
تُعدّ منطقة شمال الجولان من المناطق المرتفعة في بلاد الشام، إذ يزيد ارتفاعها عن ألف متر عن سطح البحر، وتتميّز بمناخ جبلي بارد شتاءً ومعتدل صيفاً، ما جعلها مناسبة لزراعة محاصيل خاصة مثل الكرز والتفاح. غير أن ظاهرة الاحتباس الحراري تشكّل تحديًا حقيقيًا لمستقبل هذه المنطقة، وتدفعنا للتفكير في التكيّف مع الواقع المتغيّر.
ارتفاع متوقّع في درجات الحرارة
تشير التقديرات المناخية إلى أن معدل درجات الحرارة في منطقة شمال الجولان قد يرتفع بنحو 0.5 درجة مئوية خلال العقد المقبل (1.0 درجة في سيناريوهات أكثر تشاؤماً)، مقارنة بمتوسط درجات الحرارة في العقود السابقة. هذا الارتفاع قد يبدو بسيطًا ظاهريًا، لكنه يحمل آثارًا كبيرة على التوازن البيئي والمائي والزراعي.
انخفاض متوقّع في تساقط الثلوج
من الظواهر التي ستتأثر مباشرة بهذا الاحترار هو تساقط الثلوج، خاصة على جبل الشيخ والمناطق المحيطة به. من المتوقع أن تنخفض كميات الثلج، وتقلّ الأيام التي تُسجَّل فيها درجات حرارة دون الصفر. وهذا له تأثير مباشر على المخزون المائي في الينابيع والمجاري السطحية، نظرًا لأن الثلوج تعد مصدرًا مهمًا لتغذية المياه الجوفية.
تغيّرات في معدلات الأمطار
فيما يخص الهطول المطري، فإن التوقعات لا تشير إلى انخفاض كبير في كميته السنوية، بل إلى تغيّرات في توزيعه الزمني. فقد تزداد فترات الجفاف، وتصبح الأمطار أكثر غزارة ولكنها مركّزة في عدد محدود من الأيام، ما يزيد من خطر الفيضانات وتآكل التربة ويقلل من فاعلية تسرب المياه إلى الخزانات الجوفية.
تأثير على زراعة الكرز
زراعة الكرز تعتمد على درجات حرارة منخفضة في فصل الشتاء (ما يُعرف بساعات البرودة)، وهي ضرورية لتحفيز الإزهار والإنتاج. ومع ارتفاع درجات الحرارة وتراجع البرد الشتوي، قد تتناقص إنتاجية الكرز وتتعرض الأشجار للإجهاد الحراري، ما يؤثر على جودة الثمار وكميتها.
تأثير على زراعة التفاح
زراعة التفاح أيضًا ستتأثر، ولكنها قد تكون أكثر مقاومة نسبيًا من الكرز. إلا أن أصنافًا معينة من التفاح قد لا تنجح في ظروف أكثر دفئًا، مما يدفع إلى ضرورة التبديل إلى أصناف تتحمل درجات حرارة أعلى وتحتاج إلى ساعات برودة أقل.
الزراعة البديلة: هل من حلول؟
مع التغيّرات المناخية المتوقعة، يمكن التفكير بزراعات بديلة أكثر تكيفًا مع المناخ الجديد، مثل الرمان، الزيتون، أو حتى بعض أنواع العنب والتين التي تتحمل الجفاف والحرارة. كذلك، يمكن اعتماد ممارسات مثل استخدام المظلّات الزراعية وشبكات مكافحة البَرَد، للحدّ من تأثيرات الحرارة والظروف الجوية المتطرفة.
يمكن القول أن منطقة شمال الجولان تقف على أعتاب تحدٍّ مناخي حقيقي. التغيرات المناخية المتوقعة خلال العقد القادم ستفرض واقعًا جديدًا يتطلب التكيّف الذكي والتخطيط الزراعي المبني على المعرفة والتجربة. الاستثمار في الأبحاث الزراعية وتوجيه المزارعين نحو الأصناف المناسبة واستخدام التكنولوجيا سيكون المفتاح للحفاظ على استدامة الزراعة.