الحفاظ على صحة الأطفال يبدأ بإخضاعهم للفحص الطبي الدوري الذي يعتبر أهم خطوة يجب على الأهل التقيد بها للتأكد من سلامة الطفل ونموه، وكذلك من أجل اكتشاف الأمراض باكراً وعلاجها. ففي ظل انتشار الأمراض القلبية، من الضروري الكشف على قلوب الأطفال، في مختلف مراحل أعمارهم، لرصد هذه الأمراض ووضع أفضل وسائل العلاج لها.
يبدأ مشوار الحفاظ على سلامة قلب الطفل منذ الحياة الجنينية، بالطلب من الأم الحامل أن تجري فحصاً بالسونار (الأمواج فوق الصوتية) للجنين داخل الرحم بحثاً عن أي عيوب خلقية في قلبه، وبالتالي تقديم العون الطبي له، إذا دعت الضرورة، حتى وإن كان لا يزال يسبح في أحشاء أمه، لضمان نمو جيد له، بحيث يتحمل المداخلات العلاجية مستقبلاً.
وعلى الأم أن تحمل رضيعها لزيارة طبيب الأطفال في فواصل زمنية محددة في السنة الأولى من عمره، لكشف أي مؤشرات قد تكون الخطوة الأولى لتشخيص إصابة قلبية غير معروفة أو غير واضحة.
واعتباراً من السنة الثالثة من العمر، يجب قياس أرقام الضغط الشرياني عند الطفل في شكل دوري، فهذا الإجراء البسيط بحد ذاته قد يكشف عن مرض قلبي خطير قابل للعلاج، قبل أن تتفاقم الأمور لتسبب تضخماً في القلب يمكن أن يؤثر على وظيفته.
وحبذا لو جرى في سن الدراسة إلقاء نظرة خاطفة على شحوم الدم عند الأطفال، ولو لمرة واحدة على الأقل كل بضع سنوات، وفي فترات أقل للذين يملكون سوابق عائلية بوجود أمراض قلبية أو الداء السكري أو ارتفاع في ضغط الدم، أو عندما يكون النظام الغذائي في العائلة غير صحي.
أما البدانة فحدث ولا حرج، فعلى الأهل محاصرتها منذ الصغر لأن دراسات كثيرة بينت أنها قد تكون الشرارة التي تشعل لاحقاً أمراضاً عدة، أخطرها أمراض القلب.
وعلى هذا الصعيد، كشفت دراسة ألمانية حديثة أجريت على أطفال سمان بعد تصوير قلوبهم بالأمواج فوق الصوتية الثنائية الأبعاد، ونشرت نتائجها في مجلة الكلية الأميركية للقلب، عن وجود تغيرات سلبية في شكل القلب ووظيفته عند هؤلاء الأطفال، مقارنة بأطفال من أصحاب الأوزان الطبيعية. أيضاً وجد البحاثة أن الأطفال السمان بمعظمهم كانوا يعانون من ارتفاع كبير في أرقام ضغط الدم. وعلاوة على هذا وذاك، سجلت التحاليل الدموية عند الأطفال السمان زيادة في مستوى الكوليسترول الضار، مع انخفاض ملحوظ في مستوى دهون الدم العالية الكثافة (أي الكوليسترول الجيد الواقي للقلب)، مقارنة بالأطفال المعتدلي الوزن.
وأثبتت دراسة علمية أن التغذية غير الصحية تؤثر سلباً على صحة القلب للأطفال. ففي دراسة تحليلية حول تغذية 9000 طفل تراوحت أعمارهم بين 9 و11 عاماً، قارن علماء أميركيون معطيات التاريخ الطبي لأولئك الأطفال، فاكتشفوا أن أقل من 10 في المئة منهم فقط يستهلكون الخضروات والفواكه في صورة منتظمة ضمن وجباتهم الغذائية اليومية، وأن الأكثرية تشرب المياه الغازية المحلاة. وقد خلص العلماء إلى أن الوزن الزائد، وارتفاع أرقام ضغط الدم، وزيادة الكوليسترول في الدم تخلق مشكلات ليست لمصلحة القلب بتاتاً، من هنا يبدأ الإنسان مبكراً المعاناة من مشكلات صحية في القلب.
وتوقعت أحدث دراسة نشرت على موقع دورية طب الأطفال أن أمراض القلب في المستقبل قد تكون أكثر ملازمة للأطفال البدناء. واستند الباحثون من جامعة كارولينا الشمالية إلى هذه الرؤية بعد تحليل بيانات جمعت بين عامي 1999 و2006 لحوالى 16 الف طفل شاركوا في الدراسة تراوحت أعمارهم بين سنة و17 سنة، وقد استطاع العلماء في نهاية دراستهم أن يعثروا على علامات التهابية تحذيرية تزيد من خطر الإصابة بالأمراض القلبية عند الأطفال الذين يعانون من الزيادة في الوزن. وعلق المشرف على الدراسة الباحث أشيرلي كاكريل على النتائج بقوله: «وجدنا علاقة بين زيادة الوزن وارتفاع علامات التهاب في وقت مبكر أكثر مما كنا نتوقع». وأضاف: «على رغم أن الكبار بمعظمهم يفهمون أن زيادة الوزن أو البدانة ليست جيدة بالنسبة إليهم، إلا أن هؤلاء لا يدركون أن أطفالهم الصغار قد يعانون من وضع غير صحي بسبب زيادة الوزن».
قد يسأل سائل: هل إنقاص الوزن مبكراً يمكن أن يساعد في تحسين وضع القلب والدورة الدموية عند الأطفال؟ في الواقع، لا أحد يملك الإجابة على هذا السؤال، لذلك أوصى الباحثون بإجراء المزيد من البحوث للوقوف على الحقيقة.
في المختصر، إن كفاءة القلب وصحة الأوعية الدموية تتدهور في شكل كبير عند وجود السمنة، وعند اتباع سلوكيات غير صحيحة في مرحلة الطفولة، من هنا يجب إلزام الأطفال باتباع خيارات صحية من أجل الحفاظ على صحة القلب والأوعية الدموية في المستقبل.
وقد رصدت البحوث أن الأطفال الذين نجح أهلــهم في جعلهم يتبعون نظاماً غذائيــاً صحياً كانوا الأكثر وقاية من أمراض القلب والأوعية الدموية عند الكبر، ولعل نتائج الدراسة الجديدة التي نشرت في مجلة جمعية القلب الأميركية وشملت 1000 طفل هي الدليل الساطع على أهمية النظام الغذائي الصحي، فقد أظهرت الدراسة أن الأهل الذين اتبعوا مع أولادهم الخيار الغذائي الصحي السليم كانت صحة شرايين أطفالهم أفضل مقارنة بصحة شرايين رفاقهم الذين اتبعوا خياراً عشوائياً على صعيد الحمية.