شهادة ممرّضة عن مجازر السويداء

نقلاً عن موقع درج

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

إعلان

توثق الكاتبة والطبيبة السورية نجاة عبد الصمد شهادات من مدينة السويداء التي ارتُكبت فيها مجازر في شهر تموز/ يوليو عام 2025، مجازر وانتهاكات تتهم الحكومة السورية و”فزعات” من العشائر العربية بارتكباها، هنا شهادة الممرضة س.ف من حارة “المقوس” في السويداء.

لم أكن مَن بادرتُ إلى س. ف لطلب شهادةٍ شخصيّةٍ منها عمّا حلّ بالسويداء بعد اقتحام عناصر من الأمن العام ووزارة الدفاع للمدينة منتصف تموز 2025، وفزعة العشائر التي تلته، ففي يوم 26 تموز، وصل إلى هاتفي مقطع فيديو قصيرٌ جداً، من رقمٍ لا أعرفه.

ظهر في الفيديو محافظ السويداء، مصطفى البكور، يتقدّم منه رجلٌ بشماغٍ على رأسه، ولا يظهر وجهه. كانت ثمّة شارة على كتفه (يقال إنها شارة فصيل”العصائب الحُمر”). والبكّور، الموصوف ببرودة أعصابه، يقول: أهلا يا حجّي…”. فجأةً يقطّب حاجبيه وينشغل بنزع الشارة الحمراء عن كتف الرجل، يُكوّرها في كفّه، ويُسلّمها إلى أحد مرافقيه، بينما يُذكّره الرجل بلهجةٍ بدوية: “الدولة الجديدة… أنا اللي كنت أول مبارح معك، خذوني معكم… أنا أموت قبليكم، روحي تفداكم…”، يعقّب أحد الحضور: “انغماسي… انغماسي… انغماسي…”!

شاهدتُ الفيديو، ورنّ هاتفي. جاءني صوت امرأةٍ ملهوفة، تُخبرني باسمها، “أنا س. ف.. بتتذكّريني؟!!” وينهمر حكيُها رشّاً لا دراكاً: “أمانة يا دكتورة اعطيني وقت واسمعيني… أمانة وصّلي صوتنا… الدمّ اللي غطّى أرض حارة المقوّس برقبة مصطفى البكّور ما غيرو، المجرم اللي بعثو الجولاني عالسويدا… وهذا البدوي اللي معه اسمه أبو باسل… جاري بالحارة، بيته حدّ بيتي شفته وسمعت صوته، صرت أضرب براسي، معقول؟! هذا كان رئيس لجنة المصالحة الوطنية بحيّ المقوس”.

س. ف ممرّضة، عملنا معاً لأكثر من عقدين، هي متفانية في مهنتها، وكفوءة مهنياً وأخلاقياً. منذ قرابة الأربعين سنة، تسكن س. ف في “حيّ المقوس”، التابع للجزء الشرقيّ من مدينة السويداء. خصوصيّة هذا الحيّ أنّ سكانه في غالبيتهم من البدو، وما بينهم تنتثر بيوت الدروز.

استقرّ البدو، وتعلّم بعض أبنائهم وبناتهم حتى الجامعة، ودخلوا في سلك الوظائف الحكومية. لكنّهم عموماً، كجماعة، لم يُغيّروا نمط حياتهم في تربية الأغنام والماعز، يرتحلون بها في أوّل الربيع إلى المراعي البعيدة، ويعودون إلى بيوتهم في آخره، أدناه الشهادة على لسان س.ف.

“نحن جيران عمر”

بيتي بين بيوتهم، نحنا جيران عمر، نتشارك في الحلو والمرّ والأفراح والأتراح، وأنا بالذات علاقتي فيهم غير… غير…كانوا يعتبروا بيتي مزار مفتوح إلهن كل الوقت لأنه كان مثل مستوصف خدمات طبية، وكنت شجّع بناتهم ليتعلّموا ودرّسهن عندي بالبيت… لكن تغيّروا معنا من يوم استلم الشرع.

صاروا كل يوم يقوّسوا بالحارة… هيك من غير سبب، ويشوفوا حالهم علينا ويتجنّبوا نلتقي مثل قبل، ومن أوّل شهر شباط/ فبراير الماضي، صرنا نلاحظ شي غريب: إنو بلّشوا يقطعوا بشجر السنديان حوالينا ويبيعوه… لحتى ما ظلّ شجر… ويكسّروا أحجار الرصيف والجزيرة المُنصّفة للشارع الرئيسي، ويقطّعوا كابلات الخدمات.. .وبلّشت تصير سرقات من بيوت بالحارة كلّ يوم، وما كانت قبل.

تشكلتْ لجان مصالحة وطنية في الأحياء كافة التي يتجاور فيها البدو والدروز، من أعيان الطرفين، لتتكفّل بإخماد أيّ خلاف بينهم، و في “حيّ المقوس”، تقول س.ف “ترأس لجنة المصالحة من البدو أبو باسل حسين سلمان البداح، ومن الدروز الشيخ أبو عصام جاد الله دلال”.

لم تُغيّر لجنة المصالحة شيئاً على الأرض. على العكس، صاروا يحتشدون، وتتفاخر نساؤهم أنّ أولادهن منتسبون إلى الأمن العام، و”يا ويل اللي بيحكي معهم”.

كان بعض أهل الحيّ قد غادروا منذ سنواتٍ إلى أرض “الشعاب” في منطقة “الأصفر” في البادية الشرقية، بدأوا يعودون ليستقروا. اثنان من بينهم، من أقارب مجلّي الكنيهر، تاجر المخدرات المعروف في حيّ المقوس، وبدآ بسرعةٍ عجيبة يبنيان بيتين فخمين جداً، بأسوار عالية تصل إلى مستوى سطح الطابق الأول، وتدخل إليها في الليل سيارات بضاعة، سنعرف لاحقاً، وبعد ترحيل البدو، أنها أسلحة.

كان من بين جيراننا البدو رجلٌ مختلّ العقل، اعتدنا على رؤيته يسير في الشارع كالمخمور، ويقول أيّ كلام… بدأت تتردد على لسانه عباراتٌ مثل: “والله لنذبحكن ذبح النعاج…”، وتعتذر نساء البدو عنه أنه: مجنون ويخرّف…!”.

منذ نحو منتصف شهر أيار/ مايو، انتبهنا أنّ كثيرين من عائلات البدو بدأت بتحميل أغراضها، ومعها الأغنام والأبقار… يُرحّلون النساء والأطفال، ويبقى الشباب والرجال. كانوا يرتحلون عادةً في أول الربيع من أجل المراعي، لكنّ فصل الربيع انتهى! انقبض قلبي. سألناهم: ليش رايحين من الحارة؟ أجابونا: لاقينا شغل بمزارع “أم ولد”، (وهذه قريةٌ في ريف درعا).

“أنتو بتقطشو الشهادتين”

من بينهم، كانت عندي صديقة بدوية، صداقتنا متينة، كأننا بيتٌ واحد، تظلّ تقول لي: زوجي ما بيسمح إلي فوت على بيت دروز غيرك. وكنا متعاهدتَين؛ إذا حدث خطر على الدروز من البدو راح تحميني ببيتها والعكس. حتى أنه لما بدأت الاعتداءات على الدروز وخطف بعضهم على أوتوستراد دمشق السويداء، وتحديداً عند حاجزٍ في منطقة “المطلّة” في ريف دمشق، عناصره من عشائر بدو اللجاة؛ حذّرتها: “ديري بالك لا تخلي ابنك ينزل عالشام… ابنك شب وحلو وبيفكروه من الدروز ويخطفوه…”، أجابتني: “نحنا منعرف ندبّر حالنا”.

حتى صديقتي تغيّرت. أولادنا أصدقاء. رأى ابني حالة واتس على هاتف ابنتها، عليها صورتان لأحمد الشرع، الأولى بالبدلة والكرافة بعد أن صار رئيساً، والثانية بزيّه الجهاديّ القديم، وقد كتبت تحتهما: (الشرع لمن اهتدى والجولاني لمن اعتدى)، ورأى حالةً على هاتف ابنها: (فداك أبي يا أبو محمد..).

جاءت صديقتي هذه إليّ لتستعير قفطاناً تلبسه ابنتها في عرس قريبهم، سألتها: “ليش انتو متغيرين معنا، نحنا جيران عمر وبعمرنا ما حكينا لا بالدين ولا بالسياسة؟” أجابت: “لأن انتو غير نحنا… انتو (بتقطشوا) الشهادتين، (يعني أنتم لا تكملون لفظ الشهادتين)، بتقولوا بس: أشهد ألا إله إلا الله، ما بتقولوا: وأنّ محمداً رسول الله!”، كم كان غريباً ما سمعتُه منها! أجبتها: “أنت بتعرفي إنو في ببيتي القرآن والحكمة سوى، ونحنا ننطق الشهادتين ونؤمن بالله وجميع أنبيائه…”، قالتلي: “لا! انتو (بتقطشوا) الشهادتين”.

بعدها علمتُ أنّ صديقتي رحلتْ مع بناتها إلى قرية أم ولد، ولم تودّعني حتى! بقي زوجها وابنها في بيتهم. قبل عيد الأضحى، رأى أولادي حالة واتسآب نشرها ابنها على هاتفه: يصلّي مع رفاقه في المسجد الأموي في دمشق، ثم صورته هو وشباب ورجال مجتمعون مع الأمن العام في فندق داما روز، ومعهم حسين البداح رئيس لجنة المصالحة. ثم أخبرتنا إحدى جاراتنا البدويات أنّ أيّام عيد الأضحى هي موعد دخول الأمن العام لإحلال النظام في السويداء. وتطمنّا يومها أنّ هذا الوضع المنفلت سيُضبَط أخيراً.

وكان في حارتنا حلفٌ قديم بين آل البداح والكنيهر ضدّ آل العنيزان، وكلّهم بدو. حصل بينهم خلافٌ داخليّ قبل أيّام من عيد الأضحى. تقاتلوا بالرصاص، وأحرق آل البداح والكنيهر بيوت آل العنيزان، وأجبروهم على الرحيل إلى درعا. ومن يومها عيّنوا “مجلّي الكنيهر” زعيماً لبدو حيّ المقوس. وربّما بسبب هذا الاقتتال تأجّل موضوع دخول الأمن إلى السويداء.

آل العنيزان، وبعد حرق بيوتهم وترحيلهم، أفشوا لنا سرّ الاتفاق بين الأمن العام والبدو: وزّعوا السلاح على البدو، واتفقوا معهم أنه، أول ما ندخل السويداء انتو من حارتكم تبلشوا تقتلوا الدروز، أي كل من يصادفكم، وكلما قتلتوا أهل بيت بيصير هذا البيت ملك للي قدر يقتل كل سكانه… لم نصدّقهم، فنحن جيران عمر !.

منذ أول تموز، لاحظنا أن البدو بدأوا يشترون المؤن بكميات كبيرة، على غير عادتهم. كنتُ أشتري خضاراً من دكان قرب بيتي، وكان أحد البدو يشتري بالدّين شوالات طحين… سكّر… كروزات دخان.. ويقول للبائع: “بدفعلك يوم الاثنين (أي 14 تموز)”، غادر البدويّ وقلتُ لجاري البائع: “كيف بتبيعه كل هالكميات بالدين؟”.

أجابني: “مش مشكلة، مرابحي محرزة من هيك بيعة، وهذول دفّيعة، وهذا يوم الاثنين قريب، خبّرني صاحب سوبرماركت كبير في الحارة، أنهن ع بيشتروا من عنده كمان، وراح يدفعوله يوم الإثنين 14 تموز… وتعرفي سليم اشتي تاجر كبير وما بينضحك عليه، اللي بيصير عليه بيصير عليي”.

يوم 11 تموز، انتشر في السويداء خبرٌ أنّ جماعة حاجز “المطلّة” على أوتوستراد دمشق السويداء أوقفوا تاجراً درزيّاً وضربوه وسرقوا سيارته المحملة بالخضار. إثر ذلك جرى خطفٌ متبادل بين جماعاتٍ مسلّحة من الدروز والبدو، وتدخّل وجهاءٌ من الطرفين وأُعيد جميع المخطوفين إلى أهلهم بعد يومين، نمنا ليلة 12 تموز على هدوء.

صباح الأحد 13 تموز، أفقنا على صياح البدو أنّ حلالهم انسرق!، تجمّعوا كلّهم وخرجوا على موتورات إلى حارة الطوّاليات غرب معمل السجاد، الأقرب من حيّنا إلى المدينة ويطلّ عليها. لكنّ الحلال عاد كلّه مع الرعيان مساءً إلى الحيّ.

الاثنين 14 تموز/ يوليو

قامت القيامة فجأةً؛ انطلق رصاصٌ كثيف من حارة الطوّاليات على بيوت الدروز. كنت لحظتها في بيت أهلي، المُلاصق لبيتي، انحبستُ عندهم ولم أستطع العودة إلى بيتي وقد تركتُ ابني وحيداً فيه. دخل البدو المسلّحون إلى بيت أهلي، طلبوا أن يحتموا فيه من الفصائل الدرزيّة، ونحنُ لم نرَ أيّة فصائل، أدخلناهم فعلًا، رأوني عند أهلي فخرجوا بعد قليل. تساءلتُ في نفسي: “هل أشاعوا خبر سرقة حلالهم أمس حجةً ليغادروا جماعةً إلى حارة الطوّاليّات ويتمركزوا فيها؟!” .

شاهدتُ بنفسي، من شبّاك بيت أهلي دوشكاياتٍ قرب الجامع، والبدو يصعدون بأسلحتهم إلى سطحه، وإلى سطح معمل السجاد، وإلى سطح بيت زعيمهم مجلي الكنيهر،كان بين كل مجموعةٍ منهم قنّاص، كذلك رأيتُ قنّاصاً قرب بيتي. لم أر درزيا واحداً على الطريق. كان دكان جاري مقفلاً.

رأيتهم يكسرون القفل ويسرقون سريعاً ما تيسّر ويشعلون الدكان. رأيتهم يسرقون موتورات الماء، ومستودعات المحلات، ثم باقي الدكاكين، وهم يتنقّلون ويكبّرون، وعلى جبينهم عصبات لا إله إلا الله… لا أذكر من البدو أنهم تمادوا في الأذى إلى هذا الحدّ من قبل، (وسنعرف بعد أيّام، أنّهم فعلوا كذلك في حي الحروبي وبرقشة والشقراوية، وكلّها أحياء بدو).

بقيتُ في بيت أهلي لا أجرؤ على قطع الشارع فقط للعودة إلى بيتي. تتصل جارتي لتطلب العون، كانت تصيح مرعوبة: “إبني ابني… دقّت على بابنا فلانة، البدوية، وهي تنادي زوجي بالاسم، فتحنا لها الباب كجارة عمر، وكان خلفها زوجها وابنها، فوراً أطلقوا النار على ابني، (اسم ابنها زيد دلال 14 عاماً)، ابني ينزف من رأسه… ما بعرف ليش قوسّوه! ما عملنالهم شي…”.

ست ساعات وأنا أحاول الاتصال بالإسعاف إلى أن ردّوا أخيراً: لا نستطيع الصعود إلى حيّكم بسبب القصف والقنّاصين… وكان زيد قد مات. أخيراً وصل إلينا 7 مقاتلين من الفصائل الدرزية. أطلق البدو النار على أولهم، أصابوه في رجله فوقع، أخذوه إلى بيتهم مقابل بيتي، سمعنا أصوات ضربهم له حتى مات، رأيتهم يرمونه إلى حاكورة بيتي والدم يغطي رأسه (بقيت جثته مرمية سبعة أيام)، وقنصوا آخر كان لائذاً خلف الدرج. وحين قتلوا الثالث، احتمى باقي المقاتلين عندنا في بيت أهلي، وبقينا لا نجرؤ على التحرّك، فلم يتوقف صوت الرصاص طوال الليل.

صباح الثلاثاء 15 تموز/ يوليو

رأيتُ رتل رجالٍ يرتدون زيّ الأمن العام، بعيوني شفتهم من الشباك، 6 دوشكايات وحوالي 20 موتور، دخلوا على حارة الطواليات، قرب معمل السجاد. تركوا السلاح للبدو ونزلوا بسياراتهم باتجاه السويداء.

لم أجرؤ على العودة لجلب ابني من بيتي ليبقى معي. كانت في بيت أهلي قنبلة، فقد تزوّد معظم الناس عندنا بأنواع مختلفة من الأسلحة الخفيفة. وضعتُ القنبلة تحت ثيابي وخرجت من الباب الخلفي لبيت أهلي إلى جارنا البدوي، بدأت أصرخ فيه بلا وعي: “هلق بتروح تجيبلي إبني أو بفجّر حالي فيي وفيكن… “وعلاقتي ببيت هؤلاء جيدة. هدّأني الرجل وأجرى اتصالاته مع الرجال كيلا يطلقوا علينا النار. قال لي: “روحي الطريق أمان!” قلت له: “والله ما بروح غير تيجي أنت معي، هلق بيقوّصوني”.

ذهب معي وعدنا مع ابني. صرنا كلنا في بيت أهلي. بقينا فيه سبعة أيام، لا نجرؤ على الخروج، أطبخ المجدرة وأقلي الخبز المعفّن وأضعه فوقها ليأكلوا… حُبسنا هكذا حتى انسحبوا كلهم؛ الأمن العام ثم فزعة العشائر التي هجمت على السويداء بعد انسحابه. وكانوا قد رحّلوا بدو حيّنا بالباصات.

خرجنا أولاً لنغطّي جثة الشاب المرمية في حاكورتي. وكم اكتشفنا في حارتنا من قتلٍ ونهب وإهانات؟ أخرجوا سليم اشتي، المسنّ، صاحب المتجر الأكبر في الحيّ، ربطوه على كرسيّ إلى أن سرقوا بضاعته أمامه، (وهو الذي ينتظر منهم سداد ديونهم السابقة له في هذا اليوم بالتحديد)، ثم قتلوه.

جاء إلينا جارنا سليمان صالح العفلق، درزيّ. أخبرنا عن عائلته وهو جريح: حين بدأ إطلاق النار والتكبيرات، ناداه جاره البدويّ س. ن. قائلاً:

“راح تهجم الهيئة عليكم، تعال لأخبّيك عندي، فوت لجوّا وأنا رايح جيب مرتك وولادك وخبّيهن معك. صدّقته. احتجزني في غرفة تطلّ على منزلي وخرج. عاد يقول لي أمّننا أولادك أخذنالك إياهن على بيت أختك. صار قلبي يغلي. غافلته وخرجت، كان دويّ الرصاص يطرم أذنيّ، توجهتُ شرقاً باتجاه بيت أختي. لاقاني بدو الحارة، غطّوا لي رأسي وحطوني بسيارة بيكآب. على الطريق صار إطلاق نار على السيارة فتوقفتْ، يمكن رصاص بالدولاب. قفزت منها وهربت. رجعت لبيتي وحواليي رصاص طول الطريق، لاقيت زوجتي غالية يوسف العفلق وإبني ينال وبنتي داليا مقتولين بالبيت بطلقات بالراس، والبيت مسروق…”.

بعد انسحابهم، دخل الدروز إلى بيوت البدو، وجدوا بطاقاتٍ أمنية تقريباً في كلّ بيت، وحبالاً مربوطة على شكل مشانق، يمكن كانوا محضّرينها إلنا، وجدوا كميات هائلة من السجاد والموكيت، كانت سُرقتْ من المعمل القريب منا، وجدوا مخدرات وأسلحة بكميات هائلة، بخاصة في البيتين الجديدين لأقارب زعيمهم مجلّي الكنيهر وفي بيت رجلين من آل البداح وآل أبو ثليث. لا أظنّ أنّ جرحنا مما فعلوه بنا قد يشفى مع الزمن!

نفس اللي صار بالساحل السوري… الله يعين أهل الساحل شو مرّ عليهن…

أنا لم أمت. نعمة كبرى أنني حيّة، ربما لم يقتلوني لأنهم يحفظون لي الجميل. لكنني، وبعد رؤيتي لهذا الفيديو أصدّق بالتأكيد ما أشاعه لنا آل العنيزان، البدو الذين رحّلوهم إلى درعا، حول الاتفاق بين الأمن العام والبدو على قتل الدروز، فهذا جارنا ح. س. ب، رئيس لجنة المصالحة ويرتدي شارة (العصائب الحمر)، وهو نفسه الذي ظهر مع الشباب أبناء جارتي في صورتهم في فندق الداما روز في دمشق.

لا تزال السويداء محاصرة. تعمل س. ف الآن في “مركز الاستجابة” لمتابعة علاج الجرحى. استحدثوا هذه المراكز في كل حيّ بسبب فقدان إمكانية التنقّل، وخروج المستشفى الوطنيّ عن الخدمة. كُلّفتْ ممرضات كل حارةٍ بمراقبة جروح المصابين من أهلها، كثيرون منهم تمّ بتر أطرافهم بعد إصابتها، ولم تتوافر أدنى الإمكانات لإجراء جراحاتٍ تصنيعية لتجنّب البتر، سيمضون باقي عمرهم بلا يدٍ أو رِجل، وغالباً لا يتوافر سوى الخلّ لتعقيم جروحهم، لا مطهّرات، لا ضماد، حتى الشاش الطبيّ مفقود…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

+ -
.