سعد الله ونوس شخصية مسرحية أدبيّة تستحق التعرّف إليها

Mona

في الذكرى السنوية  للكاتب المسرحيّ السوريّ الكبير سعد الله ونوس  لا بد لنا أن نتعرف على شخصية  من أعظم كتّاب المسرح العربيّ  في تاريخه .

كاتب مسرحيّ سياسيّ  سوريّ كبيرصاحب العبارة  المشهورة “إننا محكومون بالأمل وما يحدث الآن لا يكون نهاية التاريخ”

يُعتبر من أصدق المسرحيين حساً بالواقع السياسي الاجتماعي ،  وزّع النّور على القارئ  والكاتب  وعلى مسرح مزدهر    رسول ومبدع مسرح التسييس . كتب أجمل أعماله  وهو يعاني من الآم مبرحة تهد الجبال  داهمه المرض   فظل يسقينا شهد إبداعه ، فما بكى ولا راح يشكو آلامه وحظه إلا للقلم والورقة.

منأعظمكتّابالمسرحويكاديكونالوحيدبعدتوفيقالحكيمالذيتٌترجمأعمالهإلىلغاتعالمية.

لميعطناونوسدروسافيكيفيةالكتابةالمسرحيةبلعلمدروسافيكيفيةكتابةسطورالحياة

كان  مصمّماً على محاكمة زمن خائبوعد بالفضيلة واستنهض الرذيلةبمقدار ما كان مصمّماً على مواجهة «الخديعة الذاتية»التي أقنعت المثقّف المسؤول بأنّ التاريخ لا يعود إلى الوراء

كان يحلمبمسرحتمتلئفيهالمساحتان،عرضتشتركفيهالصالةعبرحوارمرتجلوغنييؤديفيالنهايةإلىالإحساسالعميقبطبيعة القدر ووحدته.

كانونوس مقتفياً آثار غيره من الحالمين الكبار   ذهب إلى «مسرح التسييس»، الذي يواجه المتفرّج بتناقض اجتماعي غير متوقع  ويجبره على التخلّي عن الإجابات الجاهزة. أراد المسرحي الذي حاول التنظير لمسرح إبداعي عربي، أن يقيم الفرق بين مسرحه و «مسرح سياسي» آخر يحوّل أوجاع الناس إلى «نكات» ماسخة. ولهذا رأى التسييس المسرحي في مقولات جمالية جديدة  تعيد بناء ذائقة المتفرّج الذي حوّلته التربية التقليدية إلى مستقبِل سلبي، يرى ويسمع بلا مساءلة أو فضول. شاء سعد، في هذه المرحلة، أن يطبق قول بريخت عن «الكاتب الذي يصطحب معه قارئه إلى المعركة». لكنّه ما لبث أن أدرك أنّ الحديث عن «رسالة مسرحية» حديث عن مجتمع مدني يحتفي بالمسرح، وأنّ التوجّه إلى جمهور مسرحي يفترض فضاء اجتماعياً يتمتّع بحياة سياسية سليمة.

لقد تأثر ونوس بمسرحييين عالميين مثل بريخت الذي   يعتبر صاحب أهم مسرح التجلي المسرحي السياسي في العالم على ما قدمه من نظرية جديدة سواء فيما يخص الكتابة المسرحية فالتزم  بالفكر الجدلي وبالمضمونات السياسية ومعالجة قضايا الكادحين وموضوعات الثورة والثوار والصراع الطبقي بشكل أساسي.ورائد المسرح العالمي الذي تأثر به ونوس أيضا بيتر فايس رائد المسرح التسجيلي، وهو  القيام بعرض الحقيقة عارية أمام الجمهور أي التوثيق الدقيق ثم يترك الجمهور ليتخذ موقفا ضد السلطة الحاكمة يعرض الحقيقة عارية إلا من ثياب فنية يلبسها للأحداث وللأشخاص الواقعيين.

تأمّل سعدالله الواقع العربي وحاور أسئلته، وتأمّل المسرح وعمل على تطويره، حتّى أصبح المسرحي العربي الأكثر تجديداً وأصالة، في النصف الثاني من القرن العشرين. عالج المسرحي الراحل صخرته الثقيلة حتى الرمق الأخير، مارس ما قال به، وطوّر قوله وظلّ مخلصاً لما آمن به وهو يسجّل، صبيّاً، ملاحظات عن المعنى والوجود وعن جمال الأحلام وخراب الروح البشرية.

خلق ونّوس مسرحاً جديداً مختلفاً عن مسرح الخطابة. فقد آمن بالكلمة – الفعل – وخلق مسرحاً وجودياً فلسفياً.

لا يصح الحديث عن علاقة سعد الله ونوس بالكتابة فكلمة علاقة توحي بوجود طرفين وسعد الله والكتابة طرف واحد فالكتابة لونوس كما الظل للجسد والحرارة للنار . الصفاء والعمق ، الجرأة والنزاهة تلك هي أهم مزايا سعد الله المبدع الإنسان ونوس ربما هو الوحيد من بين كتاب المسرح العربي الذي يجرؤ على أن يعلن بالصوت العالي ما يهمس لنفسه في أحلك الليالي .

رحل سعداللهونوس في الخامسة عشر من أيار / مايو 1997 ، وترك    لنا إرثاً من المسرحيات الرائعة التي تُرجمت الكثير من مسرحياته إلى الفرنسية، والإنكليزية، والروسية، والألمانية، والبولونية، والأسبانية؛ وستبقى أعماله شعلة متوهجة منيرة وملهمة لأبناء شعبه، وللمثقفين والباحثين، وسيبقى إبداعه موضوع بحث لا ينضب يفيد المؤرخين، والمبدعين والباحثين عن مستقبل أفضل

لقد رحل لكن سنين طويلة ستمر قبل أن تنجب الأمة رجل مسرح له قامة ونوس، وحضوره وإبداعه سواء في الكتابة الدرامية، أو في سعيه الحثيث للتنظير للمسرح العربي، أو في علاقته الحميمة والداخلية مع الوجع العربي، ومع الإنسان العربي، ومع همّ الوطن، أو جرأته في التنقيب عن عمق مشاكل المجتمع وقدرته على التقاط المسائل الأهم، ووضع الإصبع فوق الجرح تماماً، ومحاولاته الفذة لنكئ هذا الجرح لأنه كان يرى بعمق أن مهمة المسرح ليست الترفيه أو التسلية بل التوعية، لا بالمعنى العابر للمفردة بل بما تحمله من مقدرة على إثارة التساؤلات، وتحريض الفكر، وملامسة هموم الوطن وخلق علاقة داخلية دافئة وعميقة بين الفن المسرحي كفن بصري، وبين الفلسفة والسياسة والمجتمع والتاريخ».

هكذا كان سعد الله ونوس مقاتلاً بالكلمة وحالماً بالحرية حتى آخر لحظة في حياته
لم يترك الكتابة والورق والأقلام حتى في أيامه الأخيرة بالمستشفى

من أهم مسرحياته : طقوس الإشارات والتحولات –الملك هو اللك- منمنمات تاريخية- أحلام شقية  – رأس المملوك جابر- الفيل يا ملك الزمان- يوم من زماننا –ملحمة السراب

لعلكم تتساءلون وتستغربون لما هذا التضخيم والوصف والتعبير لسعد الله ونوس أيستحق هذا كله ؟ نعم يستحق لأنه من يقرأ أدبه يكتشف سر هذا الوصف والإبداع   ولا يمل القارئ من قراءة مسرحياته الهادفة والممتعة   بأفكاره الملهمة  والغنية.

_____________

* منى أبو جبل: معلمة لغة عربية في إعدادية مجدل شمس

+ -
.