بعكس ما نعتقد.. للتقدم في العمر فوائد صحية وجنسية!

يفزع أكثرنا من تقدّمه في العمر، لكن هناك أدلة متزايدة على أن الكهولة تجلب معها السعادة والحكمة، وحتى حياة جنسية أفضل.

وثمة مثل إنجليزي يقول: “إنه لأمر رائع أن تكون طاعناً في السن ـ إذا ما تصورت البديل”.

أهلاً ومرحباً بكم في سن الشيخوخة. هناك أكثر من 800 مليون شخص ممن تجاوزا الستين عاماً، أما المعمّرون الذين تجاوزوا قرناً من الزمن فإن عددهم تجاوز عدد سكان ايسلندا (أي ما يقرب من 329 ألفاً)، ولذا يتعين على العالم أن يعدّ نفسه للتبعات الاقتصادية والاجتماعية لهذا الأمر.

عندما تسري الشيخوخة في الجسم، تدب إخفاقات عديدة فيه؛ من طوفانٍ مرضي إلى ترهل الجلد وتبلّد الحواس، أضف إلى ذلك التدخلات الطبية والتوقعات المتدنية للأداء. ولكن هل توجد بارقة أمل لمن يلتحق بفوج الطاعنين في السن؟

منذ قديم الأزل، كان التقدم بالسن مرادفاً لتدهور الصحة والجسم. وكان للأغريق نظرة مزرية لهذا الأمر على نحو خاص، إذ كان كثيرون منهم ينظرون إلى الشيخوخة على أنها علّة في حد ذاتها. ومع ذلك، وعلى عكس التوقعات، تشير أحدث الأبحاث العلمية حول الشيخوخة إلى أنها ليست ذبولاً بسيطاً للجسم. وكما جاء في تقرير سابق لـ”بي بي سي فيوتشر”، فإن الحياة تصل إلى ذروتها في وقت متأخر عما كنا نتصوره.

متى تبدأ الشيخوخة؟

اعتقد الشاعر الإيطالي دانتي أن الشيخوخة تبدأ عند عمر 45 عاماً. وخلص مسح لآراء العامة من البريطانيين إلى أن الشيخوخة تبدأ عند عمر 59 عاماً ـ كلما كان عمر المشارك في المسح أكبر، كلما ازداد العمر الذي يعتبروه بداية الشيخوخة. غير أن الأمم المتحدة وأغلب العلماء يعرّفونها باعتبارها أي عمر يتجاوز 60 عاماً.

زكام أقل

ليس العقل وحده الذي يصبح أكثر قوة بتقدم العمر، فنفس الأمر ينطبق على جهاز المناعة البشري الذي يواجه ملايين المخاطر المحتملة كل يوم. وباعتباره نظام حماية الجسم، يتوجب عليه أن يتعلم كيف يكشف نقاط الخطر، ولذلك تنتج أجسامنا كريات دم بيضاء فريدة من نوعها لكي تتطابق مع الشكل الجزيئي لملايين الخلايا والأجسام الغازية. وعندما تتعرف على عدو ما، فإنها تظل تتذكره، مكونة ’ذاكرة مناعية‘. فإذا ما ظهر ذلك العدو ثانيةً، تساعد كريات الدم البيضاء في حشد استجابة سريعة تجاهه.

يقول جون أبهام، من جامعة كوينزلاند بأستراليا، إن هذه الذاكرة قد تدوم لزمن طويل، مضيفا: “يمكن لجهاز المناعة، عند الذين أصيبوا بأمراض جرثومية عديدة، أن يتذكر الجرثومة لمدة 40 أو 50 عاماً في بعض الحالات. يصيب هذا الجهاز بعض الخلل عندما نصل لسن السبعين أو الثمانين، لكن هناك أمراً مفيداً علينا أن نعرفه ـ وخاصة ما يحدث عندما نصل لسن الأربعين وحتى سن الستين أو السبعين – حيث يتذكر جهاز المناعة الجراثيم التي مرت عليه خلال تلك السنوات.”

تعني هذه الحماية التراكمية أننا سنصاب بنوبات زكام أقل. فبينما يُتوقع من الشباب بعمر العشرينيات أن يصابوا بالزكام مرتين أو ثلات مرات سنوياً، نجد أن الذين تجاوزا عمر الخمسين يصابون به لمرة واحدة أو مرتين فقط.

في نفس الوقت، يميل الجهاز المناعي لأن يصاب بالوهن، في نواحي أخرى، مع تقدم العمر. يولد الجسم أعداداً أقل من كريات الدم البيضاء، كما أنها تصبح أكثر خمولاً. ثم إن الجهاز المناعي المعمر يصنع أجساماً مضادة أقل ـ وهي أنواع من البروتين تلتصق بالمواد الغريبة المسببة للمرض ليسهل التعرف عليها وإبادتها. لكن ماذا لو كان هذا الأمر منقذاً للحياة؟

الصمود بوجه الأوبئة

كان تفشي وباء الإنفلونزا عام 1918 هو الأكثر فتكا في تاريخ البشرية، إذ قضى على حياة 50 مليون شخص. لكنه كان أشد فتكاً بالنسبة لمن ينظر إليهم في العموم على أنهم أصحاء وأقوياء البنية ممن تراوحت أعمارهم بين 20 و40 عاماً. أما تفشي وباء إنفلونزا الخنازير عام 2009 فقد اتبع نمطاً غريباً مشابهاً، حيث حدثت أكثر الوفيات بين من هم دون عمر 65 عاماً.

يُعتقد أن الفيروسات تسببت في حدوث استجابات مفرطة في الجهاز المناعي للضحايا. فمن كان جهاز المناعة لديه أكثر فعالية، شهد استجابات أكثر درامية وضرراً، فيما أُطلق عليه مصطلح ’عاصفة السيتوكين‘.

تعتمد الاستجابة السليمة لجهاز المناعة على ردود الأفعال الإيجابية التي يستلمها الجهاز ـ فعندما تُكتشف مادة مسببة لمرض ما، تفرز الأنسجة المحيطة بها مواداً كيميائية تدعى “سيتوكين”، لتستنجد عن طريقها بجهاز المناعة. وعندما تصل الخلايا المدافعة إلى الموقع، يتم حثها لكي تفرز هي أيضاً مادة السيتوكين مما يستحث قدوم خلايا أكثر.

ولكن أحياناً تخرج هذه الدورة عن نطاق السيطرة فتقوم بإتلاف الخلايا السليمة مؤدية إلى التهاب قاتل. لا يُعرف حتى الآن السبب المحفز لـ’عاصفة السيتوكين‘ هذه، لكن الأبحاث المستمرة أوحت باستعمال علاج جديد لوباء الإنفلونزا يؤثر على عاصفة السيتوكين بدلاً من التأثير على الفيروس نفسه.

انخفاض الحساسية

هناك أخبار سارة أيضاً لمن يعانون من الحساسية. في الوقت الذي لا يزال فيه الجدل دائرا حول الأسباب الأساسية للحساسية، فإن المضادات المناعية هي التي تقف وراء جميع أنواع الحساسية، ولعل أبرزها ’الغلوبيولين المناعي هـ‘، الذي يقل إنتاجه مع تقدم العمر، مثل جميع المضادات المناعية الأخرى.

يقول ميتشيل غرايسون، من مستشفى ويسكونسن للأطفال، إنه كلما تقدمنا بالعمر، كلما كانت الأعراض أقل حدة، مضيفا: “تصل أمراض الحساسية لذروتها خلال سنين الطفولة، ويبدو أنها تقل خلال سنين المراهقة المتأخرة وصولاً إلى عشرينيات العمر. في الثلاثينيات من العمر، نشهد انتعاشاً آخر حتى نصل إلى عمر الخمسينيات والستينيات الذي تقل عنده الأعراض.”

أكثر فطنة

إن المصطلحات العامية التي تصف التأثيرات المدمرة للشيخوخة على الدماغ ليست بالقليلة. ومع ذلك، فإن بعضاً من القدرات ذات الأهمية الحيوية تصبح في الحقيقة أكثر ذكاءً في أدمغة الطاعنين في السن.

يقول مايكل رامزكار، من جامعة توبنغن، إننا أسأنا فهم الكيفية التي يهرم بها الدماغ، مضيفا: “يصل عدد الخلايا العصبية في الدماغ البشري لذروته بعد حوالي 28 أسبوعاً من الولادة. لكن أعدداً كبيرة من الخلايا العصبية المتكونة، ربما يصل إلى نصفها، تموت عند نهاية فترة المراهقة. وبما أننا لا نعتقد عادة أن الفترة من الولادة وحتى عمر 18 عاما هي فترة إضمحلال فظيعة، يبدو لنا وكأنه استنتاج سليم بأن قياس حجم الدماغ بعدد خلاياه العصبية ليس مؤشراً يذكر.”

تتبعت “الدراسة الطولية لجامعة سياتل” القدرات العقلية لستة آلاف شخص منذ عام 1956. إنها أكثر الدراسات تواصلاً من نوعها، حيث أُجريت الاختبارات على نفس الأشخاص كل سبع سنوات. لم يظهر على المتطوعين الأكبر عمراً قدرات جيدة في الرياضيات وكانوا أبطأ استجابة لما يُطلب منهم. في نفس الوقت، تبين أن قدراتهم في مفردات اللغة ومعرفتهم بالاتجاهات والذاكرة اللفظية وحل المشكلات في أواخر الأربعينيات والخمسينيات من العمر كانت أفضل مما هي عليه في عشرينيات العمر.

يقول غاري سمول، الذي يدرس الأمراض النفسية لدى المعمرين بمعهد أبحاث الدماغ في جامعة كاليفورنيا الأمريكية: “يتكون لدى الناس منظور أكبر لما هو مهم وتصبح القدرة على حل المشاكل أسهل بعد سنين من الخبرة. كما أن هناك تراكم أنواع معينة من المعرفة ـ ما يُطلق عليه اسم الذكاء المتبلور.”

إنه نمط يعززه ويدعمه علم الأحياء، فالإشارات العصبية المنتقلة عبر المحاور العصبية تكون معزولة عن الأنسجة المحيطة بالأعصاب عن طريق نسيج شحمي يسمى النُخاعين، والذي يغلف النهايات المتفرعة للخلايا العصبية. وتكمن أهمية النُخاعين في أنها تُسرع بإرسال الإشارات الكهربائية، وكان يُعتقد بأنها تتلف كلما تقدم الإنسان بالعمر، لكن الأمر ليس كذلك، حسب سمول، الذي يقول: “تبين أنه كلما طال عمر الإنسان، كلما ازدادت هذه المادة المغلفة لنهايات الخلايا العصبية. لذا فإن المحاور العصبية تطلق إشاراتها بشكل أسرع عند من هم في منتصف العمر ممن هم أصغر سناً. ويصل أداء الخلايا الدماغية إلى ذروته في تلك الأعمار.”

ممارسة أفضل للجنس

بيّنت دراسات عديدة أخرى أن الناس الأكبر عمراً يمارسون حياة جنسية أكثر ـ وأفضل ـ مما نتوقع. وجدت دراسة حول النشاط والإشباع الجنسي لدى النساء بعمر الثمانينيات أن نصفهن يصلن إلى الذروة الجنسية (هزة الجِماع) ’على الدوام‘ أو ’في أكثر الأوقات‘ أثناء ممارسة الجماع. كما وصلت دراسات أخرى إلى استنتاجات مدهشة مماثلة ـ في استقصاء أجري لأشخاص تجاوزوا عمر الستين عاماً، تبيّن أن 74 في المائة من الرجال و70 في المائة من النساء قد ذكروا أن الإشباع الجنسي لديهم كان أفضل مما مروا به في الأربعينيات من أعمارهم. تُعزي سارة ساغليو، معالِجة مشاكل العلاقات والمقيمة في العاصمة البريطانية لندن، هذا الأمر إلى أن النساء الأكبر عمراً يعانون بشكل أقل من حالات إنعدام الأمن. وتقول: “النساء الكبيرات في السن أكثر ثقة بأنفسهن عندما يتعلق الأمر بالتعبير عن حياتهن الجنسية. إنها هذه الثقة بالنفس التي تجعل الحياة الجنسية أفضل.”

نوبات أقل من الصداع النصفي

إضافة إلى ما سبق، فإن نوبات الصداع النصفي تصبح أقل كلما تقدمنا بالعمر. وجدت دراسة سويدية أجريت على أشخاص بعمر 18 عاما أو أكثر أن نوبات الصداع النصفي تصبح أقصر وأقل حدة وتكراراً كلما تقدمنا بالعمر. من بين 374 شخصاً سجلوا أنفسهم في هذه الدراسة، اشتكى أربعة منهم فقط من صداع مزمن.

أقل تعرّقاً

تنكمش الغدد العرقية ويقل عددها كلما تقدمنا بالعمر. بيّنت الأبحاث أن المتوقع من الشباب بعمر العشرينيات أن يتعرقوا أكثر ممن هم في الخمسينيات أو أوائل الستينيات من العمر.

مراوغة الموت

ألست مقتنعاً حتى الآن؟ لا يحتاج ’حاصد الأرواح‘، حتى نكون بعمر متقدم جداً، أن يكون بذلك القرب الذي تتوقعه. الطاعنون في السن هم بصحة أفضل من السابق، ولم تزل أمامهم فرص جيدة للاحتفال بأعياد ميلادهم لبضع سنوات قادمة. بين عامي 2011 و2014، كان متوسط العمر المتوقع لمن هم في الخامسة والعشرين من العمر هو 84 عاما للنساء و80 عاما للرجال. أما الذين كانوا بعمر95 عاماً، فقد كان من المتوقع لهم أن يشهدوا عيد ميلادهم الـ98 (للنساء) و97 (للرجال). حتى من كانوا بعمر80 عاماً، فقد كان أمام 95 في المائة من النساء منهم فرصة العيش لسنة أخرى.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future.

+ -
.