سلمى حايك في إطلالة عاطفية… لا فنية

كان من المتوقع أن تكون إطلالة الممثلة العالمية، المكسيكية ذات الأصل اللبناني سلمى حايك في برنامج «كلام الناس» (إل.بي.سي) حدثاً فنياً وإعلامياً، بخاصة أنها المرة الأولى تزور لبنان، وطنها الأم الذي لا تتحدث لغة أهله.

تمكن الإعلامي المحنك واللامع مارسيل غانم من تحقيق «ضرب» إعلامي كبير في تفرده باستضافة هذه «النجمة» مع فريق فيلم «النبي» المنفذ كرتونياً، والذي كانت سلمى نفسها وراء إنتاجه وتنفيذه، علاوة على تمثيلها فيه أيضاً صوتياً.

كانت زيارة سلمى هذه، لمناسبة إطلاق الفيلم المستوحى من كتاب جبران خليل جبران إعلامياً و«عالمياً»، من بيروت بعد عرضه العالمي الأول في مهرجان «كان» الأخير، وهناك لم ينل النجاح الذي افترضه فريقه السينمائي، ولم ترحب به الصحافة الفرنسية كما يجب. رمت سلمى عصفورين بحجر واحد كما يقول المثل، زارت لبنان للمرة الأولى حاملة إلى أهله تحفة جبران التي تعتز بها. أما مارسيل غانم فأصاب أيضاً عصفوراً ثالثاً باستئثاره إعلامياً – وربما إعلانياً – باستضافة سلمى ومحاورتها وتقديمها عن كثب إلى الجمهور اللبناني في الوطن والمغترب.

يمكن وصف الحلقة بالحدث اللبناني أو الوطني والمحلي والأهلي وليس بالفني أو السينمائي والثقافي. وفي مرحلة مأزومة يبحث اللبنانيون فيها عن تأشيرة سفر أو باسبور أو بطاقة إقامة في الخارج، أعاد مارسيل إلى الممثلة اللبنانية إخراج قيد يؤكد لبنانيتها مع أنها تعلم بأمر انتمائها اللبناني المسجل لدى السفارة اللبنانية في المكسيك ولدى دائرة الهجرة وسواهما. لكنها النخوة الوطنية التي تهب دوماً في اللحظات الحرجة… فرحت سلمى كثيراً بما شاهدت من وطنها من معالم ما زالت موجودة حتى الآن، كالأرز وقرية بشري وقريتها الأصلية بعبدات التي لا تتمكن من لفظ اسمها وهي كلما حاولت لفظت كلمة بغداد. فرحت كثيراً بالحفلات التي أقيمت لها وبالهدايا وبالفستان الذي صممه لها المصمم الكبير إيلي صعب لترتديه في حفلة افتتاح الفيلم في وسط بيروت. وكانت أشبه بالفراشة الساحرة في دارة صعب الفخمة التي أقام لها المصمم فيها حفلة عشاء ضمت أرستقراطيين وبورجوازيين وتجاراً ورجال أعمال وسماسرة… وراحت تتنقل بين المدعوين بخفتها وسحرها. أحبت سلمى لبنان كثيراً وسرّت بزيارتها الأولى هذه. لبنان وطن جميل وثري وباذخ، وطن ينعم بالسلام والطمأنينة وراحة البال والبحبوحة. لكن منظمي الرحلة كسروا عليها سرورها عندما اصطحبوها إلى أحد مخيمات اللاجئين السوريين، ويبدو أنهم اختاروا أفضل هذه المخيمات وأشدها فرجاً… وطبعاً رافقتها كاميرا البرنامج حيثما جالت وتنقلت وكانت أفضل زياراتها إلى مركز معالجة الأطفال المصابين بالسرطان وقد أحيت حفل تبرع خيري لمصلحة هذا المركز.

لم يكن حوار مارسيل غانم معها موفقاً ولا مقنعاً، ولا ندري لماذا كاد يحصرها في سياق الكلام العاطفي العابر والمفتعل والمثير للدموع. وبدت أسئلته عن الروحانية والصوفية وعن قضايا فلسفية كالموت والحرية والماوراء و «صراع الحضارات» في غير محلها. لكن سلمى كانت «مهضومة» في أجوبتها ورشيقة في كلامها وذكية وبسيطة في آن واحد. حتى مقاربتها لكتاب «النبي» كانت روحية لا ثقافية ولا أدبية، لا سيما أن هذا الكتاب يذكرها بجدها. وهي أيضاً نجحت في الكلام عن قضايا المرأة والعنف المنزلي والعائلة…

وما دامت سلمى تحب السيدة فيروز كثيراً كما عبّرت وهي تغني لها، خصوصاً «يالله تنام ريما» فالسؤال: لماذا لم يتح لها المنظمون فرصة زيارة فيروز والتعرف إليها والتقاط صور معها؟ اللقاء بالمطربة الكبيرة لو تم كان سيشكل حدثاً في زيارة سلمى لبنان. والسؤال الآخر الذي لا بد من طرحه هو: لماذا لم يجمع المنظمون أو مارسيل النجمة بالمخرجة المهمة نادين لبكي التي بات اسمها يلمع عالمياً، خصوصاً أنهما من قرية واحدة هي بعبدات؟

لم يسأل مارسيل غانم سلمى حايك عن تجربتها التلفزيونية والسينمائية في المكسيك أولاً، ثم في أميركا ولا عن الأفلام المهمة التي مثلت فيها ومنها «فريدا كاهلو» الذي أبدعت فيه. لم يسألها عن أدوارها الجريئة مع أنطونيو بانديراس وجورج كلوني أو عن عملها مع أوليفر ستون ووليم سميث وعن فيلمها المستوحى من رواية ماركيز «لا رسالة إلى الكولونيل»… لم يسألها عن المسلسلات المكسيكية التي أدمنها اللبنانيون وما زالوا، بخاصة أنها شاركت في مسلسلات مكسيكية مهمة. لم يفسح غانم الفرصة للجمهور كي يتعرف إلى سلمى الممثلة ومسارها السينمائي الجميل.

المهم أن سلمى حايك زارت لبنان وأحبته، لكنها زارت لبنان الذي أراد المنظمون لها أن تراه، لبنان المصطنع و «المزور» والمختفي وراء أقنعة الثراء الفاحش، لبنان الفنادق الفخمة والمطاعم والسياحة، وليس لبنان الحقيقي، لبنان المأزوم، لبنان المقهورين، لبنان الفراغ والفساد والفقر، لبنان المآسي اليومية…

+ -
.