عبد ربه يكشف تفاصيل خطة كيري

كشف أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه تفاصيل أفكار وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وقال في مقابلة أجرتها معه «الحياة»: «إن الخطة قائمة على اعتراف الفلسطينيين بإسرائيل دولة يهودية، وإقامة عاصمة لفلسطين في جزء من القدس الشرقية، وحل مشكلة اللاجئين وفق رؤية الرئيس الأميركي السابق بيل كلنتون، وبقاء الكتل الاستيطانية تحت سيطرة إسرائيل، واستئجار المستوطنات الباقية، وسيطرة إسرائيل على المعابر والأجواء، ووجود قوات رباعية أميركية – إسرائيلية – أردنية – فلسطينية على الحدود، وحقها في المطاردة الساخنة في الدولة الفلسطينية».

وقال عبد ربه: «إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو رفض هذه الأفكار لأنه يريد اقتطاع ما شاء من الأرض، ويرفض فتح ملف القدس، ولا يقبل بمشاركة أي جهة له في الأمن، حتى لو كانت أميركا». وأوضح: «هذه الأفكار، في الجوهر، لم تكن مقبولة. كنا واضحين في هذا الشأن، سواء لجهة عدم قبول ما يسمى الوطن القومي للشعب اليهودي في إسرائيل، أو إسرائيل الكبرى بمفهوم نتانياهو، ما يؤكد تقديرنا أنه (نتانياهو) يريد إعطاء شرعية، ليس فقط للرواية التاريخية الصهيونية، ولا لعملية الطرد التي حصلت للفلسطينيين عام 1948 فقط، وإنما للاستيطان الجاري حالياً باعتباره عملاً مشروعاً ومقراً في أرض إسرائيل الكبرى».

وعن الترتيبات الأمنية، قال: «هناك حديث عن ترتيبات أمنية ومقاييس لهذه الترتيبات التي ستدوم سنوات طويلة، وهذه المقاييس مرهونة بما يسمى تحسن الأداء الأمني الفلسطيني الذي ستحكم عليه إسرائيل في نهاية المطاف، في ما إذا كان وصل إلى المستوى الذي تريده أم لا، على رغم أن الأميركيين يؤكدون أنهم سيكونون حاضرين ومشاركين في عملية تقويم الأداء الأمني للفلسطينيين كي تقوم إسرائيل بإخلاء بعض المناطق، خصوصاً منطقة الأغوار».

وعن الاستيطان، قال: «كذلك الكتل الاستيطانية الكبرى، فالكثير من المستوطنات الكبيرة المنفردة هي كتل استيطانية بالمفهوم الإسرائيلي. وسمعنا أقاويل بأن إسرائيل تريد استئجار ما تبقى من المستوطنات التي لا تنتمي إلى الكتل الاستيطانية لمدى زمني طويل، أو بقاء هذه المستوطنات في الدولة الفلسطينية مع احتفاظ أصحابها بالجنسية الإسرائيلية، وهو ما يعني أن يكون لهم وضع مميز وخاص في قلب الدولة الفلسطينية».

وتابع: «والقدس من وجهة النظر الإسرائيلية تبقى تحت السيطرة الإسرائيلية وغير مقسمة، وهناك حديث غامض عام عن مطامح الفلسطينيين بأن تكون لهم عاصمة في القدس. والقدس وفق المخطط الإسرائيلي تمتد من ضواحي رام الله إلى أبواب بيت لحم، وصولاً إلى مشارف الأغوار، الأمر الذي يمكن أن يعني في أحسن الحالات اختيار أي موقع في أبو ديس أو في كفر عقب وتسميته عاصمة».

وأضاف: «بالنسبة للاجئين، فإن الحديث يدور عن الخيارات الأربعة الواردة في وثيقة كلينتون، والتي من بينها عودة عدد محدود من الفلسطينيين إلى إسرائيل وفق القانون الإسرائيلي».

وقال: «علاوة على ذلك، هناك ترتيبات أمنية إسرائيلية على رؤوس الجبال وفي الأجواء، وغير ذلك من الترتيبات مثل حق المطاردة الساخنة لإسرائيل في الدولة الفلسطينية في حال شعور إسرائيل بأي خطر، أي أن عناصر السيادة كلها تم تفكيكها إلى حد محوها، وعناصر الوحدة الجغرافية كلها للدولة الفلسطينية تم تمزيقها».

وعن الموقف الفلسطيني من هذه الأفكار، قال: «هذه الصيغ لا يمكن أي قيادة فلسطينية أن تقبلها، ولدينا معلومات ومؤشرات إلى أن نتانياهو رفضها بالكامل. فهو لا يريد أي علاقة للفلسطينيين بالقدس، ولا يريد عودة أي لاجئ. لا يريد أي وجود مشترك، أميركي أو غير أميركي، في أي ترتيبات أمنية في الأغوار، حتى لو كان هذا الوجود تحت السيطرة الإسرائيلية الأمنية الكاملة والمنفردة. وهو يريد من الناحية الأمنية أن تكون السيطرة إسرائيلية، وأن يكون القرار إسرائيلياً، وأن يكون الحكم على الأداء الفلسطيني إسرائيلياً، أي أن يكون الخصم والحكم، ونحن جربنا ذلك، حتى إننا جربنا صيغاً أفضل من ذلك مع جداول زمنية، وقامت إسرائيل بتعطيلها والقضاء عليها».

وأردف: «في ظل ذلك، يقال إنه يمكن الشعب الفلسطيني أن يحصل في إطار التسوية على مساحة الضفة الغربية ذاتها التي كانت عليها عام 1967 مع تبادل للأراضي. وأنا لا أعرف كيف يمكن ذلك مع اقتطاع كتل استيطانية ومستوطنات ومناطق أمنية وجدار عازل في الناحيتين الشرقية والغربية من الضفة الغربية، والذي يمكن تخيل أنه يمكن أن يصل إلى ثلث الضفة، فكيف يمكن تخيل أنه يمكن إجراء تبادل، وفي أي مناطق من داخل إسرائيل؟ هذا أمر مستحيل».

وعن اقتراح إسرائيل إجراء تبادل سكاني بين المستوطنين وعرب المثلث، قال: «طبعاً، العبقرية العنصرية الإسرائيلية تخترع أفكاراً من نوع تبادل مناطق مع سكانها. نحن كنا حاسمين وقاطعين بأننا لا يمكن أن نقبل بأي تبادل سكاني. هؤلاء ليسوا مستوطنين، أبناء الأرض في الداخل ليسوا مستوطنين، لم يأتوا بفعل غزو خارجي، ليسوا مهاجرين من أي مكان. أصحاب الأرض لا يمكن أحداً أن ينازعهم على مكانهم. حتى من زاوية القوانين الإسرائيلية، وليس فقط من زاويتنا، كيف يمكن مبادلة سكان إسرائيليين في مقابل سكان إسرائيليين، إلا إذا اعتبروا السكان العرب مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة ولا يملكون الحقوق ذاتها، وهذه نزعة عنصرية تامة. هم يريدون تطهيراً عرقياً للسكان أكثر مما يريدون تحقيق تبادل للأراضي».

وقال: «هذا هو الإطار الذي كانت تدور معظم الأفكار حوله. لم نتلق وثيقة رسمية بهذه الأفكار، بل كان هناك نقاش وحوار يدور في شأنها. وهذه الأفكار سربتها إسرائيل بطريقة أو بأخرى».

وفي تفسيره لقيام إسرائيل برفض هذه الأفكار، قال عبد ربه: «لم يكن مدهشاً بالنسبة إلينا أو مستغرباً أن ترفض إسرائيل حتى هذه الأفكار، لماذا؟ لأنها تريد أن تقتطع ما تشاء من أراضي الضفة، وتريد أن تبقى لها السيطرة الأمنية التامة على الضفة بأسماء وأشكال مختلفة، مثل مناطق أمنية، والتدخل الساخن، أو باسم حماية المستوطنات المستأجرة وكل شبكة الطرق المؤدية إلى هذه المستوطنات».

وزاد: «نحن أمام استعصاء فعلي، ولسنا أمام خيارين، خيار القبول بصيغة من هذا النوع أو رفضها، حتى إننا لسنا أمام خيار تعديل هذه الصيغة، لأن أي تجميل لها بواسطة تحسين اللغة من دون المس بجوهر الصيغة ذاتها سيؤدي بنا إلى كارثة».

واستبعد تعرض الفلسطينيين إلى لوم من الجانب الأميركي في حال فشل خطة كيري، وقال: «حملة اللوم لم تعد تعنينا ولا نأخذها في الحساب السياسي، فمن يريد لومنا على أننا نريد دولتنا على حدود عام 1967، ونريد القدس الشرقية عاصمة لنا، ونريد حلاً عادلاً ومتفقاًَ عليه لقضية اللاجئين؟».

وعن الخطأ الذي وقع فيه كيري ليقدم أفكاراً غير مقبولة للطرفين، قال عبد ربه: «كيري حاول أن يبذل أقصى جهده من أجل الوصول إلى صيغة يمكن أن تأخذ في الاعتبار مصالح الطرفين ومواقفهما. لكن، في الوقت نفسه، يبدو أنه قرأ الموقف الإسرائيلي في البداية والتطمينات اللفظية العامة والغامضة والملتبسة التي يقدمها نتانياهو لكل من يلتقيه، قرأها في شكل ما، وعندما دخل في التفاصيل الملموسة، بدأ يكتشف أن بين الأفكار العامة والموقف الإسرائيلي على حقيقته هناك، عالمين مختلفين».

وقال: «إن نتانياهو استدرج كيري لبحث موضوع الأمن أولاً، وإن الأخير وافق على ذلك معتقداً أنه سيؤدي إلى كسر حاجز كبير في المفاوضات، ويتم فتح الطريق أمام مناقشة بقية القضايا، ليتم اكتشاف أن الإسرائيليين يريدون من خلال الأمن تبرير مطامعهم التوسعية، واستخدام الأمن غطاء لتحقيق هذه المطامع، وبالتالي وصلنا إلى الاستعصاء الراهن».

+ -
.