تهديد ألمانيا بإخراج اليونان من منطقة اليورو محاولة للتأثير في انتخاباتها النيابية

هل ستقْدم ألمانيا بالفعل على التخلي عن اليونان وتعمل على إخراجها من منطقة اليورو في حال تمنّعت عن نهج التقشف والإصلاحات وتسديد ديونها المتراكمة؟ هذا الاحتمال المفاجئ الذي سربته مصادر المستشارية الألمانية مساء الأحد الماضي إلى موقع «شبيغل» الالكتروني، أثار تفاعلات سياسية في ألمانيا وأوروبا بين مؤيد ومعارض، وأحدث فجوة بين الائتلاف المسيحي الألماني والحزب الاشتراكي الحاكمين حول مدى جدية السير بمثل هذا التهديد وخطورته في ظل أوضاع أوروبية غير مستقرة اقتصادياً ومالياً.

وجاءت ردود الفعل الألمانية الأولى رداً على احتمال فوز حزب «سيريزا» اليساري الراديكالي في الانتخابات النيابية اليونانية التي ستجري في 18 الجاري، وتشكيله حكومة رافضة للنهج الأوروبي والدولي المفروض على اليونان، وكأنها محاولة للتأثير في الناخب اليوناني الذي يميل أكثر إلى موقف الحزب المذكور. ووفق بعض المراقبين، يمكن هنا فهم أسباب التهديدات التي سُربت في هذا المجال على لسان المستشارة أنغيلا مركل ووزير المال فولفغانغ شويبله، وكلاهما من الحزب المسيحي الديموقراطي.

واكتفى رئيس الحزب الاشتراكي الديموقراطي وزير الاقتصاد والطاقة زيغمار غابرييل في اليوم التالي بالإعلان عن أن حكومته «لن تسمح بابتزازها من أي أحد كان». ولكن مسارعة كبار قياديي الائتلاف المسيحي إلى إطلاق تصريحات نارية علنية ضد اليونانيين، وتهديدهم في حال التخلي عن نهج التقشف والإصلاحات البنيوية بالطرد من منطقة اليورو، دفع الحزب الاشتراكي إلى تعديل موقفه ومطالبة المسيحيين بالتوقف عن التدخل في انتخابات ديموقراطية تجري في بلد آخر وممارسة ضغوط على الناخبين فيه.

ويرى مراقبون سياسيون وماليون أن كلام بعضهم عن أن خروج اليونان من دائرة العملة الأوروبية الموحدة «أمر يمكن تحمله» غير مؤكد ويحمل أخطاراً كبيرة، خصوصاً أن لا سابقة مماثلة حصلت، ولا يوجد أي نص في المعاهدات المبرمة تحدد خطوات فصل عضو أو خروجه الطواعي من العملة الأوروبية الموحدة. ويعتقد خبراء أن سابقة من هذا النوع ستفتح الباب مستقبلاً أمام خروج أو إخراج دول أخرى أيضاً، ما يتناقض مع الهدف الأوروبي في توسيع دائرة الوحدة النقدية والاقتصادية مستقبلاً وتعزيزها.

وإذا كان صحيحاً أن دولاً متعثرة في منطقة اليورو، مثل اسبانيا والبرتغال وارلندا، حققت تقدماً ملموساً على طريق تعزيز موازناتها المالية وتنفيذ إصلاحات بنيوية فيها، ما جعل منطقة اليورو اليوم أكثر صموداً أمام أي هزة مالية تماثل هزة عام 2008، فمن الصحيح أيضاً أن تحسّن وضع الدول المتعثرة لا يزال طرياً ولم يكتمل بعد. ودخول فرنسا وإيطاليا في الفترة الماضية مرحلة انكماش ومتاعب اقتصادية إلى جانب تنامي حركات الانفصال فيها عن منطقة اليورو دليل واضح على ذلك، لذلك يرى خبراء أن من الصعب جداً الاعتقاد بأن إعادة اليونان إلى عملة الدراخما لن يترك أثراً عليها وعلى دول أخرى. ولن تكون ألمانيا بمعزل عن تداعيات مثل هذه الخطوة، إذ أشار خبراء مال في برلين إلى أنها ستخسر على الفور 60 بليون يورو على الأقل، هي قروض ستضطر للتخلي عنها والعمل على تعويضها من خلال زيادة الضرائب أو عبر خفض موازناتها السنوية.

ويرجح كثر عدم حصول تطور دراماتيكي داخل دول منطقة اليورو في حال فوز حزب «سيريزا» بغالبية الأصوات وتشكيله حكومة برئاسته، ويعتقدون أن الطرفين سيصلان إلى حلّ وسط يتضمن خفض الفائدة على مبلغ محدد من ديون البلد، وتأجيل المستحقات المالية عليه لفترة أطول مما هي عليه اليوم. وفي هذا المجال حذر بعضهم من طرح الأزمة المالية المستمرة في أوروبا منذ سبع سنوات على أنها مشكلة يونانية أصلاً.

وانتقد رئيس البرلمان الأوروبي مارتين شولتس في حديث للتلفزيون الألماني «زد دي إف» الحملة الصاخبة القائمة حول اليونان. ولفت إلى أن «لا مجال على الإطلاق لخروج طوعي أو لطرد أي عضو من منطقة اليورو»، داعياً إلى التروي وانتظار نتائج الانتخابات.

وأكد أن رئيس حزب «سيريزا» ألكسيس تسيبراس سيكون مضطراً للتحالف مع أحزاب أخرى لتشكيل حكومة جديدة، ما سيفرض عليه البحث عن حلول وسط.

ودعا مفــوض النــقد الأوروبي السابق أولي رِين في حديث إلى موقع «شبيغل»، الجميع إلى التروي و»التخلي عن رسم الشيطان على الحيطان»، مشيراً إلى أن أي هزة تتعرض لها اليونان من جديد ستسبب اضطرابات في أوروبا مماثلة لما حصل عامي 2010 و2012.

ولفت إلى وجود تيارات وأجنحة متعددة في حزب «سيريزا»، معرباً عن اعتقاده بأنه «سيكون من الصعب على الحزب إبقاء هذه التيارات موحدة في داخله»، خصوصاً في حال أبدت بروكسيل استعداداً لتقديم تسهيلات مالية لليونان تساعده على خفض ديونه.

وتضرّر سعر اليورو كثيراً في الأيام الأخيرة بعد سريان قرار البنك المركزي بتأمين تسهيلات مالية جديدة للدول المتعثرة وبدء الحملة الانتخابية اليونانية. وانخفضت العملة الأوروبية الموحدة إلى دون 1.17 دولار، بعدما خسرت عام 2014 أكثر من 12 في المئة من قيمتها.

+ -
.