“هناك ثقافة واحدة هي ثقافة القوة حين أكون قويا يحترم الناس ثقافتي وحين أكون ضعيفا أسقط أنا وتسقط ثقافتي معي “
لم يُخطيء نزار قباني أّبدًا بعبارته هذه عندما شعر أنّ القوة تُكمن بثقافة الفرد ومن بعدها الأسرة ومن ثم ثقافة مجتمع بأكمله .
إنّ الثّقافة هي صقل وتهذيب النفس وهي محصلة قوانين وأعراف تحكم أي مجتمع كان ،منها العادات والتّقاليد الموروثة و منها المعايير الاجتماعية ، وهي أكثر العوامل تأثيرًا على المجتمع . وما يميّز ثقافة المجتمع أنّها تنتقل من جيل إلى جيل بغرسها وتذويتها من خلال المؤسسات التّربوية كالأسرة والمدرسة والجامعة .
هنا يتطلب منا نحن عملية التعليم والتدريب المكثف لكي تبرز أهميتها وتُصبح عادة ومن بعدها نهج حياة. عليها أن تأخذ حقها وواجب علينا نحن تقبل عاداتنا وتقاليدنا مثلنا مثل أي مجتمع محافظ محترم بأسلوب مقبول ومقنع . علينا غرس وزرع الأسس التربوية لتتذوت بعقولنا أولا ومن ثم بعقول أولادنا منذ ولادتهم . تدريب أولادنا من خلال تربيتنا لهم تعليمهم وإرشادهم لكيفية المحافظة عليها عبر الأجيال والتفاخر بها . ليس عيبا أبدًا التّمسك والإيمان بها ، وهنا عملنا نحن مع أولادنا وطلابنا حيث يتطلب منا مجهودًا كبيرًا . في البداية علينا أن نكون أولًا مثلًا أعلى وقدوة حسنة أمام أولادنا نؤمن بعاداتنا وقيمنا ونتصرف حسبها .
انطلاقة الثقافة التربوية الأسرية تبدأ من البيت _الأسرة الحاضنة _أي نحن الأهل المسؤولون عن تربية أولادنا وعن توجيههم إلى الطّريق الصّحيح . علينا أن نؤمن ونُدرك أهمية الثقافة التربوية التي سنعلمها لأولادنا لأنّها ستظل جسر حصين ممتد بيننا والذي سّيربطنا معهم عبر الزّمن لتظل عالقة ومرسوخة بتفكيرهم نحافظ عليها من خلالهم وعدم التخلي عنها ابدا.
هناك ثقافات متعددة للتّربية ثقافة القيم والأخلاق ، ثقافة العادات والتقاليد ، ثقافة فن التّعامل مع الغير والاحترام ثقافة فن الكلام ، ثقافة فن الاصغاء ، ثقافة اللّغة المحكية الملائمة ،ثقافة اللّباس المحترم الملائم في المكان المناسب والذي يليق ، ثقافة فن الحوار والنقاش ، ثقافة التقبل والاحترام .ثقافة النظافة و المحافظة على الممتلكات وتقييمها ومدى أهميتها . لو جُمعت هذه الثّقافات في كل أسرة لأصبحنا أغنياء جدًا بثقافة قوية محترمة وحضارة عريقة احترم نفسي ويحترمني الجميع وهنا تكمن قوتي .
نحن اليوم نستورد ما ترميه لنا الثقافات الأخرى نقلّدها ونمشي على خطاها بل نضيف عليها ما يحلو لنا بغض النظر هل يتلاءم مع مجتمعنا وقينما وعاداتنا أم لا ، نضعه في سلم أولوياتنا ونقتنع به ونجعله موضة وكأنّها عادة من عاداتنا الموروثة ونفرضها على الذين يتمسكون بقيمهم ومبادئهم وعلى قناعة منا أنهم متخلفون بعقليتهم وتفكيرهم .
حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي نواجهها في أيامنا هذه هي نتاج ما ملأنا عقول أولادنا به بتصرفاتنا بسلوكياتنا العشوائية التي ليس لها تعريف أبدا وليست تابعة لأي ثقافة تائهين عبر الزمن عبر الصراع راكضين وراء المادة نحن نستثمر المادة لإرضاء أولادنا لا نعي خطورة هذا الاستثمار .
لقد اعتاد أبناؤنا على الاتكالية لأننا نحن من عودناهم على عدم تحمل المسؤولية بكل أمور حياتهم كل شيء جاهز أمامهم ونسعى جاهدين لراحتهم فقط دون محاورتهم ومناقشهم ومشاركتهم في أمورنا البيتية البسيطة التي من خلالها عليه أن يشعر بكامل المسؤولية والجدية باتخاذ القرارات مواجهة المشاكل والتعاون على حلولها توجيه أولادنا على أمور حياتية يومية يمر بها من خلال احتكاكه بأفراد مجتمعه .
نتائج التربية الصحيحة السليمة في بداية انطلاق الطفل إلى العالم الخارجي هي المدرسة ولكن تبدأ التربية أولا من البيت وامتدادا إلى المدرسة ويتم صقل شخصية الطالب وتهذيبها لما تربى عليه في البيت تحضير الطالب تجهيزه نفسيا وجسديا . نُؤمّن لهم كل يوم وجبة ثقافية توعوية وذلك بالتحدث معهم عن قيمة المبادئ والتعامل مع الاخر الاحترام والاصغاء والتّعامل اللبق ، أخذ رأيه واحترام والسؤال المستمر عنه والمتابعة والاهتمام
نبحث ونهتم بالسؤال عن أولا دنا أين ذهبوا ؟ و مع من ؟ من هم رفاقهم ؟ ماذا يفعلون ؟مراقبة تصرفاتهم أحرص على أن لا يتأخروا خارج البيت أضع لهم حدود لأوقات العودة للبيت. نسأل عن أولادنا في المدرسة ما الذي يفعله ابني في مدرسته وكيف يتصرف مع زملائه ومعلميه ؟ كيف يتعامل معهم ؟ . ماذا يتعلم ؟ من يعاشر؟ اهتماماته مراقبتة ميوله الى أي حد وصل بتطوره بشبكة الانترنيت أي لعبة اختارها وتستنفذ وقته وقوته تعليمية كانت ام ثقافية ؟ نشجعه عليها وأن كانت غير أخلاقية علينا مراقبته تخرب العقول وتحرض على سلوكيات غير أخلاقية ، ومفروض علينا نحن أن نعطيه ونلبي طلباته بأي مبلغ كان لا يهم دون توجيه مننا لخطورة هذه اللعبة .واجب علينا مشاركة أبنائنا في أنشطة ثقافية صحية تعليمية ترفيهية أشجع ابني على اتخاذ قرارات وبغض النظر عن مدى انشغالي أحاول أن اقضي معهم وقتا اخصّص له أحاوره أناقشه .ابني لن يقرر ويفرض قراره علي دون نقاشه
نستطيع القول أنّ التربية هي العمود الفقري للثقافة وانّ الثقافة هي روح التربية وكلاهما لا يستطيعان العيش بمعزل عن الاخر وسرّ تقدم أي مجتمع هو الايمان العميق بأهمية ثقافتة وإيمانه وعنا تكمن القوة
فلنساهم في تقدم الثقافة ونعزز القيم الأخلاقية عن طريق مناهج التعليم والبيت معا لنكون قدوة لمجتمعنا لأولادنا ولنحظى بحضارة مرموقة لنجعل شوارعنا تتكلم عنا بالفكر الثقافيّ الحضاريّ. لنجعل أولادنا يتفاخرون بنا وببلدهم ومجتمعهم . تتحسن حياتنا حين نتحسن وليس قبل ، يتطور عالمنا الخارجي فقط إن أمضينا ساعات وساعات في تحسين أنفسنا .