برج خليفة من أبرز ديكورات الأرض

في واحد من أمتع وثائقيات هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» عن الكرة الأرضية وزينتها الخارجية، والكيفية التي وضع الإنسان لها ديكوراً أعطاها الشكل الجميل، الذي تظهر عليه سطوحها اليوم، جاء ذكر برج خليفة في دبي ضمن حلقة «مكان للعيش» كنموذج متقدم لأروع الحُلي التي زين بها الإنسان كوكبه.

http://www.youtube.com/watch?v=K4xGLGGw0Wk

ففي برنامج «الأرض المتوسعة» ذي الحلقات الثلاث، استُخدمت أعلى درجات التقنية الرقمية في التصوير والمونتاج وأُخضعت الصورة لضرورات النص المكتوب، ما جعل البرنامج عملاً تلفزيونياً يجمع بين جمال الصورة وروعة النص في توافق مدهش سهَّل توصيل حجم المعلومات الكثيرة فيه إلى المشاهد. وحتى الأرقام التي اعتمدها النص للتوثيق والمقارنة لم تكن ثقيلة، بل محفزة للتفكير في قدرة البشر الهائلة لا على تحويل سطح كوكبنا المائي والأجرد اليابسة، في أغلبه، الى مكان صالح للعيش الآدمي فحسب، بل ومزين أيضاً بديكورات أنيقة تجمل سطحه وتعطيه شكلاً متميزاً عن سطوح الكواكب الأخرى.

من أسفل إلى الأعالي

يروي لنا البرنامج كيف اختار الإنسان أن يبني بيته أولاً ثم مدينته، وظل هذا السلوك قائماً حتى اليوم، فمعظم المساحة التي يعيش فيها الناس هي المدن. وبالأرقام، فإن أكثر من نصف سكان الكرة الأرضية يعيشون على مساحة لا تتجاوز مساحة أستراليا، ولو جمعنا كل شوارع المدن في العالم وجاورنا بعضها إلى بعض، فإن مجموعها لا يزيد عن 1% من حجم مساحة الأرض الكلية، وبالتالي فإن تزيّن الكرة الأرضية وتصميم ديكوراتها عبر بناء الشوارع والبنايات والبني التحتية والمواصلات يظل محصوراً بالمدن الكبيرة، والناس الذين يعيشون فيها. ومع هذه الحقيقة ثمة تغييرات سريعة حدثت في هذا الجانب، حين ظهرت مدن ما كان متصوراً لها من قبل أن تظهر بالشكل الذي نراها عليه اليوم، ولا سيما في الصحراء العربية، التي اعتبرها البرنامج نموذجاً على قدرة الإنسان في هذه المنطقة على تحويل رمال الصحراء إلى مدن كبيرة، عصرية، مزينة بأحلى عمارات ناطحات السحاب والأبراج، كبرج خليفة، الذي يبلغ قرابة كيلومتر ارتفاعاً واستُخدمت فيه أعلى تقنيات البناء لتجاوز مشكلات فنية بدت في بادئ الأمر مستعصية على الحل بسبب شدة الحرارة التي تهدد بتمدد مواد البناء. وفي هذا المجال، يكشف الريبورتاج الخاص ببرج خليفة عن استخدام مهندسيه «الأسمنت المتجمد» الذي يمنع التمدد، وبالتالي يضمن سلامة البناء، ولكنه لا يركز على الجانب المعماري والهندسي فقط، بل يذهب إلى موضوع جانبي قد لا نلتفت إليه يتعلق بتنظيف واجهات هذا الصرح العمراني، فيُجري لمعرفة التفاصيل الخاصة بتنظيف شبابيكه التي يزيد مجموعها على عشرين ألف شباك، مقابلات مع مجموعة من المختصين بتنظيفها.

وهنا نجد أن فريق العمل يتكون من 15 متسلقاً يصعدون كل يوم إلى قمة البرج ويبدأون من هناك تنظيف واجهاته نزولاً نحو الأسفل في عمل أشبه بمغامرة الصعود الى قمة جبل إيفرست، فأي خطأ فيه يعرض العمال كلهم لخطر السقوط من أعلى برج في العالم. ومع هذا، فرئيس الفريق يشعر لحظة وصوله إلى قمة البرج والنظر إلى الأرض من علو، بأنه سيد هذه الأرض الشاسعة. ثم تمضي حلقة «مكان للعيش» لعرض المنجز العمراني المذهل للمنطقة الصحراوية وكيف نبتت من وسط رمالها مدن تجاوزت توصيفها بالعصرية الى «متروبولية»، ومثال دبي يقدّم بالأرقام، فمن ميناء صيد ساحلي تحولت اليوم إلى مدينة يسكنها أكثر من مليوني شخص. وخلال ثلاث عقود من الزمن ارتفعت على أرض الخليج أكثر من 150 ناطحة سحاب تزين وجه المنطقة والكرة الأرضية.

تجميل الأرض

يعرض البرنامج التلفزيوني البريطاني وبشكل بانورامي الإضافات الجمالية للبشر على كرتهم الأرضية على رغم ما يصاحبها من مشكلات سكانية وبيئية، ولكنها في النهاية تشكل جزءاً من عمليات التكيُّف مع رغبة العيش في المدن الكبيرة التي يصعب إيقافها، ومدينة هونغ كونغ خير مثال، فهذه المدينة التي تُزين واجهة الأرض بمبان وطرق غاية في الروعة، يعيش قسم من سكانها عملياً فوق الأرض، أي أن أقدامهم لا تلامسها مباشرة، فالتنقل بين شوارعها أو بناياتها يتم عبر شبكة معلقة من الممرات توصل نقاط المدينة بعضها ببعض، وفي الصين ثمة حركة بناء عمرانية هائلة تريد استيعاب هجرة الناس من الريف إلى المدينة، وقد استحدث مهندسوها طرق بناء جاهزة تركب خلال أيام قليلة، فمجمع سكني كبير يستوعب مئات الآلاف قد لا يزيد زمن بنائه على أسبوعين، لهذا نرى غابات من العمارات العملاقة تظهر فوق مدينة شنغهاي أسبوعياً تعطيها حلة جديدة لم تعرفها قبل عقدين من الزمن.

وشهدت طوكيو مبكراً حركة بناء سريعة أظهرت معها مشاكل تهدد بإغراقها، لعدم وجود مساحة كافية من الأرض لامتصاص مياه الأمطار الساقطة فوقها فتذهب إلى الأنهر التي ربما تفيض، في حين تواجه مدن القارة الأميركية مشكلات مختلفة، كالمكسيك التي بنيت على أرض رخوة تتسرب منها المياه، ما يتطلب بناء مجاري تصريف عملاقة يعرض البرنامج واحدة منها تبنى الآن في مكسيكو سيتي وتعد منجزاً بشرياً مدهشاً، بسبب قدرة البشر على التكيف مع بناء مدنهم العصرية وتزيينها بالحلي والديكورات الجميلة والتفكير بحلِّ ما يصاحبها من عوائق.

 

+ -
.