لؤلؤة الدانوب، باريس الشرق، بعض من التسميات التي يطلقها محبو العاصمة المجرية الهنغارية، بودابست. والحق يقال، إنها تستحق كل تلك التسميات وأكثر، لما تتمتع به من جمال وموقع جغرافي وفن معماري وإرث إنساني.
لا يمل سكان بودابست من الإشارة إلى أنها نتيجة مصاهرة بين مدينتين، هما بودا وبست فامست. يضيفون أنه إذا كان نهر الدانوب يفصلهما، فإن جسر السلاسل (Szeenyi Chain) يربطهما. فهذا الأخير من أشهر المعابر المائية بالمدينة التي يعتبر الدانوب شريان حياتها.
كانت إبان حكم الإمبراطورية النمساوية المجرية، العاصمة الثانية بعد فيينا. ولا تزال بودابست التي ثارت مراراً ضد حكم الهابسبورغ، تحتضن آثاراً من تلك الحقبة، تتمثل في قصور فخمة، إلى جانب ملامح بارزة للحكومات الشيوعية التي سيطرت عليها لعقود وثارت عليها أيضاً.
فهي مدينة لا تقبل الضيم، وتؤرخ لثوراتها بطرق فنية تتحول إلى مزارات سياحية.
مؤخراً، بدأت تنتفض ثائرة ضد الحكومة اليمينية، التي يسعى رئيس وزرائها فيكتور أوروبان، لتمرير قانون يطلق عليه الشارع المجري اسم «قانون العبودية» يسمح لأصحاب العمل بطلب ما قد يصل إلى 400 ساعة إضافية من العمل في السنة.
مراكز جذبها
يحتار كثيرون، أي المواقع الأكثر أهمية فيها: هل هو القصر الإمبراطوري، أم جسر السلاسل، أم برلمانها؟ وماذا عن سوقها المركزية ومتاحفها ودار الأوبرا العريقة، وحدائقها العامة ومنتجعاتها وحماماتها معدنية المياه؟ ليست هناك إجابة محددة؛ لأن كل ما سبق ذكره مواقع سياحية من الدرجة الأولى، زيارتها واجبة؛ خصوصاً أن التنقل بينها سهل، نظراً لقرب كل منها من الآخر، وأيضاً لتوفر وسائل النقل المختلفة، من الحافلات السياحية من نوعية «هوب أون هوب أوف» إلى السفن والعبارات المائية التي تتنافس في تنظيم جولات على نهر الدانوب.
نهر الدانوب
يُعتبر الدانوب ثاني أطول الأنهار الأوروبية، وهو يقسم جنوب المدينة لجزأين: غربي حيث تقع بودا، وشرقي حيث تقع بست، أو بشت، كما ينطقها أهل البلد.
وتمتاز المدينة بـ7 جسور، لكل تاريخه وتصميمه، وإن كان أكثرها شهرة جسر السلاسل الذي يقع في قلب بودابست، الذي أدرجته منظمة اليونيسكو ضمن قائمتها للتراث الإنساني، ويستمد اسمه من السلاسل الحديدية المثبتة على أرصفة النهر. شيد أول مرة عام 1849، ودُمر إبان الحرب العالمية الثانية، قبل أن يعاد تشييده في عام 1949. وله مساران جانبيان للمشاة يتوسطهما مسار للسيارات. ورغم قدمه والاهتزاز الذي يحس به العابر، فإن السير فيه متعة لا تضاهى، سيما وأن المنظر من حوله بالغ الجمال، عمراناً وطبيعة. في السنوات الأخيرة، أصبح محجاً لعشاق التقاط صور السيلفي والعرائس.
القصر الإمبراطوري
قبالة الجسر في اتجاه بودا، يقف شامخاً على قمة عالية، القصر الإمبراطوري، بأعمدته وشرفاته.
ظل القصر طوال العصور الوسطى حصناً وقلعة منيعة لملوك المجر، أما الآن فهو مفتوح للعامة، بعد أن تحول جزء منه إلى متحف وجزء آخر إلى مكتبة قومية. الوصول إليه يكون عادة بواسطة تلفريك قديم يحمل الزوار إلى قمة تصل إلى ارتفاع 95 متراً، أو بواسطة حافلات صغيرة، تقف في أربع محطات لمن يشاء النزول واكتشاف المكان قبل مواصلة الرحلة.
والجميل أنه، وبقيمة تذكرة واحدة، يمكن التجول في القصر والمتحف الحربي والقباب السبع التي تمثل القبائل السبع التي كونت المجر عام 895. إضافة إلى ال فيشر باستاي، التي كانت منطقة لبيع الأسماك في القرون الوسطى، قبل أن تُصبح واحدة من أجمل المواقع التي يمكن الاستمتاع فيها بغروب الشمس. فهي عالية تطل على النهر، وليس ببعيد عنها يظهر جلياً مجسم للتاج المجري.
مبنى البرلمان
في عام 1902، اكتمل بناء البرلمان المجري، وعقدت به أول جلسة بعد 17 سنة من التشييد. ويعتبر من أكثر البرلمانات ثراء، إذ طليت جدرانه بالذهب، وتضيؤه ثريات نادرة، وتزخرفه نقوش وأثاثات بالغة الفخامة. وهذا ما يجعله في عيون كثيرين لوحة معمارية نادرة على ضفة الدانوب. يمتد على مساحة 20 كيلومتراً مربعاً، بينما يماثل طوله طول كنيسة القديس إشتيفان، أكبر الكنائس بالبلاد، في إشارة للموازنة بين الدين والدولة. ويسمح للعامة بجولات سياحية لمواقع معينة وفي أوقات مُحددة، مع مرشدين من حقهم الاعتراض على ملبس الزائر إذا لم يتماشَ مع الإتيكيت. كما يُفرض على الزائر الالتزام التام بتعليمات المرشدين.
متحف الخوف
تزخر بودابست بمختلف أنواع المعارض والصالات الفنية والمتاحف؛ خاصة أن المجر دولة موغلة في القدم، عاشت عصوراً متنوعة؛ لكن يبقى متحف الخوف من المزارات المهمة، رغم أن معظم مكوناته مجرد صور لأفراد زرعوا الخوف في النفوس؛ لكنها بالغة الأهمية؛ لأنها تسجل جانباً مهماً من تاريخ البلاد ونفسيات البشر. فالمتحف كان مقراً للحزب النازي، ثم مقراً للبوليس السري إبان الحكم السوفياتي.
يقف أمام بوابة المتحف مجسم مستطيل عبارة عن مجموعة جنازير سميكة، دلالة على التنكيل والتعذيب ووسائل التجسس التي كانت تستخدمها الأنظمة الفاشية ضد مواطنيها. هذا وتفيض رفوف المتحف بسجلات وملفات تحكي عما جمعوه وعما لفقوه، كما تعرض فيديوهات وأفلام مصورة تقشعر لها الأبدان.
الفنون الشعبية
تحتضن بودابست داراً عريقة للأوبرا، إلى جانب كثير من المسارح. وحتى كنيستها الكبرى «القديس إشتيفان» لها علاقة خاصة بالفنون، إذ كانت مسرحاً منذ القرن 18، ولا تزال موطناً للكورالات الموسيقية وللموسيقى الكلاسيكية وعروض معاصرة. بيد أن الشهرة الموسيقية الأوسع تعود للفرق الموسيقية الشعبية المنتشرة في مجموع المدينة، ويتكون بعضها من أفراد من العائلة نفسها، أو من أصدقاء يُعبرون عن مواهبهم في الساحات والطرقات. وهي موسيقى تعبر عن إرث حضاري، أصبح سمة لعموم المجر، تماماً مثل الديكورات اليدوية والمفارش المطرزة بزخارف من الورود الملونة، أو طبق الغولاش، المكون من اللحم والخضراوات وكثير من الفلفل الأحمر والبصل والصلصة.
إلى ذلك، تشتهر بودابست بحمامات عمومية، مياهها معدنية ساخنة، تتيح فرصاً للاستمتاع بحمامات صحية تعود تقاليد بعضها إلى العصر الروماني.
التسوق
تزخر بودابست بالمتاجر العالمية، وبمحلات صغيرة تُوفر صناعات محلية. كلها تتمركز وسط البلد؛ حيث تتفرع الشوارع الرئيسية إلى أخرى مخصصة للمشاة فقط. هنا أيضاً تنتشر المقاهي والمطاعم عامرة بكل ما لذ وطاب، بأسعار معقولة لضعف العملة المجرية، علماً بأنه يمكن التعامل أيضاً باليورو والدولار الأميركي.
من جانبها تعد السوق المركزية سوقاً شعبية سياحية من الدرجة الأولى، وهي عبارة عن مركز مسقوف له ثلاثة طوابق متخصصة ومنظمة. في الطابق تحت الأرضي توجد سوق للأسماك، فيما يُخصص الطابق الأرضي للأجبان والخضراوات والفاكهة. أما الطابق الأول، فمخصص للمطاعم والتذكارات، فضلاً عن منتجات محلية مما تشتهر به دول شرق أوروبا عموماً. وتحلو زيارتها حتى لغير التبضع، لما تتمتع به من فن معماري مميز، وتقديمها مختلف الأطعمة الشعبية.
الإقامة
يوجد بها عدد من الفنادق التي كان بعضها قصوراً، مثل فندق «بوسكولو» (BOSCOLO)، وفندق «فور سيزونز» الذي شُيد في عام 1906، كقصر غريشام. ويتمتع بإطلالة لا مثيل لها، بإطلالته على جسر السلاسل. هناك أيضاً فندق «ريتز كارلتون» الذي شُيد في عام 1918 كقصر دريا. غني عن القول، أن المدينة توفر عدداً آخر من الفنادق المتوسطة والبسيطة، مثل فندق، «بارك إن راديسون»، الذي لا يبعد عن مركز المدينة سوى 7 كيلومترات.