كتاب “اليوم السابع”. لكنه في البدء رفض، وقال لي إن العديد من الصحفيين جاؤوا إليه وطلبوا هذه التسجيلات ولكنه لم يوافق. ولكن أصررت على الالتقاء به وأقنعته في آخر المطاف، ووافق هو أيضاً قائلاً، إنه حان الوقت لجيلنا أن يعرف حقيقة هذه التسجيلات وأن يبدأ نقاش داخل المجتمع حول القيم والضمير وأخلاقيات الحرب. ولذلك من المهم أن نسمع هذه الأصوات في وقتنا الحالي. الفيلم يعرض هذه التسجيلات لأول مرة في التاريخ، لذلك كان نشرها مهماً، وكان محتواها بالنسبة لي صادماً أيضاً في بعض الأحيان. الأصوات المسجلة تحتوي على أفكار شخصية جداً للجنود بعد أسبوع فقط من رجوعهم من الحرب.

ما الذي جعل السلطات الإسرائيلية توافق على نشر هذه التسجيلات الآن؟

أعتقد أننا أصبحنا الآن في حقبة تاريخية مختلفة. نحن الآن في عصر الإنترنت، وكل شيء يتم تسريبه. وأعتقد أن إسرائيل تعلم أنها لم يكن بمقدورها مواصلة حظر هذه التسجيلات. لم يتغير الوضع في المناطق الفلسطينية منذ 46 عاماً، ولكنني أعتقد أن جهاز الرقابة في إسرائيل تغير وأصبح أكثر تحرراً، لذلك سمح لنا بنشر وسماع هذه الأصوات المميزة.

هل عرض الفيلم في إسرائيل نفسها؟

حتى الآن لا. أول عرض لنا كان في مهرجان ساندانس (الولايات المتحدة الأمريكية)، ونحن سعيدون أيضاً لأنه تم دعوتنا للبرليناله. وفي أيار/مايو القادم سنعرض الفيلم ضمن مهرجان كبير في إسرائيل، ثم سيعرض الفيلم في دور السينما، وبعد ذلك سيعرض على قناة وثائقية إسرائيلية. وأنا متشوقة لأن يحصل نقاش عام كبير حول الفيلم، وأعلم أنه سيكون هناك الكثير من الكلام حوله. فحرب عام 1967 ما زالت جرحاً مفتوحاُ، ونحن ما زلنا وسط هذا الصراع، لذلك فإن الفيلم لا يتعلق بالماضي فقط، بل أيضاً بالحاضر، وهو يدخل في صميم واقعنا.

هل تخشين أن يتم اتهامك بالخيانة في إسرائيل، لأنك تكشفين في الفيلم عن أخطاء الجيش الإسرائيلي آنذاك؟

أعتقد أن ما أريد إظهاره في الفيلم هو قصة هؤلاء الجنود الذين كانوا يشعرون أنهم خرجوا للدفاع عن أنفسهم ـ وهو صحيح، لأنهم كانوا فعلاً في خطر ـ لكنهم عادوا من الحرب كقوة عسكرية محتلة. وخلال الأيام الستة للحرب مروا بأزمة أخلاقية. وأنا أشعر أنني أعمل الصواب عندما أُظهر هذه الأصوات، لأنني ولدت وترعرعت وأعيش الآن في إسرائيل، وأريد لأطفالي أن يعيشوا في مستقبل أفضل، ولذلك علينا أن نكافح من أجل هذا المستقبل، وهو ما يعني التوصل لحل سلمي والخروج من دوامة العنف. وكدولة ديمقراطية، علينا أن نواجه أخطاءنا. وأنا لا أعتبر نفسي خائنة، بالعكس، أنا أكافح من أجل مستقبل أفضل لأطفالي، من أجل مستقبل مليء بالسلام ومختلف عما عايشه جيلي. نحن لا نريد المزيد من الحروب، لا نريد أن يكون هناك حرب كل سنتين. وإذا وصفني أحدهم بالخائنة، فإنني سأستطيع التعامل مع ذلك. انتصار عام 1967كان نصراً عظيماً، لكنه كان نصراً مأساوياً، لأننا نخسر هذا النصر شيئاً فشيئاً كل يوم.

إسرائيل تقول عن نفسها دائماً إنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، فكيف يمكن لدولة ديمقراطية أن تمنع نشر أصوات كهذه طول هذه الفترة؟

الديمقراطية كلمة كبيرة… أعتقد أن كل دولة تدخل في حرب، فإنها ترتكب أخطاءً. ليس هناك حرب نظيفة، كل الحروب وسخة، وكل الأطراف تخسرالحرب في آخر المطاف. كي نصبح دولة ديمقراطية متكاملة، علينا أن نقبل بحل الدولتين، أو نجد حلاً آخراً. الفيلم يريد منا أن نسائل ماضينا بدقة، من أجل أن يكون لنا مستقبل أفضل. فكل دولة تدخل في حرب، تخسر وتقوم بأشياء فظيعة.

في أحد مشاهد الفيلم يقول أحد الجنود إنه تلقى أثناء الحرب أوامر بإطلاق النار على كل من يعترض طريقه، ومن هؤلاء من كان مثلاً من الجنود المصريين المهزومين وغير المسلحين. وأحد الجنود الإسرائيليين يقول في التسجيل إن بعض الجنود قتلوا مدنيين فلسطينيين هُجروا من بيوتهم. هل تعتقدين أنه بالإمكان الحديث هنا عن جرائم حرب؟

أعتقد أن كل حرب لها جرائمها. كان من المهم بالنسبة لي أن أريَ هذه الجرائم من أجل أن أدرك معنى الحرب وما يمكن أن يخسره الجانبان من خلال الحرب. فالجيش الإسرائيلي بقي بعد الحرب في المناطق الفلسطينية، وهذا هو الشيء المخيف في الموضوع. إذ إن هؤلاء الجنود تنبؤوا بالمستقبل، وكانوا يعرفون آنذاك أن احتلال مناطق مدنية هو شيء خطير. جرائم الحرب تحصل في كل حرب، والمحزن أيضاً هو بقاء الاحتلال في المناطق الفلسطينية. وكان من المهم لي أن أوصل هذه الفكرة في الفيلم.

في أحد المقاطع يقول أحد الجنود عما عايشه عند احتلال الضفة الغربية: “عندما ترى قرية بأكملها تقاد كالخراف، دون أن تظهر أي نوع من المقاومة، فإنك تدرك ما معنى المحرقة -الهولوكوست”. ماذا تعني هذه الجملة بالنسبة لك كامرأة يهودية؟

صدمتني هذه الجملة. هذه المقارنة لا تعني أن ما حصل في حرب 67 شبيه بالهولوكوست. فهذان شيئان مختلفان جذرياً ولا يمكن تشبيههما ببعضهما البعض. ما أفهمه هو أن هؤلاء الجنود يريدون أن يقولوا إنهم يعترفون بمعاناة الشعب الفلسطيني وبأوجاعه، إذ إن بعض الجنود عانوا هم أيضاً من الهولوكوست. في عام 1967 كان قد مضى على الهولوكوست عشرون عاماً فقط، وآنذاك كان المجتمع الإسرائيلي في وسط نقاش عام واسع حول جرائم النازيين. وهؤلاء الجنود الذين قاموا بالتسجيلات كانوا في صراع داخلي ويتساءلون: “هل نحن مثل الألمان، أم لا؟” المهم في الموضوع هو أن هؤلاء الجنود اعترفوا بمعاناة الآخر وأوجاعه.

يبدو أن تاريخ إسرائيل الحديث هو موضوع رئيسي في فيلمك “الأصوات المحظورة” وأفلامك السابقة. ماذا عن مشاريعك المستقبلية؟

أخطط حاليا لعمل فيلم عن اتفاقية أوسلو، وهي الاتفاقية التي وقعها الفلسطينيون مع إسرائيل عام 1994. هذه الاتفاقية غيرت خارطة المنطقة مرة أخرى، كما غيرتها حرب عام 1967. تشدني هذه المواضيع التاريخية، مع العلم أن هذه الأشياء لا تتعلق فقط بالماضي، بل تؤثر على حاضرنا ومستقبلنا أيضا.

أجرى الحوار: نادر الصراص

+ -
.