تعرّضت مواقع تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) في محيط مدينة عين العرب (كوباني) في ريف حلب الشمالي لقصف جوي شنّته طائرات التحالف الغربي – العربي في مسعى إلى إبطاء تقدم عناصر التنظيم نحو ثالث أكبر المدن الكردية في سورية. لكن القصف لم يمنع «الدولة» من الاستيلاء على بلدة جديدة هجرها الأكراد بالقرب من عين العرب، في مؤشر إلى تصميم التنظيم على السيطرة عليها. (للمزيد)
وفي دلالة على مدى خطورة الأوضاع في عين العرب، حذّر صالح مسلم زعيم حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي الذي تتولى قواته الدفاع عن المدينة، من وقوع «مذبحة» فيها إذا لم تصل إلى المدافعين مساعدات عسكرية قريباً. وقال لوكالة «رويترز» إن «قتالاً عنيفاً يدور (في كوباني) … القوات الكردية تدافع عن نفسها بما في أيديها لتجنب مذبحة… لكن إذا دخلت الدولة الإسلامية المدينة فسيدمرون كل شيء ويذبحون الناس»، مضيفاً: «خلال أيام قليلة سينتهي الأمر بطريقة أو أخرى». وكشف مسلم أنه طلب من الأميركيين والأوروبيين تقديم أسلحة للقوات الكردية لمساعدتها في التصدي للهجوم لكن طلبه رُفض، متهماً الأتراك بأنهم وراء عرقلة مسعاه.
وجاء كلام القيادي الكردي السوري في وقت قال نائب رئيس الوزراء التركي بولنت أرينج أمس إن عناصر «داعش» يتقدمون صوب قبر سليمان شاه في شمال سورية، وهي منطقة تعتبرها تركيا ذات سيادة خاصة ويحرسها جنود أتراك. وترى أنقرة أن قبر سليمان شاه جدّ مؤسس الدولة العثمانية ضمن أراضيها بموجب اتفاقية وقّعت مع فرنسا عام 1921 عندما كانت سورية تحت الحكم الفرنسي.
وأوضح أرينج، من جهة أخرى، أن التفويض الذي تطلبه الحكومة من البرلمان التركي للقيام بعمل عسكري في العراق وسورية «سيشمل كل التهديدات المحتملة». ويُتوقع منح التفويض غداً الخميس.
وفي واشنطن، أكدت وزارة الدفاع الأميركية أن قوات التحالف في سورية اقتربت من الانتهاء من تدمير المصافي النفطية التي تخضع لسيطرة تنظيم «داعش». وقال مسؤول في «البنتاغون» لصحيفة «واشنطن تايمز» إنه تم تدمير «معظم مصافي النفط التي يستخدمها داعش لتمويل عملياته الإرهابية» وإن الحملة مستمرة لتدمير «مخازن (أسلحة) التنظيم في سورية المستخدمة لتموين الشبكة الإرهابية وعناصرها في العراق». وأكد تدمير ١٦ من أصل ٢٠ مصفاة يسيطر عليها «داعش».
وتدخل هذه الضربات في إطار سياسة قطع الإمدادات التي تأتي من سورية إلى العراق، قبل البدء في ضرب القدرات القتالية للتنظيم في العراق نفسه، ومن ثم تنتقل الإستراتيجية الأميركية لطرد هذا التنظيم من المناطق التي يسيطر عليها في سورية لكن ذلك سينتظر الانتهاء من تدريب مقاتلي المعارضة المعتدلة التي يُفترض أن تحلّ في الأراضي التي يخليها «داعش» في شمال سورية وشرقها.
وتأتي تصريحات «البنتاغون» في وقت يستعدّ المبعوث الأميركي في «الحرب ضد داعش» جون آلن لبدء جولة وشيكة على دول منطقة الشرق الأوسط بهدف رصّ التحالف وبحث إمكان توسيعه ليشمل تركيا التي ستكون إحدى محطات جولته إلى جانب العراق والأردن ودول الخليج. وستبحث الزيارة في خطط تدريب وتجهيز المعارضة السورية والقوات البرّية التي يمكن التعامل معها على الأرض وبينها القوات الكردية والقبائل.
وفي نيويورك، أعلنت الأمم المتحدة أن عدد ضحايا الحرب الأهلية السورية تجاوز ١٩٠ ألفاً. وقالت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشوؤن الإنسانية فاليري آموس إن «عشرات الآلاف سيضطرون إلى مغادرة مناطقهم في شمال حلب إن واصل داعش التقدم» وإن «الكثير من العائلات والسكان الفارين عبروا حقول ألغام بسبب الخوف» من قوات «داعش». وأضافت آموس في جلسة لمجلس الأمن إن ٣٠٠ ألف في محافطتَي الرقة ودير الزور لم يتلقوا مساعدات إنسانية للشهر الثالث على التوالي بسبب أحداث العنف. وحذّرت من أن برامج الإغاثة تعاني أزمة تمويل خطيرة قد تضطر برنامج الغذاء العالمي إلى وقف نشاطاته في سورية خلال شهرين فقط ما لم تسدّد تعهّدات الأطراف المانحة سريعاً.
وأكّدت استمرار القوات الحكومية بقصف المناطق المدنية عشوائياً خصوصاً بالبراميل المتفجرة. كما حمّلت المجموعات المعارضة مسؤولية قصف مناطق مدنية في الخالدية في حلب أيضاً ما أوقع ضحايا بين المدنيين.
وقالت إن عدد اللاجئين السوريين المسجّلين في الدول المجاورة لسورية وصل إلى ٣ ملايين «ما يزيد الضغوط بشكل كبير على الدول المضيفة في لبنان والأردن وتركيا».
وأكّدت آموس أن كل أطراف النزاع في سورية «يواصلون ممارسة انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي بما فيها القتل والتعذيب والانتهاكات الجنسية».
واتّهم السفير السوري في الأمم المتحدة بشّار الجعفري آموس بالانحياز ضد حكومته. وقال إنها «تجاهلت أي إشارة إلى مسؤولية تنظيم داعش عن عدم وصول المساعدات إلى الرقّة ودير الزور، كما لم تشر بأي كلمة إلى جبهة النصرة» في تقريرها إلى مجلس الأمن. وأضاف: «كل ما يهمّ آموس هو المطالبة بالمال، وهي لم توجّه الشكر إلى الحكومة السورية التي تقدّم ٧٥ في المئة من المساعدات في سورية».
في العراق، استطاعت قوات «البيشمركة» طرد «داعش» من معبر ربيعة على الحدود السورية، فيما أغرق التنظيم تسع قرى في محافظة ديالى، وقطع الإمدادات عن مئات العسكريين في الأنبار.
وقال الناطق باسم «الاتحاد الوطني الكردستاني»، بزعامة الرئيس السابق جلال طالباني في نينوى، غياث سورجي لـ «الحياة» إن «البيشمركة شنّت فجر اليوم (أمس) هجوماً على ناحية ربيعة الحدودية، بعد ساعات قليلة من تعرّض مواقع «داعش» في هذا المحور للقصف الجوّي، وسيطرت على الناحية، وعلى عدد من القرى المحيطة، ومنها قرية القاهرة والسعودية والمحمودية، والعملية مستمرة لتطهير هذه المناطق بشكل كامل»، لافتاً إلى أن «البيشمركة ألحقت خسائر كبيرة بمسلحي «داعش» الذين خلّفوا وراءهم عشرات القتلى والجرحى»، مشيراً إلى أن «الهدف من السيطرة على ربيعة تسهيل تحرير ناحية زمار ومن ثم قضاء سنجار، عبر قطع إمدادات «داعش» من الجانب السوري». وذكرت وكالة «رويترز» أن قبائل شمّر العربية شاركت في القتال إلى جانب «البيشمركة» ضد «داعش».
وفي ديالى، شمال بغداد، أكد قائمقام قضاء الخالص عديّ الخدران إقدام «داعش» على «إغراق تسع قرى لمنع تقدّم القوّات الأمنيّة، وذلك من خلال تخريب بعض الجداول والأنهر».