هكذا تَمنيتُ يوم نَجحتُ الى الصف السادس، رغم ادراكي ان أختي لن تستطع اللعب كالأطفال.
في صغري كنت اسمعهم في البيت يتكلمون عن متلازمة التَوحد، يومها لم أعرف ما معنى التوحد، لكن مع مرور الوقت بدأتُ افهم ما معنى التوحد، فأدركت أن أختي لن تستطع يوما ان تقول لي:
“أحبك”.
“اشتقت اليك” .
أو “حزينة لحزنك”. فأطفال التوحد لا يجيدون التعبير عن المشاعر مثلنا، ولا يستطيعون التواصل مع الاخرين ، فعالمهم بمثابة لغز بالنسبة الينا. حاولت كثيرا أن أفهم بكائها أو صراخها لكني لم استطع.
نهضتُ اليوم في السابعة صباحا، كي نذهب أنا ووالديَّ الى مدرستها. ترددتُ كثيرا في زيارتها الّا اني اردتُ مسايرة أمي، لأنها طلبت مني مرارا الحضور، فاليوم يصادف عيد ميلادها الثامن، أمي شرحت لريتا ان اليوم هو عيد ميلادها لكن ريتا لم تُبد فرحا او حتى بسمة، فهو يوم عادي في حياتها.
هديتي لريتا هذا العام كتاب صُور لدول وأعلام ، فريتا تستهويها صور الاعلام كثيرا، ففي فترة قصيرة استطاعت ان تميز اعلاماً لدول كثيرة، رغم انها لا تستطيع القراءة والكتابة، لكنها تستطيع التعلم سماعيا والتكلم بجمل قصيرة جدا. فهي تتميز بقدرة خارقة في تعلم ما يثير اهتمامها.
عند وصولنا الى المدرسة سمعت صوتها وصوت عشرات الاطفال . تذكرت صراخها وهي صغيرة، تذكرت خوفها من الصوت العالي . ترددت أكثر في الدخول، احترتُ وحزنتُ واكتأبتُ، لكني في النهاية دخلت وروحي تتخبط ألما ، كتمت حزني في قلبي فقد تعودت منذ صغري ان اخفي خزني كي لا يهزأ مني الاطفال اللذين في سنّي، فأحيانا كانوا يسخرون منها ومن صراخها، نعتوها بالمجنونة لأنها كانت دائما تحرك يديها وكأنها تكلم شخصا ما. أنا اتذكر جيدا عندما نعتوني ب “شقيق المجنونة” ، فقد تحملتُ قسوتهم كثيرا، كأني الوحيد في هذا العالم أخ لطفلة لديها احتياجات خاصة.
حضوري اليوم الى مدرستها علمني ان أن عشرات الاخوة مثلي. فلكل طفل في مدرسة ريتا أخ مثلي، واخت وعائلة.
بدأ الاحتفال في عيد الميلاد ، لم تكن هناك فقرات مميزة في حفلة العيد ولا أظن ان الطلاب فهموا ما يدور حولهم.
في نهاية الاحتفال المتواضع طلبتْ احدى المعلمات مني ان أهدي ريتا الهدية. أما باقي الاطفال فقد جلسوا مع معلمة أخرى يحضرون البوم صور لريتا.
اقتربت منها وقبلّتُها وقلت:
” لقد اشتريت لك كتاب اعلام لتتعلمي اكثر عن اعلام الدول”.
لم ار الفرح على وجهها، لكنها حملت الكتاب ، قلّبت صفحاته وحدقت في الصور، ثم نظرتْ الى أمي لتقرأ لها عن كل دولة.
اما باقي الاطفال الذين جلسوا لتجهيز ألبوم لريتا، فقد أعاد الأول الورقة فارغة والثاني مزقها والثالث رسم غيمة والرابع أتقن دائرة، أما الخامس فقد رسم بعض الزوايا.
كنت آنذاك مشغول بهم وبأصواتهم العالية، أردت الاقتراب من احدهم لكنه كريتا لا يتحمل لمسة الاخرين، قررت الابتعاد وتأمل عالمهم. فأيقنت ان هناك عشرات الاطفال مثل أختي.
أما ريتا فقد انشغلت في هديتي، فابتسمتُ وادركتُ اهمية وجودي بجانبها كي أحقق امنيي او جزء منها، فأختي ليست مجنونة ، وأمنيتي ليست مستحيلة .
انتهت الزيارة .
خرجت من المدرسة وكأني شخص آخر …
_______________________________________
فازت هذه القصة بالمرتبةِ الثَّالثةِ، في مَسابقةِ الكتابةِ القصصيَّةِ للأطفالِ التي نظمتها دار النشر “אופיר ביכורים”، برعاية نقابة المعلمين.
كل الاحترام والتقدير الك نبال ..وهنيئا لمجتمعنا بك..
لعل ان يعلم الجميع بأن هذه الفئة من الاطفال وغيرها من ذوي الاحتياجات الخاصة بانهم اطفال فقط يحتاجون الى القليل من الدعم والمحبة والتقبل من قبل المجتمع لكي يظهرون ما لديهم من قدرات معظمكم لن يتخيلها.. فهم يمتازون بقدرات خارقة وبلاخص اطفال التوحد الذين يمتازون بقدرة كبيرة على التركيز مما تتيح لهم القدرة على اداء اعمال مختلفة انتم كاناس عاديين لا تتقنوها..
شكرا لك على مشاركتنا
بالتقدم والنجاح الدائم.