روبوتات جراحية.. تملك حاسة اللمس

تفوق الروبوتات بصورة روتينية على البشر في القوة والمتانة، ومقدور برمجيات الذكاء الصناعي أن تقود السيارات، وتتغلب على أبطال لعبة الشطرنج، والقيام بالمهام الخطرة أفضل من غيرها.. بيد أنه لا يزال ينقص هذه الآلات عنصر مهم يمنعها من التفوق على جميع القدرات البشرية في أي وقت قريب، ألا وهو حاسة اللمس المتطورة.

لكن لنأخذ في الاعتبار الدكتور نيكولاس بيلفنز، جراح الرأس والرقبة في عيادة جامعة ستانفورد الطبية، الذي يقوم روتينيا بإجراء عمليات الأذن التي تتطلب قيامه بنحت العظم بحذق بالغ، ليبقي فقط على السطح الداخلي برقة غشاء قشرة البيضة.

ويتعاون هذا الجراح مع خبراء تصنيع الروبوتات من أمثال غاي. كينيث سالزبيري، وسوني شان، في تصميم برنامج من شأنه تمكين التدريب على هذه العمليات قبل إجرائها.

ويقوم هذا البرنامج بدمج الأشعة السينية، وبيانات التخطيط والتصوير بالرنين المغناطيسي، لإنتاج نموذج واضح بالأبعاد الثلاثة للأذن الداخلية، مما يتيح للجراحين التدرب على عمليات حفر العظم، بغية النظر داخل جمجمة المريض، وبالتالي الشعور بالاختلافات الدقيقة في الغضروف والعظم والأنسجة الدقيقة. ومع ذلك، وبغض النظر عن مدى دقة هذا البرنامج، فإنه يقدم فقط تشابها تقريبيا للمسة الجراح بيلفنز الحساسة. «وبغية تمكين إجراء عملية جراحية افتراضية، فأنت بحاجة إلى الشعور بحاسة اللمس»، يقول بيلفنز، مشيرا إلى تقنية من شأنها تقليد، أو محاكاة، حاسة اللمس في عمليات المحاكاة الكومبيوترية.

* محاكاة اللمس

ومحدودية البرنامج الكومبيوتري هذا هي التي تضع القيود التي تعرقل عمل الروبوتات التي يعجز الباحثون خلالها عن تصميم آلات تقوم بأعمال يقوم بها البشر بصورة غريزية، فمنذ تصميم أول ذراع روبوتية في مختبر الذكاء الصناعي في جامعة ستانفورد خلال الستينات من القرن الماضي، تعلمت الروبوتات القيام بأعمال متكررة في المصانع، من دون القدرة تماما على فتح الأبواب، أو القيام من الأرض في حال سقوطها، أو سحب قطعة نقدية معدنية من جيب السترة، أو تدوير قلم بين الأصابع.

والعلاقة بين الذكاء الصناعي المتطور جدا، والعجز الطبيعي له اسم، وهو: «مفارقة مورافيك» Moravec’s paradox بعدما قام رائد صنع الروبوتات هانز مورافيك الذي كتب في عام 1988 أنه «من السهل على سبيل المقارنة جعل الكومبيوترات تعرض أداءها الموازي لأداء رجل بالغ، في اختبارات الذكاء، أو ممارسة لعبة الشطرنج، لكن من الصعب أو المستحيل منحها مهارات طفل في العام الأول من عمره، عندما يتعلق الأمر بالإدراك والحركة».

والتقدم الحاصل في علم حاسة اللمس والحركية، والدراسة التي تعنى بحركة الأجسام المتصلة بعضها ببعض، والتحكم بها، أساسية إذا ما رغبنا في أن تتعاون الروبوتات مع البشر في أدوار نأمل بها، كخدمات تقديم الطعام، والتطبيب، والقيام بالأعمال المكتبية، والمساعدة في العناية الصحية. وهذا «قد يستغرق بعض الوقت، وهو أكثر تعقيدا، والبشر جيدون في هذا الأمر، بعد ملايين السنين من التطور»، كما نقلت «نيويورك تايمز» عن كين غولدبيرغ عالم الروبوتات في جامعة كاليفورنيا في بيركلي.

واللمس حاسة أكثر تعقيدا مما يظن الناس. والبشر لديهم مجموعة من الأعضاء التي تسمح لهم بالشعور بالضغط، والقوى المجردة، ودرجات الحرارة، والارتجاجات، بدقة بالغة. ويقول الباحثون إن حاسة اللمس لدينا أكثر تفوقا بأضعاف كبيرة جدا مما كنا نظن. وفي الخريف الماضي أفاد العلماء السويديون في مجلة «نيتشر» بأن لمسة البشر الحيوية، على سبيل المثال، عندما ينزلق الأصبع عبر سطح ما، من شأنها تمييز التعرجات التي لا تعلو أكثر من 13 نانومتر، أو نحو 0.0000005 من البوصة. وبين علماء وظائف الأعضاء أن التفاعل بين الأصبع والسطح الذي يلمسه، يجري التحري عنه عن طريق أعضاء تدعى «المستقبلات الميكانيكية» الموجودة في أعماق مختلفة من الجلد. وبعضها حساس جدا لتغيرات حجم الأجسام وشكلها، وبعضها للارتجاجات والاهتزازات.

إن نسخ مثل هذه الحساسية هو هدف أبحاث اللمس، العلم الذي يلعب دورا متزايدا في وصل عالم الكومبيوتر بالبشر. وأحد الاختراقات المهمة في اللمس هو من إنجاز «ماكو سيرجكال» الشركة التي أسسها عام 2004 عالم الروبوتات روني أبوفيتز الذي قدم عام 2006 روبوتا من شأنه تقديم معلومات دقيقة للجراحين الذين يقومون بإصلاح الركبة التي تضررت بسبب التهاب المفاصل.

* قدرات روبوتية

يقول أبوفيتز: «أعتقد أن علم اللمس أسلوب للجمع بين ذكاء الآلة والذكاء البشري بطريقة تقوم فيها الآلة بما تجيده، بينما البشر يقومون بما يجيدونه أيضا، مما يؤسس لنوع من التكافل، فالجراحون يظلون يملكون إحساسا بالتحكم والسيطرة، بينما كل ما تعلمه الجراح عادة، فضلا عن إرشاداته الذكية، تقوم به الآلة».

وحتى في الأعمال الصناعية التي تعتبر فيها الروبوتات خبراء راسخين، هنالك نوع من الخشية بأنها قد تسبب خطرا على الأشخاص الذين يعملون إلى جانبها. فهي قد تسببت بعشرات من الوفيات والإصابات في أماكن العمل في الولايات المتحدة. وإذا ما جاءت ثورة الروبوتات في يوم ما، فينبغي عليها أن تلبي شروط السلامة وبطريقة غير مكلفة.

وعلاوة على التقدم الضروري للسلامة الأساسية، يركز العلماء على مزيد من النواحي الذكية للمس. ففي العام الماضي، أفاد الباحثون بمعهد جورجيا للتقنيات، في مجلة «ساينس» العلمية أنهم صنعوا حزما من الترانزستورات لقياس التغيرات في الشحنات الكهربائية التي تشير إلى الجهد أو الضغط الميكانيكي. والهدف من وراء ذلك تصميم تطبيقات حساسة للمس، بما فيها الجلد الصناعي للروبوتات وغيرها من الأجهزة.

ويجرى مزيد من البحث المركز على النظر ودوره في عملية اللمس. فنظام «دافينشي إكس آي» للجراحة الذي طورته شركة «إنتيوتتيف سيرجكال» يستخدم الكاميرات الثلاثية الأبعاد العالية التحديد لتمكين الأطباء من القيام بعمليات دقيقة من بعيد، مستخدمين أدوات جراحية صغيرة. وبذلك ركزت الشركة على منح الجراحين إمكانية نظر أفضل، لأن اللمس الضروري للقيام بعمليات على الأنسجة الرخوة، كالأعضاء مثلا، لا يزال ما دون قدرات التقنية المطلوبة. لكن كيرت سالزبيري كبير مهندسي الأبحاث في «إس آر آي إنترناشيونال»، وهو معهد أبحاث غير ربحي، يقول إن الاعتماد على النظر وحده لا يكفي، وإن حاسة اللمس ضرورية جدا عندما لا يوجد لديك نظر، أو رؤية كافية. ويعتقد باحثون آخرون أن التقدم الحاصل في المستشعرات، التي هي على نموذج الجلد البشري، فضلا عن الخوارزميات التي تجمع الرؤية واللمس وعلم الحركيات معا، من شأنها أن تؤدي إلى تحسينات كبيرة في الجيل المقبل من الروبوتات.

وأحد أساليب ذلك، تلك التي يتبعها إدواردو توريس – جارا، الأستاذ المساعد في علم الروبوتات بمعهد واستر التقني في ماساتشوستس الذي عرف بنظرية بديلة وصفها بـ«الروبوتات الحساسة». فقد أوجد نموذجا لحركة روبوتية تبدأ بمعرفة أين تلتقي قدما الروبوت ويداه بالأرض، أو بأي جسم آخر، مستخدما في ذلك الجلد الصناعي الذي يمكنه تحري أي تغيرات في القوى المغناطيسية.

وإذا كان تحسين الأداء اللمسي يتوقف على الحصول على قوة حسابية كومبيوترية كبيرة، فقد تأتي المساعدة من تصميم نظم روبوتية مقرها السحاب الالكتروني، يقوم بتصميمها غولدبيرغ من جامعة كاليفورنيا في بيركلي، التي يمكنها الحصول على معين هائل من القوة الحسابية هذه من الإنترنت. ويقول في هذا الصدد إنه متحمس جدا لفكرة الروبوتات السحابية، «لأنها ترفع قيود القدرة الحسابية ومحدودياتها، التي طالما عانينا منها وأعاقتنا».

+ -
.