“روشميا” لسليم أبو جبل يفوز بجازة مهرجان “ميدفيلم” في روما

المخرج الجولاني سليم أبو جبل
المخرج الجولاني سليم أبو جبل

يتابع فيلم “روشميا” للمخرج الجولاني سليم أبو جبل حصد الجوائز في المهرجانات الدولية، بحصوله على جائزة أفضل فيلم وثائقي في ختام عروض مهرجان “ميدفيلم” في روما، إيطاليا، الأسبوع الماضي.

وكان “روشميا” قد حصد الجائزة الأولى على فئة الأفلام الوثائقية في مهرجان دبي السينمائي الأخير، وحصل أيضاً على جائزة افضل فيلم يعالج قضية الرأي في الدورة الخامسة لمهرجان مالمو للسينما العربية في السويد، والتي أقيمت مطلع هذا الشهر.

600

عن “روشميا”

(بقلم د. أمل الجمل – دبي)

ينتمي “روشميا” الشريط الوثائقي الطويل، 70 ق، للمخرج سليم أبو جبل – من مواليد الجولان 1971 – للإنتاج المشترك فهو فلسطيني إماراتي قطري سوري، كما أن تتر الختام يُشير إلى وجود فريق كبير ممن ساهم في دعمه وتطويره، من بينهم برنامج إنجاز، مؤسسة الدوحة، ودبي فيلم ماركت، وكل من مؤسسة الشاشة بيروت وصندوق آفاق. إلى جانب فريق عمل آخر في برلين، كذلك تمت مرحلة المونتاج النهائية بالقاهرة داخل بلاتوه 84، دون أن ننسى دور ريتشيل ليا جونز كمستشارة للسيناريو.

أمور عدة لافتة في تجربة فيلم “روشميا”، ليس فقط على مستوى جمالياته البصرية والسردية وما غلفّها من شاعرية ولحظات الذروة غير المتوقعة، أو حتى إيقاعه شديد الخصوصية الموسوم بالهدوء حدّ السكون، لكن أيضاً على مستوى التجربة الإنتاجية فقد جاء متشبعاً بروح الجماعة والأخذ برأي الآخر رغم أن مخرجه لعب أدواراً كثيراً فيه بدءاً من التصوير الذي يعترف بأنه كان مدرسة نجح أثناءها في تطوير نفسه، مروراً بكتابة السيناريو النهائي له ووصولاً إلى المونتاج الذي تعلّمه على مدار أربع سنوات ليقوم بنفسه بتلك العملية.

   “روشميا” هو الوادي المنسي في أطراف مدينة حيفا ومن الصعب أن يعرفه أحد أو أن يراه – وفق تصريح المخرج – لأن المدخل إليه من جهة البحر والوصول إليه ليس سهلاً، لكن سليم أبو جبل وصل إليه وتضامن مع شخصياته أبو العبد وزوجته أم سليمان، وكان ضمن حملة إعلامية شارك فيها لأجل المساندة في حل مشكلتهما وتسليط الضوء عليها، لكنه لم يكتفِ بهذا الدور أو بالتقرير الصحفي الذي كتبه عن مأزقهما، فقد ظلّ على تواصله معهما إنسانياً عن طريق التواجد بشكل يومي هناك لمعايشة ظروفهما ومعرفة أدق تفاصيل حياتهما اليومية وما يصير بينهما من جدل أو نقاش أو سخرية، تماماً مثلما تحمّل بصبر، يُحسد عليه، لحظات الصمت الطويلة المثقلة في انتظار ردود أفعالهم المتباينة والتي نادراً ما تحمل جديداً.

   يرصد الشريط حياة يوسف حسان – أبو العبد – الشخصية الرئيسية في الفيلم، البالغ من العمر 80 عاماً، الذي يعيش في براكية – أي بيت من الصفيح – منذ عام 1956 بعد لجوئه من حي وادي الصليب إثر نكبة عام 1948 مع زوجته آمنة اللاجئة هي أيضًا من قرية ياسور. هناك تسير الحياة، التي تبدو وكأنها متأخرة مائة عام عن الزمن الحاضر، بشكل شبه طبيعي في الوادي رغم أن بلدية حيفا لا تقدم لسكانها أية خدمات، فيعيشان من دون ماء أو كهرباء أو شبكة هاتف وكأن البلدية لا تعترف بهما. بيت الرجل وزوجته يحيط به جدران الوادي من الجهتين وكأن هذه البراكية القابعة في قعر الوادي تحمل دلالة رمزية موجعة وكأنها قعر العالم الذي أصبح المكان والمأوى الوحيد للفقراء.
تظل الأمور سائرة على منوالها في الوادي المهجور منذ بداية ثمانينات القرن الماضي حيث كان وادي روشميا منطقة مأهولة حتى ذلك الحين إلى أن هجره الجميع باستثناء يوسف حسان وزوجته اللذان أصرّا على البقاء ورفضا الخروج رغم انعدام سبل المعيشة، مفضلِّين مواصلة الحياة في تلك البقعة المعزولة عن الحضارة الحديثة وكأن الخروج منها هو معادل معنوي للموت. ويستمر الحال إلى أن تُقرِّر بلدية حيفا إقامة نفق يمر عبر وادى روشميا لكي يربط أحياء البحر الأبيض المتوسط بأحياء “جبل الكرمل”، وهو الأمر الذي يعنى هدم كوخ أبو عبد وزوجته بالقوة، ومن ثم كان عليهما البحث عن منزل جديد يأويهما.

أثناء ذلك يظهر عوني، الشخص الذى يرعاهما، ويتكفل بالبحث المستمر للحصول على تعويضات من البلدية، لكن وجوده يُذكرنا بأسلوب هنريك إبسن إذ تبدو أمور العائلة بخير وعلى ما يرام إلى أن يدخل إليها الغريب فيتكشف عكس ما يظهر لنا وتنقلب الأمور رأساً على عقب، وهو ما يتأكد في الثلث الأخير من الفيلم الذي يكشف عن ذروة درامية مؤلمة وشديدة التعقيد – يصعب على عمل روائي، إلا فيما ندر، أن يُصيغ حبكتها بكل هذا الصدق وردود الفعل التلقائية المشحونة بالانفعالات المتباينة- عندما يسود التوتر والشجار بين الثلاثة، خصوصا بين الزوجين، وكأن الخروج من البيت ليس فقط – في نظر أبو العبد – معادل للموت ولكن أيضاً كأنه إعلان وفاة لتلك العلاقة الزوجية، إذا لا تصمد أمام تلك العاصفة، فبينما لا تتضايق أم سليمان من فكرة الخروج وهدم البيت إذ يكون كل ما يشغلها أن تأخذ نصيبها من الأموال وتتصرّف هي فيه كما تشاء وتستقل بحياتها، نجد على العكس منها أبو العبد يظل ثابتا على مبدئه ومخلصاً له، فهو يرفض الخروج من البراكية مثلما لا تشغله أموال التعويضات معلنا أنه ليس بحاجة إليها ولا يريدها، وكل ما يحتاجه فقط هو أن يتركوه يُكمل بقية أيامه وحياته في بيته هذا المصنوع من الصفيح، وهو ما تُؤكده دموعه في الدقائق الأخيرة وتلك اللقطات التي تسجل توديعه لكل شجرة في أرض بيته، ثم ملامحه التي يعتصرها الحزن والحسرة في لحظة هدم البيت.

ظل أبو جبل يرصد بكاميرته عشرات الساعات على مدى شهور. كان يصوِّر أكثر من عشر ساعات يوميا، ينتظر وينتظر ويسأل ويستمع إليهم، يصمت ويصبر على حكيهم القليل وربما الشحيح. التكرار في الحياة اليومية أتاح له فرصة أن يأخذ الأفعال نفسها من زوايا عدة فيبدو التصوير وكأنه قد تم بثلاث كاميرات ولس بكاميرا واحدة. وإن كانت حركة الكاميرا ثابتة في أحيان كثيرة أو حرة في بعض المرات القليلة لكن المؤكد أن الكوادر وتكوينها جاء كأنه لوحة تشكيلية مرسومة بجهد وتأنِّ من أجل التعبير عن طريقة حياة تلك الشخصيات المسنة وهى في حالة صراع البقاء مقابل أنفسها ومقابل البلدية التي تُهدِّد بقاءها.

وبعد كل هذا الكم من التصوير كان لابد من رحلة أخرى لا تقل عناءاً تتجسد في الاختيار وبناء السيناريو من بين هذا الكم الهائل من المواد المصورة، وهنا يعترف سليم أبو جبل أنه خلال المونتاج كان يجد بعض المشاهد ساحرة فيُبقى عليها، بينما كانت بعض المشاهد الأخرى أقل سحرا فكان يضطر إلى حذفها والاستغناء عنها، مثلما استغنى تماماً عن الموسيقى المباشرة واكتفى بالمؤثرات الصوتية الطبيعية من وحي المكان واستعان أحيانا بصوت الراديو، وهكذا نجح سليم أبو جبل في تجربته الفيلمية الأولى ومن خلال ضبط الزمن النفسي للقطات واضعاً في اعتباره الإحساس بهذا الزمن النفسي وهو يربط كل لقطة مع ما قبلها وما بعدها من لقطات يملؤها الصمت فنجح في خلق هذا الإيقاع الشاعري المرهف المعبر بصدق عن إحساس وعوالم شخصياته.

تعليقات

  1. كم من الناس يحتاجون لنحكي عنهم، كثيرون المغبونون في هذا العالم، وكثيرون يحتاجون أن نسرد حكاياهم لأننا عودناهم أن حكاياهم ليست مُشوقة فهي تخلو من الأرقام الكبيرة، الوهمية، التي تحمل أسماء مثل العقارات والدولارات والسيارات والمجوهرات، سليم أخرج حكاية من قمقم عتيق وصاغها وحركها وصارت مظلة. جميل جهدك يا سليم، تابع باخراج تلك الحكايا فهي كثيرة وهي في كل مكان.

  2. اخراج حكاية من الصمت الطويل بحد ذاته حدث كبير، او بالاحرى سلسلة احداث، ربما تكلف اي مخرج اخر اجزاء عدة ليسردها، وان نجح!!.
    تقلبات التارخ وطقوسه او التفاف الحدود المصطنعة، ومهما وطالت الصراعات، فالحس الانساني يجب ان يصمد في كل وجدان.
    انجاز فخري بكل معنى الكلمة، ولكن….مضمون العمل هو الرسالة والشغل الشاغل لكل ضمير حي، وان وجد!!!.

  3. مبروك الك سليم هلنجاح الحلو بتستحقوا وبعد عندك نجاح مهم بحياتك عقبال ما تحقوقوا قريباً

  4. الف مبروك سليم عطول بالتوفيق من نجاح لنجاح ونحنا فجورين فيك

التعليقات مغلقة.

+ -
.