
سياسة تسجيل الأراضي في هضبة الجولان المحتلة بين المصادرة وإثبات الملكية
المحامي رأفت منذر
ارتأيت أن أوضح بعض الأمور في هذه المادة، آملًا أن يجد القارئ فيه فائدة. ما ورد في المقال هو رأي ورؤية تحليلية شخصية، تطرّقت فيه إلى مناحٍ متعددة، وبضمنها الزاوية القانونية، مستفيدًا من تجربتي المتواضعة واطلاعي على بعض قرارات المحاكم والسوابق القضائية المتصلة بموضوع تسوية الأراضي.
مقدمة :
تُعد مسألة تسجيل الأراضي في هضبة الجولان واحدة من القضايا الأكثر تعقيدًا وتشابكًا، نظرًا لتقاطعها مع الأبعاد القانونية والسياسية والاجتماعية. فمنذ احتلال الجولان عام 1967 وفرض القوانين الإسرائيلية عليه، تواجه ملكية الأرض تحديات متعددة، أبرزها مشروع التسجيل الرسمي للطابو، الذي يعتبره السكان المحليون خطوة نحو تثبيت السيطرة الإسرائيلية ومصادرة ما تبقى من الأراضي العربية.
أولاً: سياسة الاستيلاء على الأراضي (مصادرة الأراضي) في الجولان وتأثيرات التسجيل في الطابو الإسرائيلي:
يشكل مشروع تسجيل الأراضي في الطابو الإسرائيلي مرحلة خطيرة ضمن سياسة الاستيلاء على الأراضي (مصادرة الأراضي) في الجولان. فبالرغم من كونه يطرح نفسه كمشروع تنظيمي، إلا أنه يحمل أبعادًا سياسية خطيرة تتمثل في تثبيت الملكية وفق القانون الإسرائيلي، بما يخالف القانون الدولي الذي يعتبر الجولان أرضًا محتلة.
ومن أخطر ما في التسجيل أنه يفتح المجال أمام مصادرة الأراضي غير المسجلة أو تلك التي لا يستطيع أصحابها إثبات ملكيتهم لها وفق المعايير الإسرائيلية.
ثانيًا: الإشكاليات القانونية وإثبات الملكية في لجان التسوية الإسرائيلية:
يُفرض على السكان عبء إثبات ملكيتهم للأرض في ظل غياب وثائق رسمية معترف بها إسرائيليًا، بسبب عدم وجود تسجيل سابق في الطابو. وحتى الوثائق العرفية أو الشهادات القديمة كثيرًا ما تُرفض أو لا يُعتد بها، ما يفتح المجال أمام مصادرة الأراضي باعتبارها “أملاك غائبين” أو “أراضي دولة”.
عبء الإثبات:
تضع لجان التسوية عبء الإثبات بالكامل على أصحاب الأرض، ما يتطلب وجود خرائط، عقود قديمة، أو شهادات موثوقة، وهي أمور غالبًا غير متوفرة نتيجة الظروف التاريخية والسياسية.
تدخل الدولة
: في حال وجود خلاف أو نزاع بين الورثة أو الجيران على الحدود، يتطلب من كل من طرفي النزاع اثبات ملكيته بالكامل وفقا للمعايير المتبعة حاليا في نزاعات ملكية الأراضي، وفي حال لم يستطعوا اثبات ملكيتهم سوف تعتبر الأرض لا مالك لها وعندها تصبح ارض الدولة وفقاً للبند 3 لقانون اراضي الدولة. وستقدّم نفسها كطرف قد يطالب بملكية الأرض.
قضايا الورثة:
تُعدّ قضايا الورثة من أبرز الإشكاليات التي تواجه السكان في الجولان عند محاولة تسجيل الأراضي في إطار عملية التسوية. فالكثير من العائلات اعتمدت تقليديًا على العرف في توزيع الأراضي، دون اللجوء إلى الإجراءات القانونية الرسمية. وغالبًا ما تتم قسمة تركة المورّث شفهيًا أو بتراضي غير موثق بين الأبناء والورثة، دون إصدار قرار حصر إرث أو تصديق وصية من المحكمة الشرعية أو المدنية المختصة. هذا الوضع يُفضي إلى عدة مشكلات قانونية معقدة: منها صعوبة إثبات صفة الوريث أو إثبات الحصة الدقيقة من الأرض، خاصة بعد مرور أجيال وتعدد الورثة، ونشوء نزاعات بين الإخوة أو أبناء العمومة حول الحدود أو الحصص، وهو ما يؤدي في أحيان كثيرة إلى تعطيل عملية التسوية وخطر ضياع الحقوق التاريخية، في حال تَقدَّم أحد الورثة بطلب لتسجيل الأرض باسمه دون موافقة باقي الورثة، أو دون امتلاكه سندًا قانونيًا يُثبت حصته.
تُحذّر التجربة من مغبة التعامل مع هذه القضايا باستخفاف، خاصة وأن الجهات الرسمية قد تستغل هذه النزاعات لتُقيد الأرض باسم “دولة إسرائيل” على اعتبار أن المالكين لم يثبتوا ملكيتهم بشكل واضح.
ولهذا، يُنصح الورثة دائمًا بـتنظيم الوضع القانوني قبل التوجه للتسوية، من خلال تثبيت الإرث وإبرام اتفاقيات واضحة ومُوقّعة، تجنبًا لنزاعات قد تجرّ القضية إلى المحاكم المركزية وتُفقدهم السيطرة على الأرض.
ثالثًا: التحذير من الخلافات غير الموضوعية ينبغي على أصحاب الأراضي الانتباه إلى أن أي خلافات غير موضوعية – سواء بين الورثة أو الجيران – قد تؤدي إلى فقدان الأرض بالكامل، لأن فتح نزاع في لجان التسوية يعني فتح الباب أمام المحكمة المركزية لتقرير مصير الأرض، وقد يترافق ذلك مع تدخل الدولة والمطالبة بتحويلها إلى ملك عام أو أرض دولة.
لذلك يُنصح بمحاولة حلّ الخلافات بشكل داخلي وعُرفي دون اللجوء إلى الإجراءات الرسمية قدر الإمكان، حفاظًا على الأرض ومنعًا لتكريس السيطرة الإسرائيلية عليها.
رابعًا: دراسة حالة – قرية:
تُعد قرية عين قنية نموذجًا ملموسًا يُظهر تعقيدات مشروع تسجيل الأراضي. فقد واجه العديد من سكانها تحديات تتعلق بإثبات ملكية أراضيهم، خاصةً في ظل غياب وثائق رسمية مُعترف بها. وقد حصلت حالات، تم فيها رفض طلبات تسجيل لأراضٍ زراعية رغم استخدامها المتواصل لعقود.
هذه العملية قد تهدف إلى عرقلة أي محاولة للحفاظ على ملكية الأرض، عبر فرض تعقيدات قانونية وإجرائية تُصعّب مهمة التسجيل.
إن مشروع تسجيل الأراضي في الجولان لا يمكن قراءته كمجرد إجراء تنظيمي، بل هو أداة سياسية خطيرة تهدف إلى إعادة تشكيل ملكية الأرض بما يتوافق مع الرؤية الإسرائيلية. من هنا، تبرز أهمية التوعية، والحذر، وتوحيد الصفوف محليًا لمواجهة هذه المخاطر، واللجوء إلى الأطر العرفية كلما أمكن ذلك لحماية الأرض من المصادرة.
من العام الى الخاص
منذ احتلال إسرائيل لهضبة الجولان عام 1967، بدأت مرحلة طويلة من السياسات الممنهجة التي استهدفت الأرض والهوية، كان أبرزها قضية تسجيل الأراضي (التطويب) ونقل الملكيات، وهي قضية مركبة تتداخل فيها الأبعاد القانونية، السياسية، والإدارية. هذا المقال يستعرض المراحل التاريخية والإجرائية التي مرت بها سياسة تسجيل الأراضي في الجولان، ويركز على آثارها الخطيرة على السكان الأصليين مع التركيز على الإشكاليات القانونية وإثبات ملكية الأراضي في لجان التسوية.
تمهيد
- بعد احتلال هضبة الجولان عام 1967 من قبل دولة إسرائيل، فُرض مباشرة على المنطقة نظام حكم عسكري استمر حتى عام 1981، حين أقر الكنيست الإسرائيلي “قانون هضبة الجولان”. نص هذا القانون في فقرته الأولى على تطبيق القانون الإسرائيلي وولايته القضائية والإدارية على الهضبة، وفي فقرته الثانية أقر بدء تنفيذ القانون من تاريخ إقراره، وترك للوزراء المختصين إصدار الأوامر التنفيذية وفقًا للقانون.
- بموجب هذا القانون، تم إنهاء الحكم العسكري الذي استمر منذ الاحتلال، وأدى ذلك إلى احتجاج واسع من سكان القرى الخمس المتبقية في شمال الجولان (مجدل شمس، بقعاثا، مسعدة، عين قنية، والغجر)، حيث أعلنوا إضرابًا عامًا في 14 شباط 1982 دام ستة أشهر، شلّ الحياة اليومية كليًا، رفضًا للضم الإسرائيلي وفرض الهوية الإسرائيلية.
بنية الملكية قبل الاحتلال.
- قبل الاحتلال، كانت ملكية الأراضي في الجولان مسجلة في السجلات السورية، وبعضها في سجلات الانتداب الفرنسي، والبعض الآخر في سجلات الطابو العثماني. بعد الاحتلال، شكّل الحاكم العسكري ما سُمّي بـ”وحدة أراضي إسرائيل ” التي بدأت بمسح الأراضي التابعة للدولة السورية، ثم الأراضي التي تعود ملكيتها لأشخاص هُجّروا. هذه الأراضي عُرفت بـ”الأموال المتروكة” وسُجلت كأراضي دولة. أما أراضي السكان الذين بقوا، فلم تُمسح آنذاك وترك التعامل بها للأهالي.
بدء التسجيل الرسمي – المرحلة الأولى (1983–1992):
- في عام 1983، أصدر وزير العدل أمرًا إداريًا بالبدء بتسجيل الأراضي في دائرة الطابو الإسرائيلية. وبدأ التسجيل فعليًا في المناطق غير المأهولة والبعيدة عن القرى. في عام 1987 اقتربت عمليات التسجيل من حدود قرية عين قنية، وتحديدًا في الكتل التسجيلية 202005 ، 202004 (منطقة المحامص والشقيِّف) جنوب القرية،والكتل التسجيلية 203008، 203009، 203010 ، 203011 ، 203014، 203015 من منطقة الوطى/بانياس شمال غربي وغرب قرية عين قنية وصولا لمنطة حواريث شمال شرقي وشرق القرية مرورا بمنطقة الغبرة و عين الريحان و المغاريق شمال القرية، وهي أراضٍ يملكه جزءًا كبيراً منها مزارعون من قرية عين قنية.

- حدث انقسام بين الأهالي: بعضهم قرر تقديم الوثائق، فحصل على أرقام قسائم مثبتة في الطابو. لكن الأغلبية رفضوا التعاون، ما أدى إلى تسجيل أراضيهم على اسم الدولة، دون إمكانية تصحيح الوضع بأثر رجعي.
توقف التسجيل (1992) وبداية مفاوضات مدريد
- في عام 1992 توقفت عمليات التسجيل، بسبب المناخ السياسي آنذاك – تحديدًا مباحثات السلام التي بدأت في مدريد عام 1990. نتيجة لذلك، لم يتابع السكان الطعون أو التصحيح، وبعد مرور 15 عامًا، اعتُبرت قرارات اللجان نهائية بموجب القانون الإسرائيلي، وبدأت الدولة بطرد عدد من السكان من أراضيهم، بعد أن سُجلت رسميًا باسمها. حيث قدمت الدولة بين عامي 2006-2008 عشرات الدعاوى لإخلاء أراضيهم بحجة الاعتداء على أراضي الدولة (الأراضي التي سجلت على اسم الدولة قيل اكثر من 15 عاما). الدعاوى التي خسرها الأراضي وربحتها الدولة وتم طرد الأهالي من أراضيهم . على سبيل المثال لا الحصرملف
ת”א 28482-07-18 دعبوس ضد دائرة أراضي إسرائيل(مركزية الناصرة) والاستئناف الذي قدم ע”א 8237/19 دعبوس ضد دولة إسرائيل (المحكمة العليا)
استئناف التسجيل – المرحلة الثانية (2017 – اليوم)
- بداية، بدأت لجان التسجيل بعمليات مسح وتسجيل اراضي في مناطق مفتوحة لا توجد عليها ملكية خاصة، وبدأت بالاقتراب أكثرفأكثر باتجاه أراضي سكان قرية عين قنية. فعلى سبيل المثال، بين السنوات 2010 لـ 2017 قامت بمسح وتسجيل جزء من أراضي الحوشبة (كتل رقم 203023-203026) التي شملت أراضي وقف عين قنية، حيث ثبتت المحكمة المركزية ملكية الوقف على الأراضي بقرار حكم لصالح الوقف . ومن ثم استأنفت الدولة على هذا القرار للمحكمة العليا ولم يتم الفصل بهذا الاستئناف حتى يومنا هذا.
ת”א 6093-11-18 , ת”א 6983-11-18 , ת”א 6926-11-18 , ת”א 6889-11-18 وقف عين قنية ضد دائرة أراضي إسرائيل(مركزية الناصرة) .
- في نهاية عام 2017 وبداية عام 2018، عادت الدولة لتستأنف عمليات التسجيل بعد انقطاع دام 25 عامًا. بدأت هذه المرحلة في أراضي عين قنية، حيث قُسمت إلى 25 كتلة تسجيلية جديدة برقم تسلسلي من 203032 إلى 203055. نُشرت الدعوات في الصحف والأماكن العامة، ما أثار جدلًا وخوفًا لدى السكان. لم يعرف كثير منهم كيف يتصرف، بين الخوف من فقدان الأرض أو عدم القدرة على إثبات الملكية.

- لم تكن ردود الفعل موحدة، فالبعض تعاون، والبعض استمر في الرفض. حتى اليوم، كثير من الأهالي لا يعون خطورة الموقف، ولا يتصرفون بالشكل المطلوب لحماية ملكيتهم، مما يستدعي تنبيهًا وتحذيرًا جديًا.
- ما زالت عمليات التسوية قائمة في أراضي قرية عين قنية حيث تم انتهاء العمل ب 7 من اصل 25 كتلة تسجيلية المذكورين أعلاه.
توسيع نطاق عملية التسوية ليشمل أراضي مسعدة – بركة رام ومجدل شمس:
- لجان التسوية، باشرت بعملية مسح واعطاء أرقام كتل التسوية لمنطقة بركة رام حيث قامت بتقسيم كل الأراضي المحيطة ببركة رام لكتل تسوية واعطائها ارقام كتل من 203165-203177 كما وقام مساحون بمسح الأراضي الموجودة بالكتل 203167 و 203168 كما هوموضح في الصورة المرفقة.

- كما باشرت لجان التسوية، بعملية مسح واعطاء أرقام كتل التسوية لمنطقة المغاريق والمنطقة الصناعية ومنطقة الشميس في مجدل شمس حيث قامت بتقسيم كل الأراضي في تلك المناطق لكتل تسوية واعطائها ارقام كتل من 203060-203083 كما هوموضح في الصورة المرفقة

تنويه:
- التسوية والتسجيل ليست مجرد إجراء شكلي، بل ترتّب نتائج قانونية تمس جوهر الملكية. من لا يشارك أو لا يقدّم أوراقه في الوقت المناسب قد يخسر أرضه نهائيًا. النزاعات العائلية أو على الحدود يجب حلها وديًا قبل الوصول إلى لجان التسجيل أو المحاكم، حيث تتدخل الدولة وتُعرض الأرض للخسارة الكاملة. من الضروري وعي السكان بهذه الحقائق، والتعامل مع التسجيل كأولوية قصوى لحماية ما تبقى من حقوقهم في أراضي الجولان.
الإشكاليات القانونية وإثبات ملكية الأراضي
في لجان التسوية في إسرائيل
مقدمة:
تعد قضايا ملكية الأراضي من أكثر القضايا تعقيدًا في المجتمع العربي ، لا سيما في المناطق التي لم تُسجل فيها الأراضي ضمن سجل الطابو الرسمي. ومع مباشرة لجان تسوية الأراضي أعمالها في عدد من المناطق، برزت الحاجة لتوضيح المراحل القانونية، والإشكاليات التي يواجهها المواطنون في إثبات ملكيتهم للأراضي، بالإضافة إلى تحذيرات مهمة تتعلق بغياب المتابعة والحضور خلال تلك المراحل.
أولًا: مراحل عملية التسوية
1. المرحلة الأولى – المسح وتحديد القسائم:
تبدأ العملية بقيام دائرة المساحة بتحديد الكتل التسجيلية، ويتم إعطاء كل قطعة أرض رقم قسيمة عند مسحها. يُطلب من السكان التواجد بجانب أراضيهم في الموعد المعلن في الصحيفة الرسمية، وذلك لتمكين المساح من قياس الأرض وتسجيل اسم صاحبها بجانب رقم القسيمة. عدم الحضور في هذه المرحلة يُعد خطيرًا، لأن الأرض غير الممسوحة أو التي لا يُربط بها رقم القسيمة واسم مالك ستعتبر قانونًا “أرضًا لا يملكها أحد”، وبالتالي تتحول ملكيتها إلى الدولة.
2. المرحلة الثانية – تثبيت الحدود:
يعود موظفو دائرة تسجيل الأراضي إلى الموقع، ويُطلب مجددًا من أصحاب الأراضي التواجد لتثبيت الحدود التي تم مسحها. تُمنح الفرصة للجيران لحل أي خلاف بسيط في الحدود ميدانيًا قبل تثبيت المساحة نهائيًا.
3. المرحلة الثالثة – تقديم الدعوى:
يتم استدعاء أصحاب القسائم التي تم مسحها إلى مكتب دائرة التسجيل لتقديم دعاواهم بملكية الأرض. عليهم إرفاق المستندات القانونية التي تثبت الملكية، مثل حصر الإرث أو سندات شراء أو وثائق رسمية أخرى.
4. المرحلة الرابعة – دعوة لسماع لائحة القضايا:
في هذه المرحلة، تُعلن لائحة القضايا ويُطلب من أصحاب القسائم الحضور لسماع أسماء المتقدمين بدعاوى الملكية على القسائم المحددة، وفقًا للأرقام والمستندات.
5. المرحلة الخامسة – البت في الدعاوى:
يتم استدعاء أصحاب القسائم للمثول أمام موظف التسجيل الذي يبدأ بالنظر في الدعاوى. تُعرض الأدلة، وقد تسجل الأرض باسم المواطن أو باسم الدولة. وفي حالات الادعاء المزدوج – وغالبًا ما يكون الطرف الثاني هو الدولة – تُحال القضية إلى المحكمة المركزية ذات الصلاحية للبت بقضايا التسوية.
6. المرحلة السادسة – قراءة لوائح الحقوق:
بعد انتهاء النظر في القضايا، تُقرأ لوائح الحقوق، وتُسجل الأراضي في سجل العقارات (الطابو).
ثانيًا: أهمية الحضور والمتابعة في جميع المراحل
عدم الحضور في أي من المراحل قد يؤدي إلى خسارة حق الملكية. فالشخص الذي لم يُسجل اسمه في البداية لن يُدعى إلى المراحل التالية. وإن أراد لاحقًا تصحيح الوضع، فعليه استئجار مساح خاص وتقديم طلب لإضافة مسح جديد، ما قد يستغرق وقتًا طويلًا، ولا يُضمن نجاحه.
ثالثًا: تحذير بشأن النزاعات الخاصة
يُنصح بشدة بعدم إدخال الخلافات على الحدود أو بين الورثة ضمن إطار لجان التسوية، بل حلها وديًا خارج المسار الرسمي. فكل قضية تصل إلى المحكمة، حتى لو كان طرفاها مواطنين، قد تتحول إلى قضية بين المواطن والدولة، وقد تتدخل الدولة طرفًا فيها.
رابعًا: عبء الإثبات على المواطن
إذا وصلت القضية إلى المحكمة، يكون عبء الإثبات كاملاً على المواطن.كما سنوضح لاحقاً ، لذا، من الضروري أن تكون جميع المستندات جاهزة ومقدّمة في وقتها. أي تهاون في هذا الأمر قد يؤدي إلى فقدان الأرض.
يُظهر هذا العرض أن عملية تسوية الأراضي في إسرائيل ليست مجرد إجراء بيروقراطي، بل معركة قانونية حقيقية تتطلب معرفة دقيقة ومتابعة حثيثة. على المواطنين الاستعداد الجيد وتوثيق ملكيتهم، وحضور جميع المراحل، وتجنب النزاعات القانونية غير الضرورية. فالأرض التي تُهمل في هذه المراحل، قد لا تُسترجع لاحقًا.
الإشكاليات القانونية في إثبات ملكية الأراضي في المحاكم الإسرائيلية بقضايا التسوية
المحاكم الإسرائيلية تُتيح تملّك الأراضي وفق القانون العثماني بطريقتين رئيسيتين:
أ. التخصيص الرسمي من قبل السلطة الحاكمة (ويُثبت غالبًا بمستند “كوشان” مختوم بختم السلطان أو ممثل الدولة).
ب. الحيازة الطويلة والاستغلال الزراعي، كما نصّت عليه المادة 78 من قانون الأراضي العثماني، والتي تسمح باكتساب الملكية بعد مرور 15 عامًا من الحيازة الفعلية والمعالجة الزراعية المستمرة.
- الخلفية القانونية: الأرض “الميري” والحيازة وفق القانون العثماني
وفقًا للمادة 3 من قانون الأراضي العثماني، فإن الأراضي من نوع “ميري” كانت تُعتبر ملكًا للدولة (بيت المال)، وكانت تُمنح للأفراد حق الانتفاع والاستخدام دون نقل الملكية الكاملة إليهم. وقد أُتيح تملّك هذه الأراضي بطريقتين رئيسيتين وفق القانون العثماني:
أ. التخصيص الرسمي من قبل السلطة الحاكمة (ويُثبت غالبًا بمستند “كوشان” مختوم بختم السلطان أو ممثل الدولة).
ب. الحيازة الطويلة والاستغلال الزراعي، كما نصّت عليه المادة 78 من قانون الأراضي العثماني، والتي تسمح باكتساب الملكية بعد مرور 10 سنوات الحيازة الفعلية والمعالجة الزراعية المستمرة. - إثبات الملكية عبر “سلسلة الحقوق” والتخصيص الرسمي
بحسب السوابق القضائية يستند إثبات ملكية الأرض في إسرائيل إلى القاعدة التالية: “لا يمكن لأحد أن ينقل أكثر مما يملك.” بالتالي، يجب تتبع سلسلة التخصيصات التي تبدأ بتخصيص رسمي من الدولة، وإذا انقطعت هذه السلسلة، تصبح جميع عمليات البيع أو التناقل اللاحقة غير شرعية، حتى لو استمرت الحيازة عقودًا.
ويُشترط أن يكون أول الحائزين قد حصلوا على الأرض بتخصيص رسمي، ثم تنتقل الملكية بشكل قانوني من شخص لآخر. وفي غياب التخصيص، تُعدّ السلسلة باطلة.
ما هي “سلسلة الحقوق” (שרשרת הזכויות):
لفهم من يملك الأرض، يجب تتبّع تسلسل ملكيتها من الحائز الحالي إلى المصدر الأصلي للملكية ( عادةً الدولة أو التخصيص الأول). أي انقطاع في هذه السلسلة – كأن يتم نقل الأرض دون وجود تخصيص رسمي أو دون أن يكون البائع يملك فعلاً – يجعل كامل السلسلة باطلة من الناحية القانونية.
في الجولان:
معظم الأراضي لم يتم تخصيصها رسميًا من قبل الدولة العثمانية بشكل معترف به إسرائيليًا. السكان يتوارثون الأرض أو يتعاملون بها بناءً على أعراف محلية أو عقود عرفية دون سند طابو رسمي.من وجهة نظر القانون الإسرائيلي، هذه السلسلة لا تبدأ من تخصيص صحيح، وبالتالي تعتبر غير قادرة على توليد ملكية قانونية.
النتيجة القانونية الخطيرة:
- كل من يدّعي ملكية أرض دون سند رسمي يُطلب منه إثبات أن كل من سبقوه في السلسلة كانوا يملكون بشكل قانوني – وهو أمر شبه مستحيل في ظل غياب الكواشين أو الطابو العثماني.
- تُعتبر السلسلة غير صالحة إذا ثبت أن أحد الحلقات (المالكين السابقين) لم يكن يملك حقًا حقيقيًا في الأرض.
- هذا يُمكّن الدولة من اعتبار الأرض “بلا مالك” وتسجيلها باسمها.
تُستخدم هذه القاعدة لتبرير رفض تسجيل أراضٍ باسم السكان العرب في الجولان، حتى لو حازوها واستغلوها لعقود. فهي تنقل عبء الإثبات الكامل على المدعي، وتتطلب منه تقديم تسلسل ملكية قانوني متكامل منذ التخصيص الرسمي الأول – وهو عبء لا يستطيع أغلب أصحاب الأراضي تحمله.
- التحوّلات القانونية بعد قيام الدولة وتضييق المادة 78
مع دخول قانون الأراضي الإسرائيلي حيّز التنفيذ عام 1960، وتحديدًا وفق المادة 153، أصبحت أراضي الميري قابلة للتحويل إلى ملكية خاصة. غير أن الاجتهاد القضائي الإسرائيلي، وخاصة بعد صدور قانون أساس: أراضي إسرائيل عام 1960، بدأ بتضييق نطاق تطبيق المادة 78، وتمّ حصر فرص اكتساب الملكية بموجب الحيازة فقط في الحالات التي اكتملت شروطها قبل سنّ القانون.
ومع ذلك، وفيما يخص أراضي الجولان، فإن قانون الأساس لم يُطبق إلا بعد قرار الضم عام 1981، ما أتاح نظريًا، ولفترة محدودة، إمكانية اكتساب الملكية من خلال الحيازة الفعلية حتى ذلك التاريخ. - ע”א 8117/14 عبدالولي حسين ضد إدارة أراضي إسرائيل
في هذه القضية، تطرقت المحكمة العليا الإسرائيلية إلى التمييز الجوهري بين نوعين من التقادم:
التقادم المكسب للملكية (المادة 78): الذي يُمكّن من اكتساب ملكية الأرض نتيجة الحيازة الفعلية والاستغلال الزراعي الطويل.
التقادم الواقي (قانون التقادم المدني): الذي يمنح الحائز حماية من دعاوى الإخلاء، دون أن يُكسبه حق ملكية.
وقد أكدت المحكمة أن المادة 78 تُشكّل نظامًا استثنائيًا لا يُطبق إلا في ظروف محددة، وقد تمّ تقييده في قضية “شِبلي” عام 1992 بحيث لا يمكن بموجبه اكتساب ملكية على أراضي الدولة إلا إذا اكتملت الحيازة قبل عام 1960، باستثناء مناطق مثل الجولان، حيث بقيت المادة فعالة حتى عام 1981.
ولقبول الدعوى، فرضت المحكمة العليا الشروط التالية: - حيازة سلمية ومستمرة للأرض.
- زراعة فعلية لما لا يقل عن 50% من مساحة الأرض.
- استمرار الحيازة لمدة 15 عامًا على الأقل، على أن تنتهي قبل عام 1981.
- الآثار على سكان الجولان وواقع التسجيل في الطابو الإسرائيلي
بالنظر إلى هذا الإطار القانوني، فإن التسجيل في الطابو الإسرائيلي لأراضي الجولان يُواجه عدة إشكاليات عميقة:
- غالبية السكان العرب في الجولان لا يملكون وثائق تخصيص رسمية من الدولة، لأن التخصيص العثماني لم يُستكمل إداريًا، ولا يوجد طابو عثماني أو سوري مُعترف به في السجلات الإسرائيلية.
- الحيازة الطويلة والموروثة، رغم وضوحها من الناحية الواقعية، لا تُعدّ كافية ما لم تستوفِ شروط المادة 78 وتنتهي قبل عام 1981.
- تسعى الدولة، من خلال لجان التسوية وتسجيل الأراضي، إلى نقل ملكية مساحات واسعة من الأراضي إلى اسم “دولة إسرائيل”، باعتبارها أراضي بلا مالك شرعي وفق المنظور القانوني الإسرائيلي.
- في المحاكم، يُفرض على أصحاب الأراضي عبء إثبات شبه مستحيل:
إما إثبات تخصيص رسمي غير موجود، أو إثبات حيازة طويلة بشروط دقيقة، وبتوفر وثائق وشهادات غالبًا ما تكون مفقودة أو صعبة الإثبات.
- دور المحامين وخبراء الأراضي في دعم السكان
في ظل هذا التعقيد القانوني، يبرز الدور الحاسم للمحامين وخبراء الأراضي في الدفاع عن حقوق السكان. ففهم القواعد القانونية الدقيقة، وتحليل سلسلة الحقوق، والتعامل مع الجهات الرسمية، يتطلب خبرة تقنية ومعرفة متخصصة لا تتوفر دومًا لدى الأفراد.
يمكن للمحامين المتخصصين أن يقدموا الدعم في بناء ملف إثبات الملكية بطريقة منهجية، وتقديم الاعتراضات القانونية باسم الأهالي، ورفع دعاوى تستند إلى السوابق القضائية المتاحة. أما خبراء الأراضي، فيمكنهم تقديم الخرائط والشهادات الفنية التي تدعم ادعاءات الحيازة والزراعة المستمرة.
كما أن وجود طاقم مهني مرافق للسكان في مراحل التسوية، يُقلل من فرص وقوع أخطاء إجرائية، ويُعزز من قدرة السكان على مقاومة نزع الملكية، سواء من خلال المسار القضائي أو عبر التحرك المجتمعي المدعوم قانونيً. وخيراً فعلو أهالي قرية عين قنية بقيامهم بتشكيل لجنة متابعة من خيرة شباب وشيوخ القرية ممثلة كامل سكان القرية لمتابعة عملية التسوية ولاستدراك الأخطاء التي وقع فيها المزارعون نتيجة عدم معرفتهم بكيفية متابعة حقوقهم.
الخلاصة:
يتضح أن النظام القانوني الإسرائيلي يُحوّل عبء الإثبات في دعاوى ملكية الأراضي إلى عبء ثقيل ومعقّد، خاصة في المناطق المحتلة كالجولان. ففي غياب الطابو الرسمي، تُصبح الحيازة غير محمية، والدولة تتحول إلى خصم وحكم في الوقت ذاته.
ويُشكل قرار المحكمة في قضية ע”א 8117/14 عبدالولي ضد إدارة أراضي إسرائيل، سابقة قضائية يُمكن استغلالها لإثبات حقوق بعض المالكين الذين يُمكنهم إثبات حيازة طويلة قبل عام 1981. لكنه في الوقت ذاته، يضيق دائرة الأمل أمام المالكين الفعليين الذين لا يملكون وسائل إثبات رسمية.
إن تسجيل الأراضي في الطابو الإسرائيلي ليس عملية توثيق محايدة، بل هو إجراء قانوني سياسي يؤدي فعليًا إلى نزع الملكية التدريجي من السكان الأصليين، تحت غطاء قانوني معقّد ومتحوّل.
إن السياق القانوني لتسجيل الأراضي في الجولان ليس سوى مرآة تعكس البنية السياسية والسيادية للصراع، وهو ما يجعل من قضية الأرض محورًا للنضال القانوني والوطني في آن.
إن فهم السياق القانوني لملكية الأرض يُسلّط الضوء أيضًا على أبعاد النضال الشعبي في الجولان، وخاصة ضد مشروع المراوح (توربينات الطاقة) الذي يُعدّ في جوهره مشروعًا استيطانيًا جديدًا بغطاء بيئي واقتصادي. فكما أن التسجيل في الطابو يؤدي إلى تجريد السكان من أراضيهم بوسائل قانونية، فإن مشاريع المراوح تؤدي إلى السيطرة الفعلية على المساحات الزراعية التي هي مصدر الحياة والمعيشة لسكان الجولان. وتزداد خطورة هذه المشاريع حين تتقاطع مع سياسات تضييق الخناق على القرى والمزارعين من خلال فرض خرائط سلطات حماية الطبيعة وسلطة الآثار، التي تُحوّل مناطق واسعة إلى “محميات طبيعية” أو “مناطق أثرية”، مما يمنع البناء أو الزراعة أو حتى الدخول إليها، ويُساهم فعليًا في خنق الحيز الحيوي المتاح للسكان الأصليين.
هذه المشاريع، التي تُقام غالبًا على أراضٍ تُعتبر موضع نزاع ملكية، تستفيد من واقع غياب التوثيق الرسمي، ومن فرض الدولة سلطتها عبر الطابو أو الادعاء بملكية الدولة للأرض. وكما في حالة الطابو، فإن الدولة تستند إلى غياب التخصيص أو الطابو الرسمي لتبرير نزع الأرض، في حين يُقصى السكان من إمكانية إثبات ملكيتهم القائمة على الحيازة التاريخية الممتدة.
إن النضال ضد مشروع المراوح ليس فقط نضالًا بيئيًا، بل هو أيضًا نضال قانوني وحقوقي يتعلق بحق السكان في الأرض، وفي الحفاظ على نمط حياتهم، وفي مواجهة ما يمكن تسميته بـ”الاستيطان البيئي” الذي يلبس لبوس الطاقة المتجددة، لكنه يُعيد إنتاج ذات أنماط الإقصاء والسيطرة التي طالما عانى منها أهالي الجولان.
لذلك، لا بد من تحصين الحقوق التاريخية بالحيازة، والدفع نحو الاعتراف بها كإثبات مكافئ للتخصيص الرسمي، خاصة في السياقات الاستعمارية والاحتلالية التي حالت دون التمليك الرسمي العادل.
المحامي رأفت منذر
تحية حب وتقدير للأخ رأفت منذر على هذا الشرح ، وحبذا لو يتم عقد اجتماعات عامه للتوعية الناس من المخاطر المستقبليه وارشادهم للطريق السليم