هناك عادات سلوكية سيئة ترافق الطفل، قد تكون عابرة وسرعان ما تزول، لكنها في المقابل قد تنمو وتترعرع معه كلما زاد عمره، لتصبح مترسخة تؤثر في حياته وتسبب إحراجاً للأهل لعدم قدرتهم على إقناعه بتركها، وإحراجاً للطفل نفسه، لأن عادته السيئة تجعله محط سخرية من الآخرين، فضلاً عن الشعور بالعجز المستمر، لأنه لا يستطيع ضبط أفعاله.
وهناك عوامل كثيرة تدفع الطفل الى اكتساب عادات سيئة، أبرزها الحرمان العاطفي والمادي، وعدم تلبية احتياجاته من رعاية واهتمام وغذاء، والغيرة، وأسلوب الضرب، والتخلف العقلي، والاضطرابات النفسية، والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية. ويعتبر الوحم (التهام أشياء غريبة) إحدى العادات السيئة التي يبتلى بها الطفل، إذ تراه يلتهم أي شيء تطاوله يداه، بدءاً بالتراب والفحم والطبشور والصوف، مروراً بالخرق البالية وشظايا الخشب وورق الجدران ورؤوس أعواد الثقاب وأعقاب السجائر ورمادها، وانتهاء بالأصباغ والحشرات والديدان والفضلات والمياه الملوثة وماء الاستحمام.
إن الطفل دون السنتين يرفع الأشياء ليضعها في فمه، وهذا أمر عادي لأن فم الطفل في هذه المرحلة يعتبر صلة الوصل الوحيدة بينه وبين العالم الخارجي. ويلجأ الطفل الى هذه الوسيلة ليتعرف إلى الأشياء ويستطلع ماهيتها. في المقابل، إذا استمرت هذه العادة معه بعد السنة الثانية من عمره، فعندها تعتبر عادة سيئة، ولا بد من معرفة الدوافع التي قادت الطفل الى هذا السلوك الشاذ.
وتنتشر عادة الوحم لدى أطفال الطبقات الفقيرة التي تتفشى فيها الفوضى وقلة الانضباط والإهمال وفقدان الرعاية والحنان وسوء التغذية. وقد تتلازم عادة الوحم مع عادات سيئة أخرى تزيد الطين بلة. وحتى وقت ليس ببعيد كان العلماء يعتقدون أن الوحم يترافق دوماً مع الإصابة بفقر الدم، لكن تبين للباحثين أنه مجرد اعتقاد خاطئ، وأن تلازم الاثنين معاً هو محض صدفة، لا أكثر ولا أقل.
وقد يترتب على تناول الأشياء الشاذة إصابة الطفل بالتسمم، خصوصاً التسمم بمادة الرصاص الموجودة في الأصباغ والدهانات، أو التعرض للالتهابات بسبب تناول المواد المتعفنة والملوثة بالميكروبات الضارة، وفي الحالتين تكون نوبات الإسهال والتقيؤات وفقر الدم من العناوين البارزة.
ما هو الحل؟ تجب مراقبة الطفل عن كثب ومنعه من الاقتراب من المواد الضارة والقذرة لئلا يلتهمها، وتدريبه على عدم التقاط الأشياء من الأرض، وتحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي للعائلة، وعرض الطفل على الطبيب لوضع مقاربة تشخيصية علاجية ونفسية إذا احتاج الأمر.
أما العادة السيئة الأخرى، فهي نطح الرأس الكثيرة الانتشار عند الأطفال. ونظراً الى حركة الطفل الدائمة والمستمرة فإنه قد يضرب رأسه صدفة بشيء ما صلب، مثل طرف الطاولة أو المقعد أو الأرض أو الحائط، وهذا يعد حادثاً عرضياً. في المقابل إذا كان الطفل ينطح رأسه بأشياء صلبة بشكل روتيني متعمد ولمرات كثيرة ومتكررة وعلى مدار الساعة، فإن هذا يُعد بلا شك عادة سيئة. وقد لا يسبب خبط الطفل لرأسه بأشياء صلبة أي علامة من علامات التذمر، بل تبدو عليه مظاهر الرضا والراحة.
وينطح الطفل رأسه بمعدل ثلاث مرات أكثر مقارنة مع الطفلة. وتبدأ عادة نطح الرأس السيئة مع بلوغ الطفل شهره التاسع، وقد تلازمه الى أن يصبح في عمر السنتين تقريباً، وقد تستمر هذه العادة مع الطفل أشهراً أو سنوات، إلا أن الغالبية تتخلص منها قبل سن الثالثة.
وقد وجد اختصاصيون تبريرات للجوء الطفل إلى خبط رأسه، منها تهدئة النفس رغبة في النوم، أو لتخفيف الآلام الناتجة عن التسنين أو التهاب الأذن، أو بهدف توجيه رسالة الى الأهل ليهتموا به، أو وسيلة يعبر فيها الطفل عن غضبه وإحباطه، أو ربما بسبب مشاكل في النمو، أو بكل بساطة بسبب الحفاض المبلل.
وكثيراً ما يلجأ الطفل الى النطح لحظة وضعه في السرير، فنراه يخبط رأسه في المخدة أو الفراش أو جوانب السرير ما يسبب للأهل قلقاً شديداً، وقد يتمادى الطفل في فعلته أكثر فأكثر عندما يقوم والداه بفعل شيء ما لإيقافه عن ممارسة عادته، خوفاً عليه من تعرضه للأذى، مثل ارتجاج الدماغ والجروح ونزف الدم. ويمكن القول أن عادة نطح الرأس ليست مضرة، لكن هناك بعض الحالات النادرة التي أصيب فيها الطفل بالماء الأبيض في العين (الساد) في مرحلة البلوغ والمراهقة.
ما الحل؟
لا يوجد دواء لعلاج عادة نطح الرأس، لكن لا بد من القيام بعدد من الخطوات الهامة على هذا الصعيد، مثل إيلاء الطفل العناية والاهتمام اللازمين، وعدم اللجوء الى أساليب التعنيف والعقاب والتوبيخ لأنها ليست عقيمة وحسب، بل قد تعزز سيره على طريق التشبث بعادته السيئة. أيضاً يجب اتخاذ كل ما يمكن لحماية رأس الطفل، سواء في السرير أم خارجه، خصوصاً الأشياء الصلبة والحادة، كالمسامير والبراغي. وإذا كان الطفل يجد متعة في نطح رأسه فحبذا لو تم توجيهه لممارسة هوايات أخرى مفيدة، مثل التصفيق، والتطبيل، والرقص وغيرها من الهوايات. أما إذا لم تجد هذه النصائح نفعاً، وفي حال استمر الطفل في نطح رأسه بوتيرة مستمرة أثناء النهار فعندها لا بد من استشارة الطبيب.
تبقى عادة سيئة ثالثة هي نكش الأنف، فهذه العادة هي من أبشع العادات على الإطلاق، وهي منتشرة على نطاق واسع ليس عند الصغار وحسب بل عند الجميع في مختلف مراحلهم أعمارهم. لا شك في أن رؤية الطفل وهو ينكش أنفه بإصبعه تعتبر منظراً مقززاً، خصوصاً عندما يعمد إلى إدخال الإصبع في الفم. ويعتقد أطباء من المعهد الوطني الهندي للصحة العقلية والعصبية بأن معظم العادات السيئة التي تلازم الكبار هي من مخلفات الطفولة. ولا تثير عادة نكش الأنف الاشمئزاز وحسب، بل قد ينتج عنها بعض العواقب مثل الرعاف (النزف من الأنف) وانثقاب الحاجز الأنفي، والتقاط الالتهابات الميكروبية.
ما الحل؟ لا بد من التركيز على فكرة إبقاء يدي الطفل مشغولتين بأمور مفيدة تلهيه عن ممارسة عادته، مثل استعمال لعبة أو كرة مطاطية أو كتاب وما شابه ذلك. كما يجب تدريب الطفل على استعمال المحارم الورقية وحضه عليها كلما رغب في نكش أنفه.
doctor.anwar@hotmail.com