في السنوات الاخيرة، تزايدت عدد الابحاث والدراسات التي تتناول مراحل نمو الدماغ، واصبح هناك تقنية حديثة- تصوير الخلايا العصبية بالرنين المغناطيسي- تساهم في اعطاء تصور دقيق لفهم كيف ينمو الدماغ وكيف ان البيئة- التجارب والخبرات التي مررنا بها في مراحل نمونا المبكرة- تؤثر في بناء الدماغ وبالتالي يكون التعاطي العقلي انعكاسا حقيقيا لما يدور في البيئة، أي ان البيئة هي التي تشكل اساسيات سلوكنا وطريقة تفكيرنا وتفاعلاتنا العاطفية.
ويشير ايمون ماكروري من جامعة لندن، أن تعزيز تفاعلية ملامح الخوف البايولوجية البارزة مثل الغضب، ربما هذا يعني ان “الغضب” قد يكون بمثابة استجابة تكيفية لهؤلاء الاطفال على المدى القصير، في محاولة للهروب من الخطر مؤقتا، او لحماية انفسهم شر ما يمكن ان يحدث لهم.
ويوضح انه ومع ذلك، فإنه قد يشكل أيضا احد عوامل الخطر الكامن في العصب الحيوي ما يؤدي الى زيادة تعرضهم لمشاكل تتعلق بالصحة العقلية في وقت لاحق، وخاصة القلق.ولذا فان اساءة او تعنيف الاطفال، تعتبر من اهم العوامل البيئية الخطيرة المولدة للقلق والاكتئاب.
ويؤكد ماكروري، أن استجابة ادمغة الأطفال الذين تعرضوا للعنف في منازلهم تختلف حينما عرضت عليهم مشاهد وجيه حزينة او غاضبة، فعندما تعرض امامهم وجوه غاضبة، فان الاطفال الذين لهم تاريخا سيئا مع التعنيف، لوحظ انه يظهر لديهم ازدياد نشاط “الانسولا” الامامية في الدماغ واللوزتين وفي المناطق المعنية بكشف التهديد وتوقع الالم.
احد القضايا التي تم دراستها بشكل مكثف، كانت تتمحور حول اثر “الايذاء او التعنيف والاهمال” على نمو الدماغ، خاصة اثناء مرحلتي الرضاعة والطفولة. معظم هذه الابحاث تقدم شروحات “بايولوجيه” تتفق مع الكثير من الفرضيات والنظريات التي طرحت من قبل علماء النفس حول دافعية او محرك السلوك، والعاطفة.
ويوضح العلماء الان، ان لديهم أدلة علمية دامغة تفيد بتغير مسار عمل الدماغ نتيجة الايذاء الجسدي والحرمان التي يمر بها الطفل في السنوات الاولى المبكرة من حياته.
ويوضح شنكوف وفيلبس “ان ما تعلمناه الان حول طريقة نمو الدماغ قد ساعدنا كثيرا في فهم الدور الذي تلعبه ‘الجينات الوراثية’ و’البيئة’ في نمونا، ويبد ان الجينات تعدنا او تهيئنا للنمو بطرق معينة، لكن تجاربنا وخبراتنا المعرفية وبما تحويه من تفاعلات مع المحيطين بنا، لها تأثير كبير على كيفية التعبير عن هذه الاستعدادات الجينية وعلى دعم وتطوير الكثير من القدرات الكامنة او تلك التي تمنحها لنا مليارات الخلايا العصبية في ادمغتنا. في الواقع، ان الابحاث الان ان تشير الى ان العديد من القدرات التي كان يعتقد انها ثابتة عند الولادة، ليست كذلك بل انها تعتمد على سلسلة من التجارب والخبرات اليومية بالاشتراك مع الجينات الوراثية. فكلا ‘الجينات الوراثية والبيئة’ عوامل ضرورية مكملة لبعضهما لتحقيق نمو مثالي للدماغ البشري”. (شنكوف و فيلبس 2000).
ويؤكدان “ان دماغ الطفل ينمو ويتطور حسب تفاعله مع البيئة ويتعلم كيف يعمل فيها..فالطفل حينما يبكي يتم تحضير الطعام او الاقتراب منه ليشعر بالاطمئنان، وهذه تقوي المسار العصبي الذي بدوره يساعده في الحصول على متطلباته الفزيولوجية والعاطفية. لكن الاطفال الذين لا يجدون استجابة لبكائهم، او الاطفال الذين يواجه بكائهم بالضرب والجزر، فانهم يتعلمون دروسا سلبية مختلفة، فالمسار العصبي الذي نمى وتقوى تحت ظروف سيئة، فانه يعد الاطفال ليصبح بمقدورهم التكيف فقط مع هذه البيئة السلبية، وبهذا ربما تكون قدراتهم على الاستجابة ليكونوا مربين ويتمتعون بدماثة الاخلاق ضعيفة جدا” (شنكوف و فيلبس 2000)
دماغ المولود الجديد
الخلايا العصبية هي المكون المادي الخام للدماغ، وعندما يولد الاطفال فانه يكون لديهم كل الخلايا العصبية التي سوف يحتاجونها- اكثر من 100 مليار خلية عصبية.
هذا مع العلم ان الابحاث تشير الى ان بعض الخلايا العصبية تنمو بعد الولادة وتستمر حتى سن البلوغ.
وتكون الخلايا العصبية في الدماغ لدى الاطفال بعد الولادة هي في المقام الاول تلك التي يجب ان يعملوا بها اثناء نموهم حتى سن البلوغ. ففي أثناء التطور الجنيني، يتم خلق الخلايا العصبية ومن ثم تتوزع في الدماغ لتشكل اجزاء مختلفة منه. وبينما الخلايا تتوزع فانها ايضا تتمايز لكي تبدأ بـ “التخصص” استجابة لـ اشارات كيميائية.
اول المناطق التي يكتمل نموها هي منطقة “جذع الدماغ” ومنتصف الدماغ، وهذه مسؤولة عن تنظيم وظائف الجسم الضرورية للحياة، وتسمى الوظائف اللاإرادية. عند الولادة، تكون هذه الأجزاء السفلية من الجهاز العصبي متطورة جدا، بينما المناطق العليا (الحوفي واللحاء الدماغي) لا تزال نوعا ما بدائية.
نمو دماغ الطفل
نمو الدماغ او التعلم، هو في الواقع، عملية خلق ودعم الترابطات بين الخلايا العصبية وتقويضها او تفكيكها، هذه الترابطات تسمى، ” سنابسيز ” أي نقاط الاشتباك العصبي.
ونقاط الاشتباك العصبي تنظم الدماغ وألية عمله بواسطة تكوين مسارات من شأنها ان توصل اجزاء الدماغ المتحكم في كل شيء نقوم بعمله- من عملية التنفس، والنوم والتفكير الى المشاعر والاحاسيس. فكلما تعرض الطفل لتجارب معينة كلما زاد عدد نقاط التشابك حول هذه التجارب وبالتالي تصبح هذه النقاط المترابطة من الاعصاب عبارة عن نمط سلوكي او معرفي راسخ وقابل للنمو والتطوير، بينما حرمان الطفل من التعرض لخبرات معينة قد تحجم في تزايد عدد نقاط الاشتباك العصبي، وهذا يعني ان فقدان الدماغ لهذه الخاصية سوف لن يكون قادرا على اكتساب هذه الخبرات والتجارب في سن متأخر.
تطوير نقاط الاشتباك العصبي يحدث بمعدل مذهل خلال سنوات الطفولة المبكرة، وهذا يعتمد على تنوع تجارب وخبرات الأطفال في تلك المرحلة.
وفي ذروتها، فأن لحاء الدماغ لطفل سليم ربما يكون 2 مليون نقطة اشتباك عصبي في الثانية. وحينما يصبح الاطفال في السنة الثالثة يكون مجموع نقاط الاشتباك العصبي، حوالي الف ترليون نقطة تشابك عصبي، وهذه اكثر مما يحتاجون لتلك الفترة.
بعض هذه الاشتباكات العصبية يتم تعزيزها من خلال ممارسة تجارب وخبرات حياتية معينة بحيث تبقى سليمة وتعمل بشكل فعال مما يتيح للدماغ العمل بشكل افضل، بينما الكثير منها يتم التخلص منها بالتدريج نتيجة عدم الاستخدام. وطريقة التخلص من هذه التشابكات العصبية او عملية التقليم هذه تعتبر جزء عادي من عملية النمو.
وحينما يصل الاطفال الى سن المراهقة فان ما يقارب من نصف نقاط التشابك العصبي لديهم تصبح غير فعالة، والمتبقي سيبقى معهم الى اخر العمر. ويستمر الدماغ في النمو طيلة العمر، وهذا يجعلنا نستمر في التعلم والتذكر والتكيف مع الظروف الجديدة.
هناك عملية اخرى هامة تجري في الدماغ اثناء النمو، تدعى مييلينين، وهو الأنسجة الدهنية البيضاء التي تقوم بعزل الخلايا الناضجة من خلال تشكيل غلاف يحميها، مما يضمن انتقال واضح وسريع بين وعبر نقاط الاشتباك العصبي.
ولذلك فأن الاطفال الصغار يقومون بمعالجة المعلومات ببطء لان خلايا الدماغ لديهم تفتقر الى المايلين الضروري لانتقال دفعة الخلايا العصبية.
وكما هو الحال في نمو الخلايا العصبية الاخرى، فان المايلين يبدأ في مناطق الحركة والحواس، (جذع الدماغ والقشرة) وبالتدريج يتطور الى اعلى ترتيب المناطق التي تتحكم في الفكر والذاكرة والمشاعر.
حينما يصل الطفل لعمر 3 سنوات، يكون حجم دماغه تقريبا 90 بالمئة لما هو عند الكبار، والنمو في كل منطقة من الدماغ يعتمد الى حد كبير على التحفيز الذي يحفز نشاط كل منطقة، وهذا التحفيز او المثير يزود ويوفر الاساس للتعلم وطريقة التفكير.
تأثير البيئة
يستخدم الباحثون مصطلح “البلاستية او اللدونة” لوصف قدرة الدماغ على التغيير في استجابته للمثيرات المتكررة. ومدى لدونة الدماغ يعتمد على مرحلة النمو وعلى بعض انظمة معينة في الدماغ او المناطق المتأثرة.
مثلا، الجزء السفلي للدماغ، والذي يتحكم في المهام الاساسية، مثل التنفس، ونبضات القلب، هذه تكون اقل مرونة من اداء اللحاء العالي المسؤول عن الافكار والمشاعر. وبينما ان لدونة القشرة او اللحاء في الدماغ ربما تتناقص مع نمو الطفل فان بعض درجات اللدونة تبقى.
في الحقيقة ان لدونة الدماغ هي التي تسمح لنا بالاستمرار في التعلم، مع ملاحظة ان الانسان كلما تقدم به العمر فانه يفقد بالتدريج هذه اللدونة مما يصعب من مهمة التعلم.
نمو واستمرارية تكيف الدماغ، هو نتيجة لكلا العوامل البيئية والجينات الوراثية. فأدمغتنا تعدنا لتوقع تجارب معينة من خلال تشكيل المسارات التي نحتاجها للتفاعل مع هذه التجارب. مثال ذلك، ادمغتنا (تتكون من خلايا عصبية مترابطة بما يشبه شبكة سلكية) فهي تستجيب مثلا لصوت الكلام، عندما يسمع الاطفال الناس يتحدثون، فان الانظمة العصبية المسؤولة عن اللغة والكلام تتلقى التحفيز اللازم للتنظيم والعمل.
وكلما تعرض الطفل لكلام وحديث الناس، كلما قوي لديه نقاط تشابك الخلايا العصبية ذات العلاقة، وبالتالي تطور طريقة تواصله مع الاخرين واذا لم يتم التعرض المناسب فان ذلك بمثابة تقليل وتحييد عمل ” سنابسيز ” نقاط تشابك الخلايا العصبية، ما يعني عدم القدرة على الفهم والحديث وبشكل جيد.
ويشار إلى هذه العملية أحيانا بمفهوم “استخدمه او ستفقده.” ولذا انه ومن خلال هذه العمليات يتم التعزيز والابداع، او اهمال واضعاف نقاط الاشتباك العصبي التي تمكن ادمغتنا من التكيف فقط مع ما تحتاجه في محيطها. فالقدرة على التكيف مع البيئة هو جزء من النمو والتطور العادي، فالاطفال الذين ينمون في بيئات باردة، في القرى النائية، او في وسط مجموعة اشقاء كثر فانهم يتعلمون كيف يعملون بكفاءة عالية في هذه البيئة. لكن وبغض النظر عن البيئة بشكل عام، فأن كل الاطفال بحاجة الى محفزات وتنشئة وتغذية صحيحة اذا ما اردنا لهم نموا مثالي. اما اذا كانت التنشئة تفتقر الى التحفيز والدعم والحنان او أن من يقوم برعاية الطفل غير مبال او يتصرف بعدائية- فأن نمو دماغ الطفل سيكون ضعيفا ومؤكد ان هذا سينعكس سلبا على سلوكه وصحته. ولأن الدماغ يتكيف مع بيئته، وهذا يفيد ان الدماغ سيتكيف مع البيئة السالبة بحيث يكون اداءه انعكاسا لهذه البيئة، والعكس صحيح..
الفترات الحساسة
يعتقد الباحثون أن هناك فترات حساسة لتطوير قدرات معينة تشير الى اطر زمنية في عملية النمو عندما يكون بعض اجزاء الدماغ مهيئ لتجارب معينة.
وسلطت الضوء على هذه الفترات الحساسة بعض الدراسات التي اجريت على الحيوانات، حيث تبين على سبيل المثال، أن الحيوانات التي تم جعلها تفقد بصرها خلال هذه الفترة الحساسة لتطوير الرؤية بحيث اصبحت غير قادرة على الابصار بعد هذه الفترة.
حقيقة ان دراسة الفترة الحساسة فيما يتعلق بالانسان تكون اكثر صعوبة، لكن العلماء يعلمون، انه اذا لم يتم تفعيل نقاط التقاء شبكات الخلايا العصبية “سنابسيز” حول مهارة او سلوك معين وبشكل متكرر، فان هذا سيجعل هذه الخلايا العصبية تضمر وبالتالي لن يكون بالامكان تعويض ذلك لاحقا بأستثناء معالجات وتربية خاصة. مثلا، يعتقد ان حرمان الطفل في مراحل عمره المبكرة من الاستماع للموسيقى، فان الخلايا العصبية المسؤولة عن الاستمتاع وتعلم الموسيقى سوف تضمر وبالتالي تفقد فاعليتها ما يجعل الطفل يفقد تذوق الموسيقى والاحساس بها طول العمر.
وكذلك فان الرضع لديهم ميول وراثي لتكوين علاقة عاطفية قوية لمن يتولى رعايتهم، لكن اذا اصبح من يقوم بهذه الرعاية غير محترم او مخيف او ان عملية التعلق تصبح متقطعة فأن قدرة الطفل على تكوين علاقات صحية طيلة حياته ربما تصبح صعبة.
الملاحظ ان الفترات الحساسة وجدت من اجل النمو والتعلم، فان الباحثين يعلمون ان “لدونة” الدماغ غالبا ما تسمح للاطفال بالتعافي من فقدان بعض التجارب في المراحل المبكرة. كلا من الاطفال والكبار ربما بأستطاعتهم تعويض الخبرات والتجارب التي لم يتسنى لهم الانخراط فيها في الفترات الحساسة المبكرة لكن الامر لن يخلوا من صعوبة شريطة توفر بيئة جيدة للتدريب والتعلم.
وهذا صحيح بشكل خاص، فاذا تم حرمان الطفل في صغره من التعرض لبعض المهارات ولم يجد الدعم والتشجيع “التحفيز” فان الدماغ سوف يقوم بعملية تهذيب او تقليم لهذه الخلايا العصبية المرتبطة بهذه المهارة او تلك، وبالتالي فقدان او ضمور المسارات العصبية المسؤولة عن اكتسابها. فبينما الاطفال يتطورون اثناء كل مرحلة نمو، فانهم سوف يتعلمون كل خطوة باتقان وسهولة اذا ما قامت ادمغتهم ببناء شبكة فعالة من المسارات العصبية.
الذاكرة
يستند الاطار التنظيمي لنمو الاطفال على انشاء الذكريات، فعند تعزيز الخبرات المتكررة، فأن المسار العصبي يصبح مشفرا، ومن ثم تصبح ذاكرة. فالاطفال يتعلمون وضع قدم امام الاخرى للمشي، ويتعلمون الكلمات للتعبير عن انفسهم. وكذلك يتعلمون ان الابتسامة في الغالب تجلب ابتسامة في المقابل. في مرحلة معينة تصبح هذه آلية تتم بشكل لا ارادي، فأدمغتهم تتولى ادارة هده الخبرات بالقليل من الجهد، لأن ذاكرتهم التي تم تكوينها ستسمح بتدفق المعلومات بسلاسة وكفاءة.
يعتبر وجود الذاكرة جزء من عملية تكيفنا مع البيئة. فأدمغتنا تحاول فهم ما يدور حولنا في هذا العالم، ومن ثم صياغة تفاعلاتنا وتواصلنا مع ذلك العالم بشكل يعزز بقاؤنا ونمونا. لكن اذا ما كانت البيئة في طفولتنا المبكرة مشحونة بالعنف والحرمان، فأن ادمغتنا سوف تبني ذاكرة محملة بهذه الخبرات والتي معها ستصبح وجهة نظرنا ملونة بهذه الخبرات السوداوية طيلة حياتنا.
الاطفال يولدون مزودين بقدرات للذاكرة الضمنية، ما يعني ان بأستطاعتهم تصور بيئتهم وتذكرها بطرق لاواعية معينة.
على سبيل المثال، الاطفال يستطيعون التعرف على اصوات امهاتهم عبر الذاكرة اللاواعية. هذه الذاكرة الضمنية المبكرة ربما لها اثر كبير على تعلق الطفل وعلاقاته اللاحقة.
في بعض الأحيان، الأطفال الذين تعرضوا لسوء المعاملة أو عانوا من صدمة معينة ربما لا يستطيعوا تذكر هذه التجربة، ومع ذلك، فان هذه الخبرات ستكون محفوظة في ذاكرتهم الضمنية، وهذه الذكريات الضمنية ربما تنتج كوابيس وصور ذهنية واضحة ومتكررة لتجربة سابقة سيئة (فلاشباك)، أو ردود فعل لا يمكن السيطرة عليها. وقد يكون هذا هو الحال مع الأطفال الصغار أو الرضع الذين لا تتم تلبية احتياجاتهم الغذائية والعاطفية بشكل ودي وسريع.
وفي المقابل، الذاكرة الصريحة، التي تتطور حول سن الثانية من العمر، تشير الى الذاكرة الواعية وتكون مرتبطة بتطور اللغة. والذاكرة الصريحة تسمح للاطفال بالتحدث عن أنفسهم في الماضي والمستقبل أو في أماكن او ظروف مختلفة من خلال عملية التذكر الواعي. الدماغ في مرحلة المراهقة
تظهر الدراسات التي تم فيها استخدام الرنين المغناطيسي (التصوير بالرنين المغناطيسي)، التي تحتوي على مسح للدماغ على فترات منتظمة، ان الدماغ يستمر في النمو والتطور الى مرحلة البلوغ (على الاقل الى منتصف العشرينات). مباشرة قبل البلوغ، فأن ادمغة المراهقين تمر بطفرة نمو تحدث بشكل رئيسي في الفص الامامي، وهي المنطقة التي تحكم التخطيط، ومراقبة الدافع، والمنطق. وخلال سنوات المراهقة، فان الدماغ يعود مرة ثانية لعملية تشذيب نقاط التشابك العصبي “سنابسيز”، مشابه لدماغ الرضع والاطفال الصغار. كما ينمو المراهق في مرحلة البلوغ الشابة، فان الدماغ ينمي ” الميلنين ” بشك اكثر بهدف عزل الألياف العصبية ولتسريع وتيرة المعالجة العصبية، وهذا “الميلنين” يحدث اخيرا في الفص الامامي.
من خلال التصوير بالرنين المغناطيسي اظهرت المقارنات بين أدمغة المراهقين وادمغة البالغين من الشباب، أن معظم مناطق الدماغ هي نفسها – فدماغ المراهقين قد وصلت إلى مرحلة النضج في المناطق التي تتحكم في القدرات الكلامية والحسية. والفرق الرئيسي كان عدم نضوج الفص الامامي في ادمغة المراهقين وتدني نسبة كمية الملينين في تلك المنطقة (المعهد الوطني للصحة العقلية،2001)
أضرار الايذاء
الايذاء الجسدي يتسبب في ضرر مباشر على نمو دماغ الرضيع او الطفل، مثال لذلك، المستجدات البحثية الان تشير الى ان “هز” الطفل قد يدمر انسجة الدماغ ويمزق الاوعية الدموية، وعلى المدى القصير فان هز الطفل بقوة قد يؤدي الى تشنجات، فقدان الوعي او ربما يؤدي الى الوفاة.
ولذلك فانه وعلى المدى الطويل، قد تحدث “الهزة” ضررا للدماغ بوضعه الهش والمعقد ما يجعل الطفل يطور مجموعة من العاهات الحسية، بالاضافة الى صعوبات معرفية، وتعلم، واعاقات سلوكية.
الرضع والأطفال الذين يعانون من سوء المعاملة أيضا يتعرضون لصدمات قد لا تكون لها علاقة مباشرة بالاضرار الجسدية. فالتعرض للعنف المنزلي، او الكوارث، او الاحداث المؤلمة الاخرى ربما يكون لها تأثيرات سلبية طويلة الامد.
أبحاث كثيرة توجد الان وكلها تقدم ادلة ناصعة على الاضرار الطويلة الامد على الاطفال والرضع الذين عانوا ايذاءات جسدية او جنسية او عاطفية. الحقيقة ان الاطفال الذين يمرون بتجارب مريرة من القلق نتيجة الايذاء سوف تركز موارد ادمغتهم على البقاء والاستجابة للمخاوف في بيئتهم.
هذه المثيرات المزمنة التي تؤدي بالدماغ الى الاستجابة للمخاوف تعني ان مناطق الدماغ المسؤولة عن هذه الاستجابة ستكون دائما مفعلة. والمناطق الاخرى كتلك التي تتعلق بالافكار المعقدة، الادراك او المعرفة المجردة، لن تكون مفعلة بشكل متكرر ومرضي، وبموجبه يصبح الطفل اقل كفاءة في معالجة هذا النوع من المعلومات.
هناك طريقة واحدة تثبت أن التجارب المبكرة كالايذاء وسوء المعاملة، قد تغير قدرة الطفل على التفاعل بإيجابية مع الآخرين، وذلك عن طريق تغيير التوازن الكيميائي العصبي في الدماغ.
البحوث على الأطفال الذين عانوا من سوء المعاملة العاطفية في وقت مبكر أو مروا بتجارب حرمان شديدة، تشير إلى أن مثل هذه المعاملة السيئة قد تغير وبشكل دائم قدرة الدماغ على استخدام السيروتونين، الذي يساعدنا في الشعور بالرضى عن ذواتنا ويمنحنا السعادة والاستقرار العاطفي.
ان تعدل او تغير نمو الدماغ لدى الاطفال الذين تعرضوا لإساءة المعاملة قد يكون ناتج عن ان ادمغتهم تكون قد تكيفت مع البيئة السلبية. إذا كان الطفل يعيش في بيئة مخيفة وفوضوية، فان دماغ الطفل سيكون في حالة تنبية وبقظة مفرطة لحماية نفسه من المخاطر التي يتوقعها، لكن اذا استمر الوضع واستمر دماغ الطفل في تطوير وتقوية استراتيجياته من اجل البقاء، فأن استراتيجيات اخرى ربما لن تتطور بشكل كامل، والنتيجة ربما ان الطفل سيجد صعوبة بالغة في التعامل والتكيف مع المحيط الفرائجي والطيب والمحفز.
الافتقار الى المحفز والدافع
في حين ان الإساءة والإهمال او الحرمان المزمن يمكن أن تؤدي إلى ظهور أنماط استجابة الخوف، فأن الاهمال لوحده يمكن أن يؤدي أيضا إلى مشاكل أخرى، سوء التغذية يعتبر مثال كلاسيكي للاهمال. فالملاحظ ان سوء التغذية، قبل واثناء السنوات الاولى القليلة بعد الولادة، يمكن ان يؤدي الى اعاقة نمو الدماغ وبطىء مرور الاشارات الكهربائية في الدماغ.
وهذا في جزء منه يعود الى سوء التفذية واثارها على عمل “المالينين” اثناء نمو الدماغ.
يعتبر نقص الحديد هو الاكثر شيوعا في الولايات المتحدة المسبب لحالات سوء التغذية، فنقصه يؤثر على نمو الدماغ، ينتج عن ذلك تأخر في الادراك والحركة، قلق ، اكتئاب، مشاكل اجتماعية، وعدم الانتباه والتركيز.
وعلى الرغم من ان الاهمال يعتقد انه ناتج عن الفشل في ايفاء الطفل احتياجه من الطعام، والمأوى، والاحساس بألامان، فان الاهمال يتعدى ذلك الى الاحتياجات الادراكية والعاطفية او الاجتماعية.
ولكي يتمكن الاطفال من تطوير قدراتهم في هذه المجالات، فأنهم بحاجة الى فتح الفرص امامهم والتشجيع والاعتراف بقدراتهم من قبل والديهم او من يقوم برعايتهم.
في حال فقد هذا التحفيز خلال نمو الطفل في المراحل العمرية المبكرة، فأن المسارات العصبية التي تم تكوينها في الدماغ والتي وضعت توقعا لخوض هذه الخبرات والتجارب ربما تضعف او تضمر، وبالتالي فان الاطفال لن يكون بمقدورهم تحقيق المعالم التنموية المعتادة.
على سبيل المثال، الرضع بحاجة الى محادثة طفولية وجه- لوجه متكررة لسماع الاصوات والالفاظ بعدد لا يحصى، من اجل بناء دارات كهربائية في الدماغ، يستطيعوا من خلالها بدأ صنع الاصوات والنطق بالكلمات لاحقا، وفي حال تكرار تجاهل اصوات الاطفال والتحدث معهم وجه-لوجه خاصة حينما يبدأون بتكوين بدايات اصوات في الشهر السادس، فان تعلمهم للغة واجادتهم للكلام وبنطق جيد سوف تتأخر. في الحقيقة ان الاطفال الذين عانوا من الاهمال لا تبدوا عليهم ملامح التعلم الذي يحدث بشكل عادي لتطور اللغة عند الشهور 18-24.
وهذا النوع من التأخير ربما يمتد الى كل جميع أشكال التطور الطبيعي بما في ذلك التنمية المعرفية والسلوكية والاجتماعية والعاطفية والبدينة.
الاهمال العالمي
يستخدم الباحثون مصطلح “الاهمال العالمي” للاشارة الى الحرمان في اكثر من مجال، كـ، اللغة، الاتصال، والتفاعل مع الاخرين. وقد اعتبر الاطفال الرومانيين الذين تم تبنيهم في بداية التسعينات بأنهم اطفال مهملين عالميا، فكان اتصالهم بمن يمنحهم الرعاية قليل جدا، وقليل او ربما لا دوافع او حوافز تعطى لهم البتة في المحيط الذي عاشوا فيه بداية طفولتهم،ولا كذلك الرعاية الصحية.
احد الدراسات وجدت ان حجم ادمغة هؤلاء الاطفال اصغر بكثير من الحجم الطبيعي، ما تشير الى انخفاض نمو الدماغ.
يمكن أن يكون هذا النوع من الإهمال العالمي الشديد له عواقب مدمرة على الدماغ. فقد يؤدي فقدان المثير والمحفز الى اعداد قليلة من المسارات العصبية المتاحة للتعلم. وكذلك فان عدم تقديم الرعاية الجيدة التي تدعم التعلق وتعمق الترابط بين الرضيع ووالديه او من يقوم برعايته في فترة الرضاعة، فان هذا يعني ان هؤلاء الاطفال سوف يجدون مستقبلا صعوبة في تكوين علاقات جيدة مع الاخرين.
وهذه الدراسة توضح ايضا بأن الوقت عامل مهم-فالاطفال الذين تم تبنيهم وهم رضع صغار كان تعافيهم اسرع من الاطفال الذين تم تبنيهم في سن اكبر.
استجابة الخوف المستمر
التوتر المزمن الناتج عن الصدمات المتكررة يمكن أن يؤدي الى العديد من التفاعلات البيولوجية، بما قي ذلك استجابة الخوف المستمر. فنظم العصب الكيميائي تتأثر، والتي من شأنها ان تسبب في سلسلة من التغيرات في ما يتعلق بـ الانتباه، والسيطرة على الانفعالات، والنوم، وعلى التحكم الحركي الدقيق. فالتنشيط المزمن المستمر في اجزاء معينة في الدماغ خاصة تلك التي تتعلق بالاستجابة عند الخوف، مثل الغدة النخامية والغدة الكظرية، قد تتلف او تبلي اجزاء اخرى في الدماغ، كـ الحصين، “هيبوكامبس” المسؤول عن الادراك والذاكرة.
الغدة النخامية-والغدة الكظرية تقوم بأنتاج كورتيزول بشكل مفرط، كردة فعل لمواجهة الخوف المزمن والقلق، والكورتيزول هو هرمون قد يدمر او يتلف الخلايا العصبية في المناطق الحيوية في الدماغ. ولذا فان التفعيل والتنشيط المستمر لمسارات الخلايا العصبية المعنية بالاستجابة للخوف المتكرر يمكن ان ينشىء او يكون ذكريات دائمة تحدد وتشكل تصور الطفل عن البيئة وكيفية الاستجابة لها. وبينما قد يكون هذا التكيف ضروريا من اجل البقاء في بيئة عدائية، فمؤكد انها ستصبح وسيلة للحياة التي يتعذر تغييرها، ولن تتغير حتى لو تحسنت البيئية.
فرط التيقظ
عندما يتعرض الأطفال إلى اجهاد وضغوط مزمنة، فأن أدمغتهم تقوم بتوعية المسارات العصبية في الدماغ لكي تستجيب للخوف ومن ثم تبدأ في خلق ذكريات تؤدي وبشكل تلقائي الى اثارة تلك الاستجابة دون تفكير واعي. وهذا يسمى، فرط التيقظ. هولاء الاطفال لديهم خط اساسي معد للاثارة، ولذا يميلون للمبالغة في الاثارة بخلاف الاطفال الاخرين الذين يرون ان الوضع ليس مخيفا ولا يحتاج لكل هذا الانفعال.
وربما يكون هؤلاء الاطفال حساسين تجاه التلميحات الغير لفظية، مثال، تركيز النظر عليهم او لمس اذرعتهم، فهم غالبا يقرأون مثل هذه الاعمال كدليل على التهديد والتخويف، ولذا فهم كثيرا ما يشغلهم تمعن هذه التلميحات التي تظهر على شكل وملامح من يتعامل معهم، بسبب أن ادمغتهم تكون اقل مقدرة على الاستجابة للتلميحات اللفظية، حتى وهم في بيئة يفترض انها لا تشكل تهديد بالنسبة لهم، مثل الفصول الدراسية.
في حين ان هؤلاء الاطفال غالبا ما يتم وصمهم بذوي “صعوبات تعلم”، فالواقع، هو أن أدمغتهم قد تهذبت بحيث تكون في حالة تأهب مستمر، ولذا ليس بوسعها ان تكون قادرة على تحقيق الهدوء النسبي اللازم للتعلم.
مقالة جميلة ومفيدة تستحق القرائة اكثر من مرة لاهميتها في توضيح ما يتسبب فية العنف الاسري والعنف الاجتماعي من خلل وعدم توازن في نمو ادمغة اطفالنا الطاهرين الابرياء . وهنا اتسائل عن مدى تاثر اطفال سوريا بكم العنف الحربي المكثف والمستمر على ادمغتهم النامية . لاشك انة سوف تنمو عندهم مسارات عصبية مليئة بصور القتل والدم والدبابات التي تجوب الشوارع وللاسف ستاثر على نموهم المستقبلي بعد زمن ليس بطويل