طحال اصطناعي يزيل الجراثيم من الدم

 

من أبرز ضحاياها، الممثل كريستوفر ريف والبابا يوحنا بولس الثاني والشاعر البريطاني روبرت بروك الذي توفيّ جرّاء التهاب لدغة بعوضة على شفّته. إنّه مرض «تعفّن الدم» Sepsis الذي لا يزال إحد الأمراض المميتة عالميّاً. ويشير المرض إلى انتشار ذريع للجراثيم، خصوصاً البكتيريا، في الجسم والدم، بطريقة لا يتمكّن الجسم من مقاومتها، ما يؤدّي إلى الوفاة بتأثير سموم الجراثيم ومضاعفاتها.

وأخيراً، توصّل باحثون أميركيّون إلى طريقة جديدة لمعالجة ذلك المرض المميت، تعتمد على جهاز يتولّى فصل الجراثيم عن الدم.

ويعتبر الوقت عنصراً مهماً في علاج «تعفّن الدم» الذي يؤدي إلى فشل عمل أعضاء أساسيّة في الجسم، ما يسبّب الوفاة في غضون بضع ساعات. وساعدت إجراءات طبيّة متقدّمة، خصوصاً معالجة المرض في وقت مبكّر باستخدام مضاد حيوي واسع المفعول يقضي على جراثيم مختلفة، إلى تقليص نسبة الوفيات من المرض في السنوات الأخيرة.

لكن، لم يتوصّل العلماء بعد إلى دواء يعالج «تعفّن الدم». ولذا، أراد دونالد إنغبر، وهو خبير في علم بيولوجيا الخلايا والهندسة الوراثيّة، في جامعة هارفرد وزملاؤه اختبار علاج مختلف لـ «تعفّن الدم» يرتكز الى تقنية إزالة الجراثيم وسمومها من الدم. وكانت تركيبة الطحال الطبيعي توجّه عمل الباحثين، لا سيّما أنّ هذا العضو يؤدي دور الـ»فلتر» الذي يصفّي الدم من مسبّبات المرض والسموم، حينما يعبر ممرّاته الضيّقة.

 

أثر المغناطيس

وبدا الفريق بحاجة إلى إيجاد طريقة لالتقاط الجراثيم. فعمد إلى كسو خرزات مغناطيسية بأجزاء من بروتينات طبيعيّة تنتسب إلى الأجسام المُضادة التي تحارب الجراثيم، خصوصاً تلك التي تلتصق مباشرة بالجراثيم. وأظهر إنغبر وزملاؤه أنّ الخرزات اللاصقة قادرة على التقاط مجموعة من الجراثيم في أنابيب الاختبار.

وبعد معالجة ذلط التحدّي الأساسي، استعدّ الباحثون لتصميم بقيّة الجهاز. فابتكروا جهازاً يحتوي على رقاقات إلكترونيّة فائقة الصغر، مع العلم أنها تعمل كآلة غسل الكلي. وحين يدخل الدم إلى الجهاز، يمرّ عبر شبكة من 16 قناة مؤلّفة من الخرزات المغناطيسية التي تلتقط الجراثيم.

ومع تدفّق الدم إلى الجهاز، تجمع الخرزات الجراثيم والسموم. وفي مرحلة تالية، ترفع الخرزات مع ما علق بها من جراثيم وسموم، ثم تمرّر في قنوات تحتوي محلولاً ملحياً يعمل على تنقيتها، قبل أن تعود إلى أداء دورها الأول، وهكذا دواليك.

واختبر الباحثون جهازهم باستخدام عينات دم من متبرعين، ثم تلويثها بالجراثيم. ووجدوا أنّ ترشيح الدم عبر الجهاز خمس مرات يؤدّي إلى إزالة 90 في المئة من الجراثيم. بعد ذلك، كرّر إنغبر وفريقه التجربة عينها على فئران بهدف قياس فاعلية النظام. في غضون ساعة، أزال الجهاز 90 في المئة من الجراثيم من دم الفئران. ووضع الفريق تلك النتائج على شبكة الإنترنت عبر موقع «نايتشر مديسن»Nature Medicine.

وبهدف معرفة قدرة عملية ترشيح الدم على إنقاذ المصاب بـ «تعفّن الدمّ»، عمد الباحثون إلى ضخّ سمّ جرثومي قاتل في فئران مخدّرة، ثم عالجوها بالجهاز الذي يشبه طحالاً اصطناعيّاً. وفعلوا الأمر نفسه في مجموعة اخرى، عولجت من «تعفّن الدم» بطرق تقليدية.

وتوفي 80 في المئة من المجموعة الأخيرة من الفئران، خلال 5 ساعات. وفي حين انخفضت النسبة إلى 11 في المئة في المجموعة التي عولجت عبر ترشيح الدم في الطحال الاصطناعي.

وأشار إنغبر إلى أنّ الخرزات لا تلتصق بكل أنواع الجراثيم المعدية، إلا أنها ساعدت على التعرّف إلى تفاصيل في طريقة تسبّب الميكروبات بمرض «تعفّن الدم». ويعقد العلماء الأمل على أن يتمكّن الجهاز نفسه من العمل بفعاليّة في مواجهة أنواع من الميكروبات تتضمّن فيروسي «إيبولا» والإيدز، بل أنه ربما ساعد على مكافحة بعض أمراض المناعة الذاتيّة أيضاً.

+ -
.