شرق أوسط جديد …

هنالك منهج في النّقد الأدبي المسرحي نتناوله حين نرمي إلى نقد عمل مسرحيّ ما فنتعامل مع مكوّناته المختلفة ومع مدى انسجامها مجتمعة في كلٍّ عمل فنيّ متكامل ومن ثمّ مع الأثر الذي يتركه فينا هذا العمل خلال وبعد عرضه. شرق أوسط جديد حصلت على الجائزة الأولى بعدما خضعت لأساسيّات هذا المنهج النّقدي الذي قدّمت له.

وعلى رأس هذه المكوّنات :

– الفكرة أو الموضوع فالنّص : فكرة المسرحيّة راقيّة ورائعة على مختلف مناحيها الفكريّة، النّفسيّة والإنسانيّة فهي تتناول قضيّة أخلاقيّة أولى تتلّخص في تبدّل مفاهيم وقيَم الحق والعدالة من المفهوم المتعارف عليه والذي تعتمده الشرعيّة الإلهية والإنسانيّة على حدّ سواء عبر تاريخنا البشري إلى نقيضه فيعيدنا الأمر إلى الجدليّة المركزيّة للوجود والعدم وما ينتج عنها من ثنائيات ومفارقات فلسفيّة ما بين المطلق والنّسبيّة وحسبي أن أنوّه إلى هذا الحوار ما بين الشّخصيتين في المسرحيّة.

 

الممثل : أنتِ كافرة ومجرمة بحقّ الرّب ..

الممثلة : عن أيّ رب تتحدث؟ الرّب الذي في السّماء أو الذي في الأرض؟

ومن هذا السّؤال الكبير يتطوّر الحدث ويتصاعد الصّراع بمعالجة مختلف القضايا انطلاقا من هذه الفكرة المحوريّة الرّاقية والرّائعة في آنٍ واحد وقد جاء النّص مسرحيّا فنيّا معبرا عن الفكرة، لا ابتذال فيه، وقد تجلّى ذلك في الحوار الرّائع والمعبّر كذلك عن مقوّمات الشّخصيتين وأبعادها الفكريّة والنّفسيّة وارتباطها بالصّراع المدهش وما ينجم عنه وبحالات التّحول والإيقاع الموفّقة والنّظيفة ومتوَّجا بالطّاقة الفنيّة الكامنة والمتكاملة.

– التمثيل : قد امتاز بالرّوعة، الإتقان والإبداع لا بل وقد قارب أداؤهما الاحتراف حيث جسّد الممثلان الأبعاد والأعماق والشّكلَ بشكل فنيّ، راقٍ ومميّز.

– المؤثرات الفنيّة:

• الإكسسوارات : المقصود “الجزدان” بما فيه من خلوي، زجاجة نبيذ وعدسات لاصقة، المجرفة وكومة من تراب، جاءت جميعها موفقة ومعبرّة عن مختلف المقومات.

 

• الدّيكور : عبّر عن مكان معزول في الطبيعة وقد تميّز بأشواك بريّة لتوضيح وتحديد المكان وبحفرة معدّة لدفن إحدى الشخصيتين وقد شُكّل بشكل جميل جدا هو الآخر ليعبّر عن شتّى الأبعاد والمكوّنات منسجما مع شكل المنصّة.

• إضاءة : أُستعملت على أصولها دون زيادة أو مبالغة لتعبّرعن الجو العام وعن الحالات الخاصّة وهذا جسّد سرَّ جمالها، منسجمةً مع الأبعاد النفسيّة والفكريّة وعلى مختلف الدقائق الزّمنيّة خلال دفن الشّخصيّة.

• الموسيقى : جاءت مناسبة جدا ومنسجمة هي الأخرى مع المكوّنات والعناصر والحالات المختلفة والجو العام، غير أنّني كنت أتنازل عن أغنيّة الاختتام ( وهذا ما ارتآه زملائي أعضاء لجنة التحكيم أيضا) فلم تضف أيّ بعد للعمل رغم جمالها وروعتها.

– الإخراج : وهو الرؤيا الشموليّة لجميع المكوّنات والعناصر، حيث تميّز هو الآخر بالدّقة والجماليّة بل شكّل مركز الإشعاع لجماليّة ومهنيّة كلّ مركبات العمل، وقد نزع إلى الإحتراف والتّكامل، كالسّمفونيّة التي تكاملت وتوازنت وتآلفت فيها كافّة التّسويات الموسيقيّة، ممّا أدّى إلى انتاج لوحة مسرحيّة فنيّة، راقية، إبداعيّة ومميّزة.

 

وقد يقول قارئ ما : ولَو … ألا يوجد جوانب سلبيّة في هذا العمل؟ فأقول : قد يكون ولكن وحدة الأثر الإيجابيّة التي تركتها المسرحيّة في داخلي، في داخل زملائي من لجنة التحكيم وفي الجمهور العريض تبقى الحكم الأساس في كلّ عمليّة نقد أي كانت.

أكتفي بهذه العجالة العامّة رغم أنّ المسرحيّة تحتاج إلى وقفة أكثر تفصيلا وتحديدا أتركها للجمهور الكريم عند مشاهدتها ليستمتع باستنتاجاته وتحليلاته الأمر الذي يعتبر جزءًا أساسيّا من قضيّة المتعة المسرحيّة.

وأخيرا أحيّي مسرح عيون – الجولان لتنميّة القرى العربيّة وطاقم العمل في المسرحيّة على هذا الإنجاز الفنّي المتألق.

_______________________

* ماهر فرّاج – الرّامة – مخرج مسرحي – عضو لجنة التحكيم في مهرجان “مسرحيد” عكا

+ -
.