زائر مدينة جنيف يقع في غرامها منذ اللحظة الأولى. ومع أني لم أمكث فيها سوى 72 ساعة فقط إلا أن ثانية أكبر المدن السويسرية من حيث تعداد السكان (180 ألف مواطن سويسري من إجمالي 650 ألف نسمة معظمهم من الأجانب وخاصة العاملين في الأمم المتحدة فيها)، فقد استطاعت أن تجذبني بجمالها وهدوئها وأجوائها الرومانسية وطبيعتها الخلابة، علاوة على طابعها الخاص المميز.
كانت إقامتي في فندق «فورسيزونز دي بيرج» الذي يعتبر من أكثر فنادقها عراقة وتفرداً، ويشكل بموقعه الممتاز في وسط المدينة، مع إطلالته على بحيرة جنيف الشهيرة، مكاناً مميزاً للتجول والاستمتاع بما يمكن أن تبوح المدينة بأسرارها.
والفندق الذي بني منذ 180 عاماً وكان في الأصل قصراً فخماً هو المكان المفضل لرجال الأعمال والزائرين من منطقة الخليج العربي، وخاصة لأنه يربط الجزء الحديث من جنيف بأحيائها القديمة التي لها تاريخ طويل على الضفة اليسرى من البحيرة التي تمثل مركز المدينة. وعلى بعد خطوات يقع الجسر الرئيسي الذي يفصل شطري المدينة. ومن غرفتي في الفندق كان أول ما لفت نظري جبال الألب الشاهقة التي تعلوها الثلوج في معظم فترات العام.
وتشتهر جنيف بأنها عاصمة صناعة الشيكولاتة في العالم وتضم أفخر متاجرها، إلى جانب متاجر الساعات من كافة الأشكال والأحجام والأثمان لأن للمدينة تاريخ طويل أكثر من أي مكان آخر في المهارة والإتقان في صناعة الساعات.
كما تشتهر جنيف أيضاً بأنواع الجبن السويسري المتعددة التي تنافس أنواع الجبن الفرنسي المعروفة عالمياً.
وتشعر في جنيف بالهدوء والارتياح لأنها مدينة لا تهددك مطلقاً. وكان واضحاً مدى زيادة الوجود العربي بها وخاصة خلال العقدين الأخيرين، فقد زاد عدد سكانها من العرب وبالتحديد من شمال أفريقيا. وهناك منطقة تقع بالقرب من محطة السكك الحديدية الرئيسية تتمركز فيها الجالية العربية وترتفع فيها الأسماء العربية على واجهات المتاجر والمصارف. وثمة وجود واضح أيضاً للمطبخ العربي حيث المخابز الليبية (الكوشة) ومقاهي الشاي المغربي بكل نكهاته المميزة، وعدد من المطاعم العربية وخاصة اللبنانية وكذلك التركية… وهناك كذلك بعض المكتبات العربية.
وقلما تلمس في جنيف الزحام الشديد المتوافر في مدن غربية أو شرقية أخرى، وخاصة بالنسبة إلى حركة السيارات وتكدسها أو إلى المشاة. ولكنها تصبح مدينة مختلفة خلال فصل الصيف حيث يقبل عليها بنسب متزايدة أعداد كبيرة من السياح العرب وخاصة من السعودية والكويت والإمارات. وترتفع أعدادهم في شهري تموز (يوليو) وآب (أغسطس) وكذلك أثناء العطلات الرسمية. ويقول المسؤولون في فندق «فورسيزونز دي بيرج» إن السائح العربي يرتاح للإقامة في جنيف في ظل أجوائها الآمنة بالمقارنة مع مدن أوروبا الأخرى مثل لندن وباريس.
وعلى الرغم من الطابع التقليدي (الكلاسيكي) للفندق، إلا أنه خضع مؤخراً لعمليات تجديد وتحديث شاملة، وتمت إضافة 18 غرفة وجناحاً فاخراً جديداً إلى عدد الغرف بحيث أصبحت 115 غرفة وجناحاً. إلا أن عدد العاملين يزيد على 250 شخصاً لتوفير الخدمة الفائقة والمميزة للاهتمام بكل نزيل. وشملت عمليات التحديث إضافة منتجع صحي فاخر وحمام سباحة كبير. وهناك لمسة جمالية مبتكرة تجعلك تشعر وكأنك في متحف وليس في أحد الفنادق.
وتتوافر في هذا المنتجع كافة أساليب العلاج بالتدليك الطبي والعطور والروائح وحمامات البخار. وهناك أيضاً النادي لممارسة اللياقة والرياضة البدنية من خلال أحدث المعدات الخاصة بذلك. ومن أبرز ما يميز الفندق حالياً المطعم الياباني الجديد في الطابق السادس والأخير، إذ أصبح نقطة جذب واضحة في جنيف.
ويقول المسؤولون في الفندق إن اللمسات الجديدة فيه تعكس أسلوب خبير الديكور والمصمم الفرنسي الذائع الصيت «بيير روشون» الذي قام أصلاً بتصميم الأجنحة وردهة الفندق المتميزة باللون الأزرق الممزوج بديكورات خضراء اللون. وفي الردهة تلاحظ باقات الزهور الزاهية الألوان التي يتم تنسيقها وتشذيبها من خلال الذوق الرفيع.
وتشاهد من معظم غرف الفندق نافورة جنيف الأخاذة التي تعتبر من أبرز معالم المدينة وهي تضخ مياهها إلى علو 140 متراً، وتتركز الأضواء الجذابة عليها في ساعات الليل لتجعلها بمثابة لوحة فنية لها طابع احتفالي.
يبعد الفندق حوالى 15 دقيقة بالسيارة عن مطار جنيف الذي يعتبر نقطة التقاء لشركات الطيران العديدة المتجهة إلى بقية أنحاء أوروبا أو آسيا أو الشرق الأوسط. ويمكنك أن تستقل القطار من محطة السكك الحديدية بالقرب من الفندق إلى المطار في رحلة لا تزيد عن خمس دقائق. ومن هناك يمكنك أيضاً الاتجاه إلى مدن سويسرا الأخرى أو إلى بعض العواصم الأوروبية الكثيرة.
وتبعد جنيف بالسيارة حوالى 20 دقيقة فقط عن مدن فرنسية مثل فيرني فولتير مسقط رأس الفيلسوف والمفكر الفرنسي الشهير فولتير. وعلى مقربة من جنيف تقع المدن الشهيرة بالتزلج في جبال الألب، مثل أناماسي وشاموني على مسافة لا تزيد عن 40 أو 50 دقيقة. وتقع مدينة ديفون الفرنسية الشهيرة بقلعتها الشامخة بالقرب من جنيف في رحلة لا تزيد بالسيارة عن 20 دقيقة.
ومن أبرز الفنادق الكبرى والأخرى لمتوسطي الدخل في جنيف هناك: لي ريشموند الذي يطل على بحيرة ليمان في قلب المدينة، وهيلتون نوجا ومندرين أورينتال الواقع على نهر الرون في وسط حي المال والأعمال. وهناك فندق إنتركونتيننتال القريب من المقر الأوروبي للأمم المتحدة. وكذلك فندق إيدين الأقل تكلفة، وفندق بريزدينت لمتوسطي الدخل.