
تتجه الأنظار الى منطقة تل أبيض شمال محافظة الرقة، والتي يبدو انها ستكون الحلقة الأهم في الصراع الذي تشهده المنطقة، فحدودها مع تركيا تمتد لأكثر من 125 كيلومتراً وتشكل ممراً للكثير من العابرين غير الشرعيين، ويحلم بعضهم بضم هذه المنطقة الى الكيان الكردي المزعوم وتجلى ذلك في نشر بعض الاحزاب الكردية عقب اجتماع لها منذ ايام خريطة (مصورة) تعتبر منطقة تل أبيض جزءاً من كردستان الغربية والرابط بين مناطق تواجد الاكراد في ريف الحسكة الشمالي وريف حلب الشمالي.
لم تظهر أهمية منطقة تل أبيض خلال هذه الايام فقط بل كانت الهدف الرئيس لمسلحي المعارضة لأن السيطرة عليها تعني فتح وتأمين خطوط الامداد (التموين والتطبيب والتسليح) مع تركيا، وقد تمت السيطرة على المدينة نهاية شهر ايلول (سبتمبر) عام 2012 بعد ان فتحت البوابة الحدودية مع تركيا ابوابها امام العشرات من السيارات ومئات المسلحين، ثم أكملت المعارضة السيطرة على باقي بلدات المنطقة وأبرزها ناحية سلوك وتأمين الخط الشرقي والتوجه الى مدينة رأس العين في محافظة الحسكة لتسيطرعليها لاحقاً وحدات حماية الشعب الكردي .
منطقة تل أبيض تقدر مساحتها بنحو 10 آلاف كيلومتر مربع أي ما يعادل مساحة لبنان وعدد سكانها في بداية عام 2011 تجاوز200 ألف نسمة، وتمتد حدودها الادارية من منطقة عين العرب(كوباني) غرباً / حلب ، الى حدود رأس العين / الحسكة شرقاً، تسكنها عشائر عربية مترابطة وغالبيتها من قبيلة قيس أو كما تلفظ محلياً ( جيس) .. وفي مدينة تل أبيض والريف القريب منها يتواجد المسيحييون وغالبيتهم من الارمن الذين قدموا الى سورية ابان مذابح الاتراك ضد الارمن بداية القرن الماضي. يسكن العرب والاكراد في قرى تل أبيض الغربية حتى قرية بغديك بينما تجاورها قرية خان الجرادي (بندر خان) وتسكنها عائلة الجرادي التي تنتمي الى عشيرة البوجرادة. وهذه القرى متداخلة ومختلطة بين عرب وأكراد وهناك علاقات مصاهرة بينهم ناهـــيك عن الــعـلاقات الاقتصادية وكذلك الحال في مدينة تل أبيض التي يتوزع أسواقها وحركة تجارتها عرب وأكراد وتركمان ومسيحيون.
الريف الغربي يشهد حالة اختلاط بين سكانه من أكراد وعرب وأبناء العشائر العربية، أما الريف الشرقي الممتد من مدينة تل ابيض حتى مدينة رأس العين في محافظة الحسكة فتقطنه قبائل عربية.
العشائر يعيش ابناؤها في الطرف التركي المحاذي للحدود، وحتى هذه المنطقة هي مناطق عربية وجزء من الجزيرة العليا وهي واحدة من ثلاث محافظات سورية تقع تحت السيطرة التركية وهي (لواء اسكندرون – كيليكيا – الجزيرة العليا).
هذه الحقائق لا يستطيع أحد تغييرها رغم كل ما تتعرض له المنطقة من حملات أقلها إعلامية وكذلك تحضيرات على الارض بدأ العمل بها منذ سنوات من قبل بعض الاكراد الانفصاليين. فقد اعلن في الاجتماع الذي ضم عدداً من الاحزاب الكردية في مدينة القامشلي في محافظة الحسكة منذ ايام وبحسب مصادر اعلامية ان ممثل الحزب الديموقراطي نوري بريمو قدم إلى الاجتماع خريطة لـ «كردستان سورية» تضمنت ربطاً بين أقاليم الإدارات الذاتية الكردية الثلاث من الجزيرة في شمال شرقي سورية وقرب كردستان العراق الى عين العرب (كوباني) وعفرين في شمال سورية قرب الحدود مع تركيا، بالتزامن مع مطالب بتوفير «ممر آمن» بين الجزيرة وعين العرب.
وبالتوازي مع ذلك وفي اليوم الثاني للإجتماع أطلق ناشطون أكراد حملة «لتأكيد الهوية الكردية لمدينة تل أبيض» واعتبارها جزءاً من اقليم «كردستان سورية».
وبالعودة الى الخريطة التي قدمها ممثل الحزب الديموقراطي نوري بريمو فقد ضمت كل منطقة تل أبيض وقسماً كبيراً من ريف الرقة الشمالي ومنـــها مناطق تل السمن التي تبعد عن مدينة الرقة حوالى 40 كيلومتراً ما يعني بأن الخارطة تمتد لنحو 70 كيلــــومتراً على الحدود السورية الـــتركية. ويكفـــي ان نشير الى ان عدد القرى التي تتبع ادارياً لمنطقة تل أبيض هي اكثر من 630 قرية، بينها حوالى 27 قرية كردية.
المعارك المستمرة بين القوات المشتركة المدافعة عن عين العرب في الريف الشرقي (وحدات حماية الشعب – البيشمركة – ولواء ثوار الرقة) يعتبرها بعض الساسة الكرد مقدمة للسيطرة على منطقة تل أبيض وضمها الى «كردستان سورية» ويتم ذلك تحت مظلة التحالف في حربه على تنظيم الدولة الاسلامية «داعش». وفي المقابل أعلن الكثير من وجهاء المنطقة وشيوخ العشائر بأن أي تقدم للأكراد بهدف السيطرة على المنطقة سيكون معركة مع العرب من أبناء المنطقة، خصوصاً في ظل انسحاب وتراجع تنظيم «داعش» وقيامه بترحيل عائلات المهاجرين من التنظيم الذين يسكنون في تل أبيض باتجاه مدينة الرقة.
وتحسباً لهذا الموقف فقد اعلن منذ ايام ابو عيسى قائد لواء ثوار الرقة بأنه لن يدخل الى مدينة تل أبيض سوى عناصر لواء ثوار الرقة. ولكن التطورات على الارض تشي بأمور أخرى ولعل أهمها التحرك العسكري التركي الذي تمثل بإخلاء المنطقة الحدودية التركية من المدنيين وانتشار الجيش التركي على الحدود مما ينذر باحتمال تدخل عسكري تركي وشيك في حال تقدم القوات الكردية التي تتخذ من حربها على تنظيم الدولة الاسلامية «داعش» ذريعة للسيطرة على منطقة تل ابيض وضمها الى اقليم (كردستان سورية )، في الوقت الذي يقف الكثير من المواطنين والسياسيين الاكراد ضد هذا المشروع.
فقد رفض حزب الشباب الوطني السوري في بيان له يوم الاحد 15-2-2015 البيان الصادر عن لقاء الحزب الديموقراطي الكردي السوري برئاسة صالح مسلم والمنبر الديموقراطي الكردي برئاسة صلاح درويش والفصائل الكردية المعارضة التي اجتمعت في اسطنبول والتي اعتبرت ان النظام السياسي الجديد في سورية يجب أن يكون نظام اتحاد فيديرالي ويصنف الأكراد كقومية تملك وحدة جغرافية وبشرية.
ويؤكد حزب الشباب الوطني السوري المرخص من الحكومة السورية وتتزعمه بروين ابراهيم وهي كردية من منطقة القامشلي أن «الأكراد جزء من النسيج الوطني».
إلا أن التحرك التركي على الشريط الحدودي وبحسب بعض ابناء المنطقة سيكون بالتعاون مع بعض فصائل المعارضة المسلحة التي تتخذ من تركيا مقراً لها، ودخول هؤلاء الى جانب الجيش التركي الذي يمكن ان يكتفي بالإسناد سيدفع الكثير من أبناء المنطقة للإنضمام اليهم والوقوف معاً في مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية من جهة وتمدد الاكراد من جهة أخرى باتجاه المدينة.
في الجانب المقابل فان خسارة «داعش» لمنطقة تل أبيض التي سيطر عليها منتصف كانون الثاني (يناير) 2014 ستكون الاقسى على التنظيم نظراً لموقعها الجغرافي على الحدود التركية وبذلك يغلق الباب بوجه الراغبين في الإلتحاق بهذا التنظيم من الخارج.