أعلن الجيش الروسي أمس بدء تنفيذ «عمليات إنسانية» في سورية لمساعدة المدنيين في بلدات استعادتها القوات الحكومية، فيما أكد ناشطون أن طائرة شحن عسكرية ألقت فعلاً مساعدات بالمظلات على أحياء في مدينة دير الزور يحاصرها تنظيم «داعش» في شرق البلاد. وجاء التدخل «الإنساني» الروسي فيما أرسلت هيئات طبية في شكل عاجل عيادة نقالة إلى بلدة مضايا التي يحاصرها النظام في ريف دمشق والتي تحولت رمزاً لمعاناة المدنيين في سورية، وذلك غداة تأكيد منظمة «يونيسف» أن طفلاً يعاني من سوء التغذية وتحوّل إلى ما يُشبه الهيكل العظمي توفي الخميس أمام مندوبيها في البلدة بدون أن يكون في مقدروهم فعل شيء لإنقاذه.
في غضون ذلك، علمت «الحياة» من مصدر فرنسي مطلع على الملف السوري، أن مفاوضات جنيف التي كان من المقرر أن تبدأ في 25 كانون الثاني (يناير) الجاري باتت في حكم المؤجلة، إلا إذا تم إيجاد صيغ ما لتجاوز العقبات الكثيرة التي تعترض بدء المفاوضات بين النظام والمعارضة. وجاءت هذه المعلومات في أعقاب اجتماع المديرين السياسيين للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن ومبعوثي الدول الأوروبية لسورية مع مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا، الذي اعتبر أن موعد مفاوضات جنيف في 25 الجاري «مؤجل» لأنه لا يمكن الدخول في مفاوضات إذا كانت «ستفشل بعد ٢٤ ساعة» من بدئها.
في غضون ذلك، من المقرر أن يقدم دي ميستورا الإثنين إحاطة الى مجلس الأمن «ليطلب فيها دعم المجلس التوصل الى إجراءات بناء ثقة» بين الأطراف السوريين «قبل انطلاق مفاوضات جنيف». وهو يسعى إلى تحقيق «خرق ميداني» في إيصال المساعدات الإنسانية الى المناطق المحاصرة، انطلاقاً من تجربة البلدات الثلاث، مضايا وكفريا والفوعة، «ضمن إطار أوسع من إجراءات بناء الثقة» التي أعد ورقة في شأنها وطرحها على الأطراف المعنيين.
ولم يكن واضحاً حتى مساء أمس «المدى والحجم» الذي سيبلغه تساهل الحكومة السورية والميليشيات المقاتلة في فلكها، والمجموعات المعارضة، في إيصال المساعدات، إلا أن دي ميستورا، مدعوماً من اتصالات مكثفة يساهم فيها وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية جيفري فلتمان، «سيتمكن من تحقيق خرق ذي معنى» في السياق الإنساني «قبل انطلاق المفاوضات بين الأطراف السوريين» في جنيف، وفق مصادر ديبلوماسية مطلعة.
وتُرجم دور فلتمان في دعم توجه دي ميستورا لتحقيق «اختراق إنساني» في التصريح القوي للأمين العام للأم المتحدة بان كي مون الخميس، الذي وجّه إصبع الاتهام بالأسماء الى مرتكبي «جرائم الحرب»، وفق ديبلوماسيين. وقال بان إن «استخدام الطعام سلاحاً للحرب هو جريمة حرب، وكل الأطراف، بمن فيهم الحكومة السورية التي تتحمل المسؤولية الرئيسية عن حماية السوريين، يرتكبون هذه الجريمة وأفعالاً أخرى محظورة بموجب القانون الدولي الإنساني».
وكان منتظراً أن يعقد مجلس الأمن مساء أمس جلسة للاطلاع على الوضع الإنساني في مضايا وكفريا والفوعة، بطلب من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، «تأكيداً على الإصرار على ألا تكون المساعدات التي دخلت حتى الآن سوى بداية لآلية رفع الحصار عن المدنيين، يجب أن تستمر»، وفق ديبلوماسي معني.
وأعد دي ميستورا بالتعاون مع فريق عمل فلتمان ٣ أوراق إنسانية وعسكرية وسياسية حتى الآن «لتطرح في أجندة المفاوضات» المرتقبة بين الأطراف السوريين توزعت بين «المساعدات الإنسانية، ووقف إطلاق النار وخياراته وآلية مراقبته، وكيفية إجراء الانتخابات».
وتوقع ديبلوماسي مطلع على الاستعدادات للمفاوضات بين السوريين أن «تبقى مسألة تحديد المجموعات الإرهابية عالقة بسبب تشابك مواقف الدول ذات النفوذ وتضاربها».
ورُجح سيناريو إعلان «المجموعة الدولية لدعم سورية» لائحة «أولية» من عدد صغير من المجموعات الإرهابية المتوافق على تصنيفها إرهابية «على أن ترفق ببند ملزم يقضي بإدراج المنظمات التي لا تلتزم بوقف إطلاق النار ضمن هذه اللائحة بشكل مرحلي». كما توقع ديبلوماسيون أن «تُلزم المجموعات المتحاربة النأي بنفسها عن تنظيم داعش وجبهة النصرة والمجموعات المرتبطة بتنظيم القاعدة» لتجنب إدراجها في لائحة التنظيمات الإرهابية.
ووجهت الحكومة السورية أمس رسالة الى مجلس الأمن أكدت فيها «استمرارها في القيام بواجباتها تجاه مواطنيها والعمل الإنساني، وتعاونها وتنسيقها مع منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في تعزيز العمل الإنساني وإيصال المساعدات الغذائية والطبية الى كل المواطنين السوريين».