انعكس تأثير مقاطعة الأسواق الأوروبية لمنتجات المستوطنات المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 سلبا على الاقتصاد الإسرائيلي، وبرز تراجع مجمل صادرات الاستيطان الصناعية والتجارية في 2013 بنحو 14%، فيما سجلت المنتجات الزراعية من الخضروات والفواكه تراجعا بحوالي 50% بعد أن وصل حجم أرباح الصادرات الزراعية في 2012 إلى حوالي 650 مليون دولار.
وأشارت معطيات دائرة الإحصائيات المركزية إلى تراجع نمو الاقتصاد العام الماضي إلى 3.3% وهو الأدنى في الأعوام الأربعة الماضية، وذلك رغم الشروع في إنتاج الغاز الطبيعي الذي ساهم وحده بنمو الاقتصاد بنحو 0.9%، إذ تراجع مجمل التصدير بنسبة 0.1%، وهبطت الصادرات الصناعية بحوالي 3.5%.
وأجمع باحثون واقتصاديون على أن إقامة مصانع لإنتاج السلع التصديرية في المستوطنات تحقق مصلحة مضاعفة للسياسة الإسرائيلية، فمن جهة تضمن السيطرة على أراضٍ فلسطينية، ومن جهة ثانية تدعم المشروع الاستيطاني وتقوي الاقتصاد الإسرائيلي الذي يعتمد بدرجة كبيرة على التصدير، وجزء ليس بالقليل من الصادرات مصدره المستوطنات.
سلاح وحراك
ويرى مدير جمعية إعمار للتنمية والتطوير الاقتصادي بالداخل الفلسطيني يوسف عواودة أن استمرار عمل المصانع والمنشآت الزراعية والتجارية بالمستوطنات مرهون بحسابات الجدوى الاقتصادية.
ويضيف أن المقاطعة ستضر باقتصاد هذه المصانع، وستضعها أمام خيارين: إما إغلاق أبوابها أو انتقالها إلى داخل إسرائيل، وفي كلتا الحالتين النتيجة في غير صالح السياسة الاستيطانية الإسرائيلية، ولعل هذا ما يفسر قلق تل أبيب المتزايد حيال حملات المقاطعة، خصوصا في أوروبا التي تعتبر من كبار المستوردين لبضائع إسرائيل.
وقال عواودة للجزيرة نت “لقد كانت لنا في الداخل الفلسطيني تجربة تؤكد فاعلية سلاح المقاطعة، حيث أعلنا عام 2010 حملة لمقاطعة منتجات المستوطنات، مما اضطر الحكومة الإسرائيلية لسن قانون يجرم ويغرم كل من يدعو لها”، مضيفا أن “تل أبيب تعي أكثر من غيرها فاعلية هذا السلاح، فهي أول من استعمله ضد الاقتصاد الفلسطيني إبان النكبة”.
ويعتقد عواودة أن المقاطعة الأوروبية هي نتاج حراك شعبي بدأ يعي أن شراء منتجات تصنع بمستوطنات مقامة على أراضٍ محتلة يعني دعم الاحتلال. وليس أمام الحكومات الأوروبية إلا قبول هذه الحملات الشعبية، خصوصا أن موقفها الرسمي رافض للاستيطان أصلا تماشيا مع القانون الدولي.
ومن المتوقع أن تتسع هذه الحملات كأن تطالب بمنع دخول المستوطنين إلى أوروبا، ومن الممكن أيضا أن تتخذ الحكومات الأوروبية إجراءات للتضييق على منتجات المستوطنات كأن تجعل لها رمزا خاصا يميزها عن البضائع المصنعة داخل إسرائيل.
رسائل ومخاطر
ويعزو الباحث في المركز اليهودي العربي للتطوير الاقتصادي داني جيرا مخاوف إسرائيل من المقاطعة الأوروبية لارتهان الاقتصاد الإسرائيلي واعتماده على التصدير الزراعي والإنتاج الصناعي للمنشآت والمزارع المقامة في المستوطنات بالضفة الغربية، خاصة أن الإنتاج كبير ويفوق بكثير احتياجات الاستهلاك المحلي.
ولفت جيرا في حديثه للجزيرة نت إلى أن إسرائيل ولتدعيم اقتصادها دأبت على دعم المشروع الاستيطاني بمنح الهبات والتسهيلات المالية والإعفاءات الضريبة لليهود لمواصلة السكن، إلى جانب تشجيع رجال الأعمال والشركات لنقل المصانع والمتاجر إلى المستوطنات والاستثمار بالزراعة وتخصيص وإصلاح عشرات آلاف الدونمات التي صودرت من الفلسطينيين.
من جانب آخر، يرى الباحث في الاقتصاد السياسي بمركز “مدى الكرمل” إمطانس شحادة بأن إسرائيل مصنفة عالميا على أنها دولة عنصرية، ولهذا جاءت حملات المقاطعة الشعبية لمنتجات المستوطنات لتشكيل ضغوطات على إسرائيل والدفع بمسيرة المفاوضات مع الفلسطينيين نحو حل الدولتين، خاصة أن الاتحاد الأوروبي -الذي يعتبر أكبر شريك اقتصادي لتل أبيب- ليست لديه قوة وآليات تأثير مباشر إلا بالمقاطعة.
وأوضح شحادة في حديثه للجزيرة نت أن تحذيرات وزير المالية الإسرائيلي يائير لبيد تأتي خشية من الوصول إلى مرحلة اللاعودة وفقدان السيطرة على تداعيات المقاطعة الأوروبية على الاقتصاد الإسرائيلي، وذلك إذا واصلت الشركات الأجنبية سحب الاستثمارات وصعدت أوروبا بمزيد من العقوبات في حال استمر الجمود في مسيرة المفاوضات.