نشر معهد “ميمري” الإسرائيلي توقعاته للعام 2015 الذي يستند إلى معلومات استخبارية، وتم تقديمه لهيئة الأركان الإسرائيلية ليكون ركيزة للعمل لرئيس الأركان الجديد غادي إيزنكوط، والقيادتين العسكرية والسياسية والحكومة المقبلة.
ويتطرق التقرير إلى الوضع في سوريا، تحت مسمى “سوريا الصغرى”، جاء فيه أن الاستخبارات الإسرائيلية ترى أن الخبراء السوريين والإيرانيين الذين يعملون في سورية جنباً إلى جنب استنتجوا أن الجيش السوري لن يحقق المطلوب ولن يأتي بالتغيير. لذلك، فإنهم يحاولون – وينجر الأميركيون خلفهم – التوصل إلى حل وسط بين المتمردين والأسد وتقسيم السلطة في سورية. وهذا لا يمنع الروس من مواصلة العمل، كل أسبوع، على إحضار سفينة إلى ميناء طرطوس محملة بالأسلحة لدعم الجيش السوري، بدءاً من رصاص الكلاشينكوف وصولاً إلى القذائف الثقيلة.
وجاء في التقرير: «سورية الكبرى لم تعد قائمة. والمصطلح المتعارف عليه اليوم هو سورية الصغرى أي 20 – 30 في المئة من مساحة سورية. أما بقية الأراضي فهي كانتونات مستقلة، يحارب بعضها بعضاً. أما مكان إسرائيل في هذه القصة فهو في هضبة الجولان. ويتمثل ثمن المساعدات الإنسانية التي تقدمها إسرائيل لمتمردي الجيش السوري الحر في انتشار جماعات سنّية معتدلة على طول الجزء الأكبر من هضبة الجولان، ولكنها تدير وجهها نحو الأراضي السورية. هذه الجماعات تشكل حاجزاً وتمنع دخول عناصر جبهة النصرة وداعش إلى هضبة الجولان الإسرائيلية».
ويتجاوز تقرير الاستخبارات التحليل في هذا الجانب إلى نشر تفاصيل عمل «حزب الله» في سورية محاولاً إظهار قدرة استخباراته على معرفة أدق التفاصيل فيقول: «إلى الشمال من القنيطرة تقوم قرى درزية تشكل مركزاً للعمل المعادي لإسرائيل في هضبة الجولان. ويتم تحريك الوحدات الناشطة هناك من جانب حزب الله والجيش السوري. ويتولى المسؤولية عن أحدها نجل عماد مغنية الذي وقف على رأس جهاز العمليات الخارجية لحزب الله وقامت إسرائيل بتصفيته في عام 2008».
ولم ينهِ تقرير الاستخبارات تقديراته حول الملف السوري من دون التطرق من جديد إلى ما يسميه السلاح الكيماوي السوري، ويرى رجال الاستخبارات الإسرائيليون أن هذا الملف سيبقى مفتوحاً أيضاً في عام 2015، لأن منظمة OPCW التي تعمل على تفكيك السلاح الكيماوي لم تغلقه بعد. ويسود الاحتمال الكبير بأن نظام الأسد يواصل إخفاء مواد كيماوية.
الملف اللبناني
الصور التي نشرها معهد «ميمري» الإسرائيلي عن جنود في الحرس الثوري الإيراني على الحدود بين إسرائيل ولبنان، أعادت ما يعتبره الإسرائيليون «الخطر الأكبر على إسرائيل من إيران ولبنان»، إلى مقدم النقاش في الانتخابات الجاري الاستعداد لها. وقد تزامن هذا النشر مع بدء عمل الجيش الإسرائيلي على إقامة حاجز مائي على الحدود الإقليمية مع لبنان، وتحديداً في منطقة الناقورة، استعداداً لاحتمال قيام «حزب الله» بتنفيذ عمليات بحرية، كما تزامن مع تقرير الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية حول توقعات عام 2015 الذي يضع إيران و «حزب الله» في مقدم الأخطار التي تهدد ليس فقط إسرائيل، إنما دول العالم الغربي بأسره.
حرص المعهد الإسرائيلي على ترويج الصور التي نشرها أفراد الحرس الثوري الإيراني في الشبكات الاجتماعية، وتبين أنهم كانوا يرابطون في الجنوب اللبناني ويتباهون بأنهم على مقربة من حدود فلسطين للقتال ضد العدو الإسرائيلي. وقد نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» مقالاً حول الموضوع يتساءل «هل يثرثر الحرس الثوري الإيراني في مسألة تجول جنوده من دون أي إزعاج في لبنان، ويقتربون هكذا من الحدود الإسرائيلية؟ أم إنها صور فقط، ليس من المؤكد أنها التقطت فعلاً قرب الحدود. لكن الجنود يظهرون في بعضها إلى جانب صورة لأمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله، وفي قسم آخر يظهرون وهم يرتدون ملابس رسم عليها علم إيران وعلم «حزب الله»، في تلميح مباشر إلى العلاقة الوثيقة بينهما. وكتب إلى جانب إحدى الصور: «نحن على مقربة من أم الفساد، إسرائيل الملعونة. قريباً سوف ندوس جثثهم إن شاء الله».
وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتانياهو، استبق حملة التحريض على إيران و «حزب الله» بتحريض آخر أمام عضو مجلس الشيوخ الأميركي الجمهوري ليندزي غراهام ليتحدث عن أن إيران وأذرعها في المنطقة تشكل تحدياً كبيراً خصوصاً في مشروعها النووي، وأشار إلى «أن إيران أجرت اختباراً لطائرة من دون طيار يمكن استخدامها في هجمات انتحارية، ما يجعل أهمّ مهمَّة تواجهنا تتمثل بمنع هذا النظام الخطير من الحصول على السلاح النووي، داعياً إلى فرض المزيد من العقوبات على إيران وهو أمر مهم بالنسبة للسلام العالمي».
الحاجز المائي الذي شرعت إسرائيل بإقامته قرب رأس الناقورة هو جانب من منظومة الدفاع التي تعدها إسرائيل. وحرص الجيش، كعادته، على التروج لقدرات دفاعه. وتتيح أجهزة الاستشعار المستخدمة للجيش الإسرائيلي كشف تحركات غواصين بشر أو مراكب بحرية أو غواصات. وأوضحت مصادر عسكرية أن عمليات إقامة الحاجز تتم تحت حماية سفن حربية وبمساعدة شركات أميركية وأوروبية. وأضافت أن حاجزاً مماثلاً أقيم قرب كيبوتس «زيكيم» الذي شهد عملية التسلل التي نفذها الكوماندوس البحري التابع لكتائب القسام، مدعية أن ذلك يأتي في ظل جهود يبذلها «حزب الله» لتعزيز قدراته البحرية.
والقدرات التي يسعى الحزب إلى تعزيزها لا تقتصر على الهجوم البحري، إنما البري والجوي أيضاً، وهذا ما سعى إلى توضيحه تقرير الاستخبارات الإسرائيلية الذي ادعى أن الحزب يستثمر الكثير من الأموال في السنوات الأخيرة لشراء معدات قتالية يستخدمها وقت الحاجة من أجل تنفيذ عمليات بحرية وبرية في إسرائيل. خطة «حزب الله» القتالية، وفق تقرير الاستخبارات، تجعل إسرائيل تقف أمام نظرية الحرب الجديدة التي تركز على نشر القوات العسكرية لخوض مواجهات طويلة.
التقرير لا يطمئن الإسرائيليين، بل يبشرهم بشرق أوسط جديد ولكن على عكس ما خططت له إسرائيل وحلفاؤها بحيث يشهد العام المقبل نمو الكثير من الحركات المتطرفة حول إسرائيل، وسفك الكثير من الدماء الإسلامية من جانب مسلمين، مقارنة بالسنوات السابقة، الأمر الذي سيؤدي إلى تصاعد العنف داخل الحدود الإسرائيلية.
«في الشرق الأوسط لا وجود اليوم لدولة عظمى تقوم بدور صاحب البيت. لا يوجد أي طرف يمكنه ترتيب التوازنات وخلق تعاون دولي يوفر نوعاً من الهدوء في المنطقة».
الملف الفلسطيني
ويرى التقرير أن التدهور الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية أو بين إسرائيل وغزة، خيار واقعي في عام 2015. ووفق تقرير الاستخبارات، فإن «حماس» نجحت في تحسين قدراتها بنسبة تتراوح بين 5 و10 في المئة منذ وقف إطلاق النار. كما تقوم بترميم الأنفاق الهجومية في الشجاعية وخان يونس.
ويظهر تقرير الاستخبارات أوجه التشابه بين «حماس» و «حزب الله» فيدعي أن الطرفين انتقلا من طرق الدفاع والاستنزاف بواسطة الصواريخ إلى طرق الهجوم والاحتكاك بواسطة تفعيل القوى في المناطق الإسرائيلية ويستعدان لضرب إسرائيل بواسطة السلاح الدقيق: صواريخ شاطئ – بحر، طائرات من دون طيار وقذائف متطورة.
الملف الإيراني
في هذا الجانب يرى جهاز الاستخبارات الإسرائيلية أن الوضع أكثر تعقيداً، إذ إن أي اتفاق بين إيران والولايات المتحدة حول البرنامج النووي سيكون سيئاً لإسرائيل. وليس هذا فحسب، بل يرى الإسرائيليون أن التوقيع عليه سيسمح بإجراء تقويم مؤكد حول سلوك «حزب الله» على الحدود الشمالية مع إسرائيل. في المقابل، إذا لم توقع إيران على اتفاق مع الغرب ولم تنجح في رفع العقوبات الدولية عنها، فمن شأنها تحطيم الآليات. ويمكن خيبة الأمل من روحاني واستمرار اليأس الاقتصادي أن يعيدا رجال حرس الثورة إلى السلطة في طهران. والحديث هنا عن إجراءات دراماتيكية قد تؤثر في شكل فوري في الحدود الشمالية، لكن أحداً لا يستطيع التكهن بها اليوم».