حقائق صادمة وغير شائعة عن المناخ هي أساس فهم اتفاقاته!

هل تريد حقيقة أساسيّة وصادمة عن المناخ لا يقولها أحد غالباً؟: حتى لو توقّفت كل انبعاثات غازات التلوّث، تستمر ظاهرة الارتفاع الكارثي في حرارة الأرض! حقيقة مماثلة اخرى: ظاهرة الاحتباس الحراري المتفاقم، غير قابلة للمعالجة عبر خفض التلوّث.

حقيقة ثالثة: إذا وصل البشر بضربة عصا سحريّة إلى مستوى صفر تلوّث بالغازات المسبّبة للإحتباس الحراري، فلسوف تبقى الأرض تعاني من كوارث الارتفاع غير الطبيعي في حرارتها (ذوبان ثلوج، وغرق جزر وشواطئ، وأعاصير غير مألوفة، وتطرّف في أحوال الفصول، وفترات متطاولة من الجفاف يرافقه تصحّر، وفناء أنواع حيّة…) لمدة تزيد على قرن أو أكثر.

حقيقة رابعة: الضرر الذي ألحقته الدول الصناعيّة الكبرى (خصوصاً في الغرب) بالمناخ غير قابل للشفاء في المدى المنظور، بل ربما لا شفاء منه أبداً.

الأرجح أنّ الإعلام يتجّنب الحديث عن الحقائق السابقة، وهي مجرد نماذج من معطيات أوليّة مؤلمة، خصوصاً في تغطيته مؤتمر «كوب 21»، على رغم أنّ تلك الحقائق الصادمة تصلح أساساً لتفهّم ألفباء الاتفاقات عن المناخ وما يرافقها من نقاشات تكتظ بمصطلحات كـ»التكيّف» و»التخفيف» و»التأقلم». وغالباً ما يردّد الإعلام تلك المصطلحات من دون شرح ملائم.

والأنكى أن معظم الإعلام المهتم بالمناخ يردّد تلك المصطلحات مع شروحات تزوغ عن تبيان معانيها العميقة والفعليّة! لماذا؟ الإجابات لا نهاية لها، وتتوزّع مروحتها بين «نظرية المؤامرة» (دول وشركات وأموال و…) في الزاوية المتطرفة من المشهد، لتصل إلى الحديث عن التخلّف المرير الذي يعيشه عموم العرب ومعظم إعلامهم، في الزاوية الأقل انفعالاً من المشهد عينه.

حرارة الأرض في وصف علمي

تمثّل الدراسة التي قادها البروفسور جايمس هانسن، وهو أستاذ في «كلية الأرض» في «جامعة كولومبيا» الأميركيّة، إحدى الدراسات التي اشتهرت بجرأتها في الحديث بوضوح عن الأساس العلمي لتغيّر المناخ، خصوصاً ظاهرة الاحتباس الحراري المتفاقم. نشرت دراسة هانسن في موقع «بلوس» الشهير الذي ينطق بلسان «المكتبة العلميّة للإنترنت». وموّلت الدراسة التي أنجزها فريق علمي واسع ترأّسه هانسن، مؤسّسات تشمل «الوكالة الوطنيّة (الأميركيّة) للفضاء والطيران» («ناسا») و»جامعة كولومبيا» الأميركيّة.

واستناداً إلى تلك الدراسة ومثيلاتها، من المستطاع إعطاء الوصف التبسيطي التالي لظاهرة تفاقم الاحتباس الحراري، وهو توصيف غير مألوف إعلاميّاً على الأقل.

إذ يدخل ضوء الشمس الغلاف الجوي حاملاً معه كميات كبيرة من الحرارة. وتمتص يابسة الأرض ومحيطاتها تلك الحرارة، ثم تعيد بثّ تلك الحرارة إلى الغلاف الجوي ومنه إلى الفضاء الخارجي. من المهم ملاحظة أن الحرارة التي تصدر عن الأرض تكون على هيئة موجات من الأشعة تحت الحمراء. ( الأجساد الحيّة تصدر حرارتها الطبيعيّة عبر تلك الموجات أيضاً).

وتتجه تلك الأشعة تحت الحمراء إلى الغلاف الجوي للأرض، لكنها لا تغادره مباشرة، بل أنها تسخّن الهواء في الطبقات العليا من الغلاف الجوي التي تتسم ببرودة كبيرة، وهي على تماس مباشر مع الفضاء الكوني. وعندما يسخن بعض الهواء في تلك الطبقات العليا، تتسرّب تلك الحرارة «المستجدّة» إلى الفضاء الكوني المحيط بالأرض، وهو بارد تماماً. وهكذا، تعود الطبقات العليا من الغلاف الجوي إلى برودتها الطبيعيّة، وتتخلّص الأرض من الحرارة.

إذن، يتعلّق الأمر بتوازن ضخم بين الكرة الأرضيّة وما تحتويه ومن عليها، والغلاف الجوي وطبقاتها ومكوّناته، والفضاء الكوني الذي تسبح فيه الأرض.

وفي الحال الطبيعيّة، لا تتسرب كل الحرارة التي تصدر من الأرض إلى الفضاء، بل يبقى جزء منها كي يدفئ الكرة الأرضيّة ويمد كائناتها الحيّة بالطاقة، ويحفظ التوازنات البيئية الكبيرة فيها. لولا تلك الحرارة، لدخلت الأرض في برودة جليديّة، ولما صلحت للحياة أصلاً.

الثورة الصناعيّة: بداية الكارثة

حدث تضرّر لتلك المعادلة الطبيعيّة التي تحفظ للأرض حرارتها التي تديم الحياة عليها، مع الثورة الصناعيّة التي انطلقت في دول الغرب في القرن التاسع عشر. ومع دخان المصانع والمواصلات الناجم أساساً من حرق الوقود الأحفوري (فحم حجري في البداية، وتلاه النفط والغاز)، تراكمت غازات التلوّث في الغلاف الجوي. وتدريجيّاً، تكوّن ما يشبه «الدثار» من تلك الغازات، بمعنى أن غازات التلوّث شكّلت نوعاً من الغلاف الذي يمنع موجات الأشعة تحت الحمراء التي تحمل الحرارة، من الوصول إلى الطبقات العليا من الغلاف الجوي.

واستطراداً، تقلّصت عملية تسخين تلك الطبقات بالحرارة الصادرة من الأرض، وتالياً تناقصت عملية تبريد تلك الحرارة عبر تبادلها مع برودة الفضاء الخارجي. وصارت الأشعة تحت الحمراء التي تحمل الحرارة الصادرة من الأرض إلى خارجها، تتجمّع تحت «الدثار» الذي كوّنته غازات التلوّث المتأتيّة أساساً من حرق الوقود الأحفوري. ومع تجمّع تلك الحرارة، أخذت حرارة الكرة الأرضيّة وغلافها الجوي (في ما تحت الطبقات العليا)، في الارتفاع.

وبقول وجيز، أخلّت غازات التلوّث بالتوازن الطبيعي الذي كان يحفظ للأرض حرارة تكفل احتضانها لظاهرة الحياة عليها من جهة، وتؤمّن تخلّصها من فائض الحرارة الآتية من الشمس.

+ -
.