الأرجح أن العام 2014 كان عاماً مفصليّاً لتطور شبكات التواصل الاجتماعي، بفضل عناصر كثيرة لعل أبرزها الاندماج بين شبكتي «فايسبوك» (التي تعتبر أيقونة شبكات التواصل الاجتماعي على الانترنت) و «واتس آب» الذي يمثّل تطوّراً نوعيّاً في علاقة الجمهور مع التواصل عبر الهواتف الذكيّة وأجهزة الـ «تابلت». وجمع الاندماج بين ذراعين هائلتين في التواصل الاجتماعي، إذ دمج التواصل الاجتماعي عبر الانترنت مع «شبكة» الأجهزة الذكيّة المنتشرة بين الجمهور، مع ملاحظة أن «واتس آب» لا يحتاج بالضرورة إلى شبكات الخليوي، بل أن الأخيرة علت صرخاتها عالميّاً من المنافسة المضمرة التي يمثّلها «واتس آب» لشبكات الخليوي. واستطراداً، ساهم ذلك الاندماج في تسارع انتشار الأجهزة الذكيّة بين الجمهور العام، ما أشار إلى وجود دائرة متّصلة إيجابيّة بين شبكات التواصل الاجتماعي بأنواعها كافة من جهة، وبين انتشار الأجهزة الذكيّة التي صارت «شبكة» يربطها الـ «واتس آب» وما يشبهه من تطبيقات رقميّة!
إذاً، يصلح ذلك الاندماج العملاق مؤشّراً على النقلة التي حدثت في العام 2014 في شبكات التواصل الاجتماعي، بمعنى أنه ليس مجازفة القول إن تلك الشبكات صارت إعلاماً من نوع مميّز، يستمر في العمل عبر الكرة الأرضيّة على مدار الساعة.
وكخلاصة، يمكن القول أن العام 2014 كان عام التبلور الفعلي لظاهرة «الإعلام العام الاجتماعي» (« سوشال ميديا» Social Media)، بصورته الراهنة. لربما الأصح أيضاً أن يقال «الإعلام العام الرقمي الاجتماعي» و«ديجيتال سوشال ميديا» Digital Social Media.
وفي العام 2015، أجرت مجموعة بحثيّة أميركيّة دراسة موسّعة عن المدى الفعلي لـ «الإعلام العام الاجتماعي» ومُكوّناته، مع ملاحظة أنه يندرج ضمن ظاهرة أوسع تتمثّل في التحوّل الرقمي عالميّاً. وشملت الدراسة الأميركيّة ما يزيد عن 240 بلداً ودولة ومنطقة، مع التوسّع في تفاصيل المسار الرقمي لثلاثين بلداً فيها الاقتصاديات الأضخم عالميّاً.
إضاءات سريعة
خلصت الدراسة إلى مجموعة كبيرة من النتائج عن ظاهرة الـ «ديجيتال سوشال ميديا». ولعل عناوينها الكبرى تتمثّل في الـ «فلاشات» التالية بالنسبة لأرقام العام 2014:
– وصل سكان الأرض إلى قرابة 7.210 بليون نسمة، يعيش قرابة 53 في المئة منهم في تجمّعات حضريّة.
– بلغ عدد «سكان الانترنت» قرابة 3 بلايين نسمة، ويمثّل الرقم من يقدرون على الوصول إلى الانترنت، بغض النظر عن الجهاز الذي يستخدمونه في الوصول إلى تلك الشبكة. ويعني ذلك الرقم أن نسبة انتشار الانترنت بين سكان الأرض توازي قرابة 42 في المئة. وفي العام 2013، كانت النسبة نفسها هي 35 في المئة.
– بلغ عدد الحسابات النشطة، بمعنى أنها مستخدمة فعليّاً من أصحابها وليست جامدة، في مختلف مكوّنات «الإعلام الرقمي الاجتماعي» إلى ما يزيد على 2 بليون حساب فاعل، ما يمثّل انتشاراً مقداره 29 في المئة.
– وصل عدد الذين يملكون جهازاً رقميّاً نقّالاً للاتصالات (= خليوي، «تابلت»، كومبيوتر محمول، مساعد رقمي شخصي…)، خاصاً بهم بصورة مستقلة، إلى قرابة 3.7 بليون شخص، ما يمثّل نسبة انتشار تقارب الـ51 في المئة.
– بلغ عدد الحسابات النشطة في الـ«ديجيتال سوشال ميديا»، قرابة 1.7 بليون حساب، مع يساوي نسبة انتشار تقارب 23 في المئة.
هناك كثير من «التشويش» النسبي في تلك الأرقام، بمعنى وجود من يملك أكثر من حساب نشط في الـ « سوشال ميديا» ومن يملك غير جهاز رقمي نقّال وغيرها. ولا ينفي ذلك «التشويش» الصورة العامة التي رسمتها أرقام الـ « سوشال ميديا».
سيطرة التنقّل وأجهزته
لعل الخلاصة الأولى التي تشي بها تلك الأرقام هي أن الأجهزة الإلكترونيّة النقّالة، تهيمن على العوالم الرقميّة. ويدفع ذلك للقول بوجود مسار تمكن تسميته «الترابط الكلي الحضور»، بمعنى وجود شبكة ما تربط الأفراد بعضهم بعضاً على مدار الساعة وفي الأمكنة كافة، يندفع خلال العام 2015. وكذلك حلّت تطبيقات «واتس آب» WhatsApp و«وي شات» We Chat و«فايسبوك ماسينجر» Facebook Messenger، في مقدّمة وسائل الربط بين الأفراد في الـ « سوشال ميديا»، خـــصوصاً في الــبلدان الأضــخم اقتصاديّاً.
ويتوقّع أن يساعد ذلك في زيادة انتشار الانترنت ليشمل ما يزيد على نصف سكان الكرة الأرضيّة بحلول العام 2016. واستطراداً، الأرجح أن يختتم العام 2015 على انتشار الـ» سوشال ميديا» بين ثلث سكان الكوكب الأزرق، مع ملاحظة أن غالبية تلك الزيادة تأتي من الدول النامية.
وفي تحليل تلك الأرقام، تبيّن أن غالبية الزيادة في «سكان الانترنت» حدثت بفضل زيادة عدد من يدخلون إلى الانترنت عبر الخليوي. ومن الواضح أيضاً أن النفاذ إلى الانترنت ليس متساوياً بين البلدان. ففي ثلاثة بلدان على الأقل، هي البحرين وأيسلندا وجزيرة «برمودا»، تساوى عدد «سكان الانترنت» فيها مع إجمالي عدد السكان! في المقابل، لم تزد نسبة من ينفذون إلى الانترنت في كوريا الشماليّة وجنوب السودان، على 0.1 في المئة.
وسجّلت الولايات المتحدّة نسبة نفاذ إلى الانترنت لامست الـ88 في المئة من السكان، فيما سجلّت نسب مختلفة في أوروبا الغربية (81 في المئة)، وأستراليا (69 في المئة) وأوروبا الشرقيّة (58 في المئة) وأميركا الجنوبيّة (56 في المئة) ودول شرق آسيا (51 في المئة)، وتدنّى الرقم في أفريقيا إلى 26 في المئة.
ويلاحظ أن سرعة الاتصال مع الانترنت تتفاوت كثيراً بين البلدان والدول والمناطق. إذ تصل تلك السرعة إلى 25 ميغابايت في الثانية في كوريا الجنوبيّة، وتتدنى إلى قرابة 2 ميغابايت في الثانية في الهند. وحلّت هونغ كونغ ثانية بعد كوريا الجنوبيّة، تليها اليابان ثم سنغافورة ثم الولايات المتحدّة. وفي تلك الدول الأربع، يبلغ متوسط سرعة الاتصال بالانترنت ما يزيد على 10 ميغابايت في الثانية، فيما يبلغ المتوسط العالمي لسرعة الاتصال مع الانترنت 4.5 ميغابايت في الثانية.