سفرة إبليس – الشيخ فائد زهر الدين

بقلم الشيخ فائد زهر الدين

من منا لم يسمع من جده أو جدته هذه العبارة: “سفرة ابليس”؟ والمفهوم العام والدارج لهذه العبارة هو التفسير البدائي والاجتهادي غير المدون أو المنزل، هو كما سمعت من البعض أن إبليس هو الشيطان الذي يظهر في آخر الوقت مبسطاً سفرة مليئة بأطيب وأشهى وألذ المأكولات، محاولاً من خلالها إغراء وجذب أصحاب النفوس الضعيفة والعاصية إلى سفرته، وكل من تسول له نفسه بالاقتراب منها هو لا محالة كافر وملحد مصيره جهنم. ومنهم من فسر بغير ذلك، ولكن هذه التفسيرات بمجملها غير منطقية، لا يقبلها العقل الرزين، وهي بعيدة كل البعد عن تعاليم مذهبنا الحنيف، مذهب التوحيد.

إخواني وأخواتي، أرجو من كل من لديه انتقاد أو فكرة أو معلومة بخصوص ما يرد في مقالي هذا ان يواجهني بالحقيقة. ففي كل راس حكمة، والحق يقال ويعلو ولا يعلى عليه، وأنا بدوري سوف أكون لكم من الشاكرين، والله من وراء القصد.

في الحقيقة أن إبليس على ما اعتقد هو الشر الكامن في نفوسنا نحن أبناء البشر، مهما أوتينا من علم ومعرفة، فالنفس أمارة بالسوء، ومن منا لم يخطئ يوماً بحق نفسه أو بحق غيره، والمسامح كريم، والكمال والعصمة لله الواحد الأحد الذي يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير.

لقد ذكر في المصحف الشريف أن “المبذرين إخوة الشياطين”، ونحن للأسف الشديد نتجاهل هذا القول في أفراحنا وأتراحنا وموائدنا ومناسباتنا الدينية والزمنية، بحجة الكرم والجود، وعندما نقبل على هذه الموائد والسفر تلمع عيوننا وتشتهي نفوسنا فنملأ بطوننا متجاهلين ما قيل عن آداب الطعام على السنة العديد من الحكماء والفلاسفة، أمثال : الكاتب الكبير المرحوم كمال جنبلاط وغيره وغيره. نأكل بشراهة من جميع الأصناف، غير مكترثين أن لأجسامنا علينا الحق الكبير، حيث نسبب لها العديد من الأمراض كالسكري والسمنة وأمراض القلب، وغيرها “يضر ولا يفوت”، انظروا وأعتبروا أيها الإخوة والأخوات، لقد ازدحمت المشافي والعيادات والصيدليات بالمرضى. نعم إنها إرادة الله فينا، ولكن المولى وهبنا العقل ونعته بالسليم في الجسم السليم، وأمرنا بالاحتكام إليه في أقوالنا وأفعالنا، ونحن نرى العلة ونتجاهل السبب.

لقد كان أسلافنا الصالحين لا يقرببون طعاماً متعدد الأصناف خوفا من شهوة النفس، وكانت أجسامهم كالحديد- نادراً ما يصابون بسقم. وكانت الفواكه والخضار في أوانها، وكان طعمها لذيذ بعكس ما نتذوق في أيامنا هذه. كانت الأسرة تجتمع على طبخة “مجدرة” وصحن “زبيب” أو “قضامة” وتين يابس، لا همبركر ولا “ماغدونالدز” وغيره.. وكانوا حامدين شاكرين ينعمون بهداوة البال والطمانينة.. قلة وبسط… ونحن اليوم نملك الحطام والمال والامكانيات الكبيرة ولكننا نفتقر لهداوة البال فـ “هداوة البال خير من الغنا”.

أين الحياة الاجتماعية؟ فالكل يركض ويركض طلبا للمال، وإذا اجتمعنا نجتمع كالخرسان كل من منكب على جواله لا يتحرك له رمش عين. وإذا تحدثنا يقتصر حديثنا على شؤون المصالح العامة والخاصة، مبتعدين عما يجمع بيننا من آداب وصون للاخلاق الحميدة، فأزياء بعضنا منحلة وإذا سئل أحدهم عن أهل بيته يقول: “مش طالع بايدي”. أين تراثنا؟ أين تقاليدنا وعاداتنا المعروفية؟ معظمها للأسف الشديد أصبح فعل ماضٍ.

وعوداً لصلب الموضوع، وهو الإسراف والتبذير في المناسبات العامة، في اعتقادي هو سفرة إبليس، إن صح التعبير، والدهر دولاب يوم لك ويوم عليك، ولقد شاهدنا شعوباً ومجتمعات كانت تنعم بالخيرات وهي اليوم تشتهي لقمة العيش، ونحن لا نملك علم الغيب، فقد يحل بنا ما حل بغيرنا والله اعلم، فحفظ النعمة واجب على كل فرد منا. “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”، لذ اعذروني أيها الأهل فأنا منكم افتخر بكم جميعاً وأحترم كل راي قابل للنقاش، وأريد، أنا العبد الفقير، لأهلي وأبناء جلدتي كل الخير والنهج السليم والله ولي التوفيق.

+ -
.