شهادة حول فتح الطريق أمام الطلاب من الجولان المحتل للدراسة في جامعة دمشق عام 1977 – هايل أبو جبل

هايل أبو جبل

تتميز قرى الجولان العربي السوري المحتل بمجموعة من الصفات الإيجابية التي تعتبر مفخرة، من هذه الصفات نسبة عدد خريجي الجامعات في كافة المجالات وكليات الطب بشكل خاص.

عندما سقط الجولان تحت الاحتلال في العاشر من حزيران عام 1967 لم يكن هناك أي خريج جامعي من أبناء الجولان، مع العلم أأنه كان هناك العديد من الطلاب الجامعيين الذين لم يتخرجو بعد، وعندما افتتحت سلطات الاحتلال المدارس، ولتغطية النقص في عدد المعلمين، عيّنت العديد من طلاب الثانوي كمعلمين، الأمر الذي جعل الانتساب إلى الجامعات الاسرائيلية أمراً غير ملح، إضافة للصعوبات التي فرضها عدم الإلمام باللغة العبرية والتكاليف الباهضة التي لا تتناسب مع القدرة الاقتصادية للسكان.

في العام ١٩٧١، وبعد تخرج العديد من الثانوية، أصبح الأمر ملحاً للبحث عن حل، وكان ذلك من مسؤولية الحركة الوطنية، التي بدأت تتشكل بعد سيطرة الاحتلال على الجولان مباشرة.

إعلان

إعلان

تبين لنا ومن خلال تواصلنا مع إخوتنا في الداخل الفلسطيني أن الاتحاد السوفييتي يقدم منحاً لطلاب من كافة بلدان العالم، وعلمنا أيضاً أن طلاب فلسطينين من قطاع غزة والضفة الغربية يُسمح لهم بتلقي العلم في الجامعات السورية – يخرجون من بلداتهم في بداية السنة الدراسية ثم يعودون في العطلة الصيفية بلا أي معوق – هذا الأمر جعلنا نصب كل جهدنا على فتح الطريق أمام طلابنا ليخرجوا إلى جامعات الوطن لتلقى العلم ثم العودة.. وهكذا كان.

كيف حصل ذلك؟ هذه قصة مهمة، وسأسرد ما لي وللمجموعة التي أنتمي إليها من دور بالذي قمنا به (على أي شخص ومن أي مجموعة أخرى أن يروي عن الدور الذي قام به إن كان قد حصل).

في العام 1971 قام البعض منا بحث الطلاب على مطالبة الحاكم العسكري الإسرائيلي في الجولان المحتل بالسماح لهم بالذهاب إلى دمشق لتلقي العلم، وبعد أن توجه الطلاب إلى الفعاليات الاجتماعية عقدوا معهم اجتماعا، طالبين مساعدتهم بالضغط على الحاكم العسكري ليسمح لهم بالسفر، لكنه ماطل بالرد، وأخيراً وافق على لقائهم، وحين تم الاجتماع قال لهم أنه بإمكانكم الذهاب ولكن دون العودة فرفضوا ذلك.

بعد الرد السلبي، كان لامفر من التوجه إلى المؤسسات الدولية، وكانت المحامية الانسانة فيليتسيا لانغر، التي توكلت الدفاع عنا بعد اعتقالنا بعد المظاهرة التي قمنا بها يوم جنازة الرئيس جمال عبد الناصر، قد حددت لنا مواعيد مع مكتب منظمة اليونسكو ومكتب الامم المتحدة ومع مقر الصليب الأحمر الدولي. اجتمع الطلاب واختاروا من بينهم كل من نزيه يوسف الصفدي ويوسف شكيب ابو جبل واحمد خاطر. ذهبتُ معهم في الموعد المحدد وتوجهنا إلى المقار المطلوبة وشرحنا لهم وضعنا تحت الاحتلال وحاجتنا الماسة إلى التعليم الجامعي، لكننا لم نحصل على أي وعد بالمساعدة. طبعا كنا نتواصل مع السلطات في دمشق ونضعهم بالتفاصيل وأعلمناهم أننا وصلنا إلى طريق مسدود وأن الأمر يحتاج إلى تدخلهم لحسم الأمر.

في صيف عام 1972بعثنا برسالة إلى السلطات الوطنية في دمشق نعلمهم بها أن الامر يقتضي اللقاء الشخصي لبحث أمور هامة، فجاءنا الرد بالايجاب، وحُدد لنا موعداً في أواخر الشهر السابع. في اليوم المحدد انطلقنا أنا والعم شكيب أبو جبل والاخ أسعد محمد الصفدي، ليلاً بعد أن تأكدنا من عدم وجود دوريات إسرائيلة في منطقة العبور. وصلنا إلى بلدة حضر واجتمعنا مع مسؤول من جهاز الاستطلاع، وعندما طرحنا عليه الأمور التي نريد بحثها، ومنها قضية الطلاب، أجاب أنه غير مخول بالإجابة على مطلبنا، وقال أن الامر بحاجة إلى من لديه الصلاحية على الرد وفي موعد آخر.

عدنا بعد أن تأكدنا أن لا مؤشر على وجود كمائن ووصلنا إلى بيوتنا سالمين.

بعد حوالي الشهر تم تحديد موعد جديد، وكان في منتصف الشهر الثامن من عام 1972.في ذلك اليوم ذهبنا هذه المرة أنا والمرحوم أسعد محمد الصفدي والاخ رفيق صالح الحلبي ومعنا ايضاً المرحوم محمد صالح مرعي لشؤون خاصة تتعلق به.

وصلنا إلى مكان اللقاء وكان في انتظارنا من أصبح فيما بعد مدير المخابرات العامة اللواء حسن خليل، وأثناء النقاش رويت له، بناءًا على طلب من رفاقي، كل الجهود التي بُذلت من أجل السماح للطلاب للذهاب إلى دمشق، لكن دون جدوى، خصوصاً أن الحاكم العسكري وافق على خروج الطلاب لكن دون عودة، وهذ الأمر مرفوض من الطلاب ومنا، فكان رده أن كل جامعات القطر مفتوحة أمام الطلاب من الجولان وعليكم أن تخبروهم بذلك. قلت له نحن لا نستطيع ذلك، لأن هذا سيثير الشكوك فينا، وربما يتم التحقيق معنا من قبل السلطات الإسرائيلية عن مصدر معلوماتنا.. إذاً مطلوب اسلوب آخر… اقتنع وبعد تفكير قال: سوف نطلب من الدكتور محمد الفاضل، وهو رجل قانون معروف ورئيس جامعة دمشق، أن يوجه رسالة عبر كل وسائل الاعلام إلى ابناء الجولان المحتل، توضح لهم حقوقهم تحت الإحتلال، ومنها التحصيل الجامعي، وسوف نعلن عن هذا قبل موعد بث الحديث بايام ليتسنى للجميع سماعه.

ناقشنا أيضاً مواضيع اجتماعية ومواضيع تنظيمية والعلاقة مع رفاقنا النازحين، وأخذنا أجوبة إيجابية. تخلل النقاش بعض الاختلاف بالرأي، ولكن تم تجاوزه، وعند الوداع قبلني ورجاني أن اقبل راتباً شهرياً، لأنني وكما قال: أنا متابع وأعرف كم تتكلف.. فرفضت شاكراً…

انتهى اللقاء وأعادتنا سيارة إلى قرب منطقة ظهر الحداد المقابلة لمجدل شمس، ومن هناك عدنا عبر مواقع خطيرة جداً ووصلنا سالمين.

بعد عدة أيام أخذت وسائل الإعلام تبث حديث الدكتور محمد الفاضل، وبعد أن اطلع عليه معظم سكان الجولان اجتمع الطلاب المتابعين للأمر، وتم التوجه إلى منظمة الصليب الأحمر مزودين هذه المرة بالموافقة السورية على استقبالهم، لكن لم يمر وقت طويل حتى تم اعتقالنا من قبل الامن الإسرائيلي، فأخذ الأمر عدة سنوات حتى بدأ الطلاب بالذهاب إلى دمشق والانتساب إلى جامعتها.

أول دفعة خرجت من الجولان إلى دمشق في عام 1977، وآخر دفعة في عام -1981، فبسبب الإضراب الشهير الذي كان رداً على قانون ضم الجولان، ورفضاً له، قطعت سلطات الاحتلال الطريق، لكن أعيد فتحه في بداية التسعينات من القرن الماضي.

بعد إغلاق طريق الطلاب إلى جامعة دمشق، كان علينا أن نبحث عن بديل، وكان العنوان هذه المرة الاتحاد السوفييتي.. وهذه حكاية أخرى ستأتي قريباً…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

+ -
.