انتفاخ في البطن، عسر في الهضم، إسهال، إمساك، سهولة الإصابة بالالتهابات، التعب، السمنة. إذا كنت تشكو من واحد أو أكثر من هذه العوارض، من دون مبرر واضح يفسرها، فلا تذهب بعيداً، فقد يكون أصل المشكلة نقص في بكتيريا الأمعاء المفيدة. وعلى رغم أن كلمة البكتيريا ترتبط في أذهاننا بأنها الشر المستطير، فإن معظمها في الواقع هو من النوع المفيد، بل إن وجودها ضروري ويشكل أحد روافد الصحة للجسم البشري.
وتستوطن البكتيريا المفيدة أمعاء الإنسان بعد الولادة بأشهر قليلة، وتلازم الشخص طوال حياته. ويقال إن هناك أكثر من 500 فصيلة منها يبلغ عددها 10 أضعاف خلايا الجسم البشري، ويصل وزنها إلى أكثر من ألف غرام.
ويمكن القول إنه توجد مصالح مشتركة بيننا وبين البكتيريا النافعة، أو بكلام آخر هناك علاقة تكافلية بين أجسامنا وبينها، فهي تستفيد منا خدمة لمصالحها، ونحن نستفيد منها لأنها تخدمنا. وإذا ما نقصت أعداد البكتيريا النافعة، فإنها لن تقوم بدورها بالشكل المطلوب لخدمة الجسم في شكل كامل.
وإذا كانت جحافل البكتيريا النافعة في الأمعاء بكمية طبيعية، فإنها تقوم بمهمات متنوعة، أهمها:
– تساعد على هضم محتويات الطعام.
– تحافظ على التوازن البيولوجي بين فصائل البكتيريا المختلفة التي تستقر في الأمعاء، وهذا له أثر كبير في التخلص من مخلفات الطعام وفي المساعدة على امتصاص بعض المعادن والفيتامينات.
– تساهم في إنتاج مضادات الأكسدة وعدد من الأحماض العضوية التي تحافظ على البيئة الفيزيولوجية الطبيعية في الأمعاء.
– تساهم في إنتاج الفيتامين «ك» وقسم من الفيتامين «ب» 12.
– تنتج مادة تحاكي في عملها عمل المضادات الحيوية هدفها محاربة البكتيريا الضارة.
– تساعد على امتصاص عدد من الفيتامينات.
– تساهم في تقوية جهاز المناعة في الجسم.
– تحمي من خطر التعرض لسرطان القولون.
– وجدت دراسة أميركية حديثة في جامعة ميشيغان أن بكتيريا الأمعاء المفيدة تلعب دوراً في خفض احتمالات الإصابة بمرض الحساسية.
– بينت دراسات أن البكتيريا المفيدة تساعد في حرق الدهون وبالتالي في إنقاص الوزن.
ومن أهم أنواع البكتيريا المفيدة للجسم:
> بكتيريا بيفيدو بيفيديوم، وتوجد هذه في شكل كثيف في الأمعاء الدقيقة، وينخفض عددها تدريجاً كلما تقدمنا في العمر. ومن أهم الوظائف التي تقوم بها:
– تصنيع الفيتامين «ب».
– المساعدة على إزالة السموم من الكبد.
– منع تحول بعض المواد إلى مواد سامة.
– الحفاظ على التوازن الحامضي – القلوي في القنوات كي تتم عملية الهضم على أفضل ما يرام.
– منع استيطان الفطريات الضارة.
> بكتيريا لاكتوباسيلاس أسيدوفيلاس، وتقطن هذه في الأمعاء والرحم والفم، وهي تقوم بالوظائف الآتية:
– منع الفطريات من تكوين مستعمرات خاصة بها.
– المساعدة على إنتاج خميرة اللاكتاز من أجل تحسين هضم سكر اللبن.
– صد البكتيريا الغازية وتدميرها.
> بكتيريا بيفيدو لوناجم، وتسكن في الأمعاء والرحم، ومن أهم مهماتها:
– إنتاج أحماض اللبن والخل التي تمنع البكتيريا التي تغزو الجسم.
– تساعد على زيادة الوزن عند الأطفال.
– تصنيع الفيتامين «ب».
> بكتيريا ستربتوكوكس ثيرموفيلاس، وهي بكتيريا عابرة للأمعاء توجد في اللبن الرائب والجبن، ومن مهامها:
– تعزيز قدرة الجسم على هضم الحليب.
– استقلاب بعض المواد والأدوية.
إن نقص عدد البكتيريا المفيدة يفتح الباب على مصراعيه أمام أخطار تهدد الجهاز الهضمي خصوصاً والجسم عموماً، ومن أهم الأسباب التي تقف خلف تراجع مستعمرات البكتيريا المفيدة:
1- المضادات الحيوية، وهذه لا تميز بين البكتيريا المفيدة والضارة، لذا فإن قسماً كبيراً من البكتيريا المفيدة يتلاشى. في المقابل تنمو البكتيريا الضارة وكذلك الفطريات ما يؤدي إلى تخمر بقايا الطعام، وبالتالي المعاناة من الغازات والإسهالات وغيرها من المشاكل الهضمية. ويساهم تناول منتجات اللحوم والحليب التي تحتوي على آثار من المضادات الحيوية في إضعاف البكتيريا المفيدة في الأمعاء.
2- الأدوية المضادة للسرطان، وهي أيضاً تؤثر في البكتيريا المفيدة، فيتأثر التوازن البيولوجي الدقيق بين أنواع البكتيريا المختلفة في القناة الهضمية، الأمر الذي يعوق عملية تخلص الجسم من فضلات الهضم، وكذلك عرقلة امتصاص بعض العناصر والفيتامينات.
3- التوتر المزمن، فقد كشفت دراسة نشرها باحثون أميركيون من جامعة أوهايو في عام 2011، أن التوتر المزمن يؤدي إلى خلل في التوزان البكتيري في الأمعاء فتصبح البكتيريا المفيدة أقل عدداً وانتشاراً في حين يتعزز وجود البكتيريا الضارة ما يفتح المجال أمام حدوث اضطرابات مناعية في الجسم.
4- الإضافات الكيماوية إلى المواد الغذائية، وقد أصبحت هذه شائعة في عصرنا هذا. إذ إنه، على رغم الحرص على استعمال مقادير آمنة من تلك الإضافات، فإن هذا لا يتحقق إلا نظرياً. أما من الناحية العملية فلا شيء من هذا القبيل، بسبب تراكم تلك الإضافات في أمعاء الإنسان، فتؤثر في شكل مباشر أو غير مباشر في عدد بكتيريا الأمعاء المفيدة للجسم ونوعيتها وتكاثرها. وبالطبع، فإن هذا السيناريو لا يكتب بين ليلة وضحاها، بل يستغرق عشرات السنوات قبل أن تظهر نتائجه المدمرة على شكل أمراض، مثل سرطان القولون، أو مرض القولون العصبي، والتهاب القولون التقرحي وغيرها من الأمراض.
نصل الآن إلى بيت القصيد: كيف يتم الحفاظ على مستعمرات البكتيريا المفيدة في الأمعاء؟
يمكن القيام بعدد من الخطوات على هذا الصعيد، منها:
– عدم استعمال المضادات الحيوية إلا عند الضرورة القصوى وبعد أخذ مشورة الطبيب.
– الابتعاد قدر المستطاع عن الأغذية التي تحتوي على آثار من المضادات الحيوية.
– تناول الألبان المخمرة التي تحتوي على البكتيريا المفيدة من أجل تعزيز وجود المستعمرات الجرثومية المفيدة في القناة الهضمية.
– تناول الحبوب الكاملة غير المكررة.
– ينصح، من حين إلى آخر، بتناول أقراص تحتوي على البكتيريا المفيدة، خصوصاً بعد أخذ شوط من المضادات الحيوية.
– تفادي الإكثار من بعض أنواع الأغذية والأشربة، مثل اللحوم والمشروبات المنبهة والأطعمة الجاهزة والمأكولات السريعة التي يمكنها أن تزيد من حموضة المعدة والأمعاء وبالتالي تساهم في إنتاج بعض الميكروبات المرضية على حساب المفيدة منها.
– تجنب السهر، لأنه يلعب دوراً كبيراً في زيادة نمو البكتيريا الممرضة وفي تراجع المفيدة منها.
– ينصح، عموماً، باستهلاك الخضار والفواكه التي تساهم في زيادة نمو البكتيريا المفيدة.
– إرضاع الطفل من الثدي لأن حليب الأم يعزز مكانة البكتيريا المفيدة.