سويوز: مركبة الفضاء السوفيتية تتحدى الزمن

بعد أن أطلقت وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” مركبتها الجديدة “أوريون” في أولى رحلاتها الفضائية، يشيد كاتبنا لشؤون الفضاء بمركبتها الروسية المنافسة التي ظلت تعمل بانتظام لما يقرب من خمسين عاماً.

يقول رائد الفضاء أندريه كويبرز، من هيئة الفضاء الهولندية، في حديثه عن المركبة الفضائية الروسية سويوز “إنها صغيرة جداً وضيقة، خاصة المقاعد اليمنى واليسرى حيث يجلس الأوروبيون والأمريكيون ذوو القامات الطويلة”.

منذ إطلاقها عام 1967، لا تزال “سويوز” الصغيرة تستخدم لنقل ثلاثة من رواد الفضاء إلى المحطة الفضائية الدولية. ومنذ أن قررت “ناسا” إحالة مكوك الفضاء للتقاعد عام 2011، أصبح السفر على متن “سويوز الروسية” هو الوسيلة الوحيدة لرواد الفضاء للوصول إلى المحطة الفضائية الدولية.

ويقول الهولندي كويبرز “المرة الأولى التي دخلت فيها إلى كبسولة سويوز للتدريب، رأيت زميلي الأمريكي يتناول مسكنات للألم. وقد سألته لماذا يفعل ذلك فقال: ستكتشف السبب بمفردك. وبالفعل واجهت مشاكل كثيرة في ركبتي..الكبسولة ليست مريحة على الاطلاق.”

وإذا كان الانطلاق في رحلة فضائية على متن سويوز ليس مريحاً، فإن هبوطها أسوأ بكثير. يقول رائد الفضاء الايطالي باولو نيسبولي إن “هبوطها يشبه حادث سيارة هائل في أحسن الأحوال، هبوط عنيف جداً، تنظر إلى بعض مكونات الكبسولة وتشعر أننا نعيش في الخمسينيات من القرن الماضي.”

لذلك قد توحي ملاحظات مستخدمي سويوز بأن هذه المركبة، التي تعتبر أثرا من الماضي في سباق الفضاء، أصبحت قديمة وخطيرة وجديرة بإحالتها للتقاعد.

لكن ليس هذا هو الحال على الإطلاق، حتى إن الأوروبيين طوال القامة يعشقون استخدام هذه الكبسولة الفضائية التي تعود إلى الحقبة السوفيتية. يقول نيسبولي إن “هذه المركبة عملية وفعالة وتفي بالضبط بالغرض الذي يفترض أن تؤديه.”

ويضيف كويبرز “عندما علمت زوجتي أنني ربما سأسافر عل متن المكوك الفضائي، قالت إنها تفضل أن أسافر في سويوز لأن لها سمعة أفضل. صحيح أنها غير مريحة على الإطلاق، لكنها آمنة تماماً. إنها مركبة فضائية رائعة.”

مشاكل صغيرة
ماذا عن هذا تصميم “سويوز” الذي لم يتغير منذ الستينيات من القرن الماضي؟ وهل يمكن لمصممي المركبات الفضائية اليوم أن يتعلموا دروسا من علماء الصواريخ السوفييت الذين صمموها؟

الشيء المؤكد هو أن من شهد انطلاق سويوز لأول مرة في أبريل/ نيسان عام 1967 لم يكن ليخطر بباله أن هذه الكبسولة ستستخدم بانتظام حتى يومنا هذا، أو أنها ستوصف بأنها آمنة. عندما انطلق فلاديمير كوماروف في رحلته الفضائية فوق كازخستان في “سويوز 1” والتي جرى تجهيزها على عجل، لا شيء تقريباً سار بحسب الخطة.

وبمجرد وصولها إلى المدار، أخفقت “الأجنحة” الشمسية في الانبساط، وكانت الاتصالات مشوشة، وقد واجه كوماروف مصاعب حقيقية في توجيه المركبة الفضائية.

ونظراً لأن المركبة صممت بطريقة تهدف إلى الاقتصاد في استهلاك الكهرباء، تمكن الملاح الماهر في نهاية المطاف من إعادتها إلى الغلاف الجوي بعد قضاء يوم غير مريح في الفضاء.

لكن عندما بدأت تتجه المركبة نحو الأرض، لم تعمل المظلة التي يفترض أن تبطيء من هبوط الكبسولة، مما جعل سويوز ترتطم بالأرض بسرعة 90 ميلاً في الساعة، وأسفر الحادث عن مقتل كوماروف.

ولم تحقق سويوز انطلاقاً ناجحاً حتى أكتوبر/ تشرين الأول عام 1968، ولكن بحلول ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة تحث الخطى باتجاه القمر من خلال برنامج أبوللو.

أحاطت المشاكل التقنية والتأخير المتكرر ببرنامج مركبة سويوز الفضائية، التي كان من المفترض أن تنقل رجل فضاء سوفيتيا إلى سطح القمر، ومن ثم ألغيت الخطط في نهاية المطاف.

وكخطة بديلة، تبنى الاتحاد السوفيتي في أوائل السبعينيات من القرن الماضي اتجاهاً جديداً في استكشاف الفضاء: وهو بناء محطات فضائية مدارية. وأصبحت سويوز الوسيلة المثلى لنقل الرواد إلى تلك المحطات.

التكنولوجيا التناظرية (أنالوغ)
يقول ديفيد بيكر وهو مهندس سابق في ناسا “إنها بشكل جوهري تؤدي في القرن الواحد والعشرين المهمة التي صممت للقيام بها حينما صنعت في المرة الأولى”.

من حيث شكلها الكروي وتصميم أدواتها وأجزائها، تختلف المركبة الفضائية سويوز تماماً عن أبوللو التي تتخذ شكل المخروط.

في قلب مركبة أبوللو، على سبيل المثال، يوجد جهاز كمبيوتر إرشادي من تصميم معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا المتقدمة، وهو جهاز إلكتروني دقيق رائد يساعد رواد الفضاء في تحديد وضعهم بدقة في الفضاء.

الحل الذي توصل إليه الاتحاد السوفيتي آنذاك لنفس مشكلة الملاحة كان صندوقاً كهربائياً ميكانيكياً مليئا بالعجلات والقضبان والتروس يحيط بكرة أرضية مصغرة.

وبدلاً من شاشات العرض الإلكترونية، استخدمت سويوز أزرارا ومنظارا يستعين به رواد الفضاء في رسو السفينة على الأرض.

جرى التخلص من نظام الملاحة الميكانيكية في التسعينيات، لكن المنظار لا يزال يستخدم حتى الآن. حينما زرت أجهزة محاكاة سويوز في مركز تدريب رواد الفضاء في “ستار سيتي” في روسيا قبل بضع سنوات، سألت عن هذا الأمر.

وفي هذه اللحظة رد أحد المهندسين الذي كان يشرح لنا طريقة عمل المركبة قائلا “عندما تقترب من محطة الفضاء بسرعة سبعة كيلومترات في الثانية الواحدة، فان أنبوباً وبعض المرايا تكون أكثر فاعلية من شاشة إلكترونية”.

ويقول بيكر إن “التصور الشامل لتصميم المركبة ومكوناتها، وحتى العديد من النظم داخلها، لها صلة قوية جداً بما جرى تطويره في الستينيات (من القرن الماضي) قبل ازدهار عصر الفضاء”.

“إذا لم تتعطل، لا داعي لإصلاحها”
حتى غرفة التحكم في موسكو تبدو كأنها مركزاً للاتصالات الهاتفية أكثر من كونها مركزاً لتكنولوجيا الفضاء المتقدمة. لقد طورت سويوز لتفي بالغرض وحسب.

يوجد ما يوازي سويوز في عالم الطيران. من الطائرة التي تميز فترة الحرب الباردة من بينها قاذفة القنابل “بي 52” وطائرة التجسس “يو تو” ومقاتلة ميغ-21 من الحقبة السوفيتية التي لا تزال تحلق حتى الآن، بالإضافة إلى بوينغ 747 التي صممت في الستينيات.

ويقول بيكر إن “في سويوز كان هناك تركيز على مبدأ إذا لم تتعطل، لا داعي لإصلاحها”. وُجّه انتقاد للعديد من المركبات الفضائية (الأمريكية) بأن الوظيفة المتوخاة منها لا تستدعي كل هذه المبالغة الهندسية في تصميمها”.

هذا اتهام وجه لمكوك الفضاء، وهو البرنامج الذي بدأ وانتهى إبان عهد سويوز.

ويقول رائد الفضاء نيسبولي الذي سافر على متن المكوك “يمكننا أن نتعلم كثيراً من الروس من أنه في بعض الأحيان أن تبذل جهدا أقل (في التصميم)، يكون الأقل هو الأفضل. تصميم المكوك في غاية التعقيد، وهذا التعقيد مكلف للغاية خصوصاً عندما تتعطل أنظمته ويتوقف عن العمل”.

ويقدر الروس أن تكلفة اطلاق مكوك واحد تكفي لاطلاق 20 مركبة من طراز سويوز.

تطوير البرنامج
في هذا الشهر (4 ديسمبر/ كانون الأول) أطلقت ناسا أول مركبة فضائية غير مأهولة من سلسلة مركبات “أوريون”. ويتوقع أن تنقل هذه المركبة المتطورة جدا والمزودة بوحدة خدمة أوروبية البشر في المستقبل إلى كويكبات وإلى المريخ.

ولم تحظ أي من هذه البرامج بتمويل كامل، لكن “أوريون” على الأقل سترسخ من جديد قدرة الولايات المتحدة على إرسال رواد فضاء أمريكيين إلى المحطة الفضائية الدولية.

المركبة الفضائية الأمريكية الجديدة أكبر حجماً وأكثر راحة وتعقيداً من سويوز. وتبلغ تكلفتها ما بين أربعة و15 مليار دولار، أي أكثر بكثير جداً من تكلفة سويوز، وسيكون علينا الانتظار أربعون عاماً حتى نعرف إذا كانت جديرة بالثقة مثل سويوز أم لا.

في غضون ذلك تبنى الصينيون سويوز كمركبتهم الفضائية. ويواصل الروس تطوير التصميم الأصلي لسويوز. ولا يستبعد بيكر أن تظل سويوز تسافر إلى الفضاء لعشرين سنة قادمة، وقال “لا يزال أمام سويوز مستقبل طويل. سيواصل الروس إرسال الرواد إلى الفضاء على متن هذه المركبات القديمة لتحقيق أشياء رائعة.”

+ -
.