يواجه العالم حاليا مشكلة تراكم ملايين الأطنان من غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض، وينتج جانب كبير منه من أنشطة الإنسان الصناعية المختلفة ووسائل النقل العاملة بالوقود الأحفوري، وأدت تلك الكميات المهولة من الغاز الكربوني إلى إحداث تغيرات حادة في النظام البيئي لكوكب الأرض.
تدل الدراسات أن تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون قد ازداد في الغلاف الجوي منذ بداية الثورة الصناعية وحتى اليوم، حيث ارتفع من 260 جزءا من المليون إلى نحو أربعمئة جزء من المليون عام 2014، وتزداد هذه النسبة سنويا بمعدل 2.1 جزء من المليون، وتقدر كمية هذا الغاز التي تراكمت في الغلاف الجوي للأرض بنحو 230 مليار طن.
أدى ذلك إلى ارتفاع واضح في درجة حرارة كوكبنا الأزرق، حيث يتوقع الباحثون أن تتراوح الزيادة في درجة حرارة الأرض بين درجتين وثلاث درجات سلسيوس بحلول عام 2050، مما تسبب في حدوث انعكاسات خطيرة على التوازن البيئي للأرض، في ما يعرف بظاهرة الاحتباس الحراري.
كما تأثرت أيضا طبقة الثيرموسفير في الغلاف الجوي، التي يتراوح ارتفاعها عن سطح الأرض بين 53 و372 ميلا تقريبا، مما أثر على بيئة كوكب الأرض بشكل كبير.
ويتكون غاز ثاني أكسيد الكربون من ذرة كربون وذرتي أكسجين، وينتج هذا الغاز من عمليات التخمر واحتراق المواد العضوية والوقود الأحفوري، ومن عدد كبير من العمليات الصناعية الكيميائية المختلفة، علما بأن احتراق غرام واحد من المواد العضوية يتسبب في تكون ما بين 1.5 و3 غرامات من غاز ثاني أكسيد الكربون.
ومن أهم مصادر هذا الغاز: محطات توليد الطاقة العاملة بالوقود الأحفوري، ومحركات الاحتراق الداخلي في وسائل النقل المختلفة، ومداخن المصانع التي تحرق الوقود التقليدي، وبعض أنشطة الإنسان اليومية المختلفة، كما تتسبب البراكين في انبعاث كميات هائلة من هذا الغاز.
استخدامات متعددة
يستخدم غاز ثاني أكسيد الكربون في عدد كبير من الصناعات الكيميائية المهمة، كصناعة المشروبات الغازية، وطفايات الحريق، وإنتاج سماد اليوريا، وبعض الصناعات الغذائية والدوائية كصناعة الأسبرين.
كذلك، فإن لهذا الغاز أهمية كبيرة للنباتات في عملية التمثيل الضوئي، كما يستخدم على نطاق كبير من الصناعات النفطية ومعالجة النفط الخام وفي عمليات تعزيز إنتاج النفط من باطن الأرض.
لقد مثل تراكم ملايين الأطنان من غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي مشكلة بيئية ألقت بظلالها الداكنة على بيئة كوكب الأرض، وقد سعى فريق من الباحثين إلى استخدام هذا الغاز الضار بمناخ الأرض كمادة أولية لإنتاج بعض المواد المهمة، ومنها تصنيع البلاستيك، حيث تتم الاستفادة منه في تصنيع مادة البولي بروبيلين البلاستيكية ذات الاستخدامات المتعددة.
إن صناعة البلاستيك التقليدية تتسبب في انبعاث كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ومن خلال التقنية الجديدة سوف يتم تجنب إضافة مزيد من الغاز الكربوني إلى الهواء، كما ستتم إزالة بعض ملايين الأطنان الموجودة منه حاليا في الغلاف الجوي.
لقد اهتم عدد من شركات الصناعات الكيميائية بتقنية تصنيع البولي بروبيلين من غاز ثاني أكسيد الكربون، ومنها شركة “باسف” الرائدة في مجال الصناعات الكيميائية. وبالرغم من أن الأسس النظرية لهذه التقنية معروفة منذ عشرات السنوات فإن العقبة الحقيقية كانت في اكتشاف المادة المحفزة القادرة على تسريع وإتمام التفاعل الكيميائي اللازم لتصنيع هذا النوع من البلاستيك.
التحكم بالجزيئات
يقول عالم الكيمياء البروفيسور برنارد ريغر إن الباحثين في مركز تحفيز تفاعلات ثاني أكسيد الكربون في جامعة ميونيخ التقنية استطاعوا التحكم بشكل دقيق في جزيئات هذا الغاز وإخضاعها لبعض التفاعلات الكيميائية التي سوف تنتج بلاستيك البولي بروبيلين، وهذه المادة الناتجة يمكن تعديل صفاتها حسب الحاجة، كأن تكون غامقة اللون أو شفافة، مرنة أو جامدة، صلبة ومستقرة أو قابلة للتحلل في المستقبل.
من جهتها، تسعى حاليا شركة “نيولايت” للتكنولوجيا إلى الحصول على براءة اختراع لاستخدام غاز ثاني أكسيد الكربون لإنتاج بوليمرات طويلة السلسلة، وهذه البوليمرات سوف تستعمل كبدائل عن المواد الأولية التي تستخدم في إنتاج البلاستيك التقليدي المستخرج من النفط، كما تتميز هذه التقنية في عدم اعتمادها على المواد الزراعية ومخلفاتها والمستخدمة لإنتاج بعض أنواع البلاستيك الأخرى.
كذلك تسعى شركة “نوفومير” ومقرها في أميركا إلى إنتاج البلاستيك من مصدر غير تقليدي، وهي تعمل على تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى كربونات البولي بروبيلين لاستخدامها في تحضير البولي يوريثان المستخدم في المواد اللاصقة ومواد الطلاء وكمادة مانعة للتسرب، وهذه المنتجات سوف تحل مكان البوليمرات التقليدية المصنوعة من النفط، إذ تعتمد على بلمرة غاز ثاني أكسيد الكربون والإيبوكسيدات، بحيث تصبح المواد الناتجة تحتوي على 40% من وزنها ثاني أكسيد الكربون.
وقد نجح عدد من الأبحاث التي أجريت مؤخرا في تصميم آلات قادرة على امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي وبكفاءة جيدة، حيث يتم تمرير الهواء عبر ألواح ماصة، يتم لاحقا معالجتها كيميائيا لفصل الغاز الكربوني منها وتحويله إلى الحالة السائلة لاستخدامه كمادة أولية لإنتاج غاز الاصطناع الذي يعد من أنواع الوقود، كما يتم تصنيع البنزين أو الديزل للسيارات والحافلات أو إنتاج البلاستيك وبعض المركبات الكيميائية ذات الاستخدامات المهمة.
إن عملية امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون من الهواء واستخدامه في بعض الصناعات الكيميائية يعد أمرا مهما لمستقبل كوكب الأرض، إذ سيحد ذلك من انبعاثات الكربون الضارة ببيئة الأرض، التي أصبحت خطرا داهما على حياة الإنسان واستقراره.