
بقلم: سليم بريك *
منذ سنوات الثلاثين، فكّرت الحركة الصهيونيّة في نقل الدروز من منطقة الكرمل والجليل إلى جبل الدروز في سوريا. كانوا يخطّطون لتحقيق ذلك بموافقة الدروز، مقابل تعويضات مالية وشراء أراضٍ لهم هناك. خلال سنوات الأربعين، تغيّرت هذه الفكرة إلى خطّة لإنشاء دولة درزيةّ عازلة تفصل بين إسرائيل وسوريا ولبنان. كانت الفكرة أن تربط هذه الدولة بين الجليل والجولان وصولًا إلى جبل الدروز، بحيث تكون كيانًا خاضعًا لسيطرة إسرائيل. وقد أشار قادة إسرائيليون إلى أنّ تفريغ الجولان من المواطنين السوريين والإبقاء على الدروز كان يهدف تحديدًا لهذا الغرض.
كان يغئال ألون، أحد أبرز المنظّرين الصهاينة، من أكثر المتحمسين لتنفيذ هذه الخطّة في أوائل السبعينات، وهي إقامة دولة درزيّة عاصمتها السويداء ونظرًا لكثرة حديثه عنها أطلقوا عليها لقب “هَوَس السويداء”، والّتي ستشكل حاجزًا بين إسرائيل وسوريا.
اليوم، ومع سقوط نظام الأسد وصعود نظام إسلاميّ مدعوم من دول ذات أجندة إسلاميّة مثل تركيا وقطر، يبدو أنّ إسرائيل تفكّر مجدّدًا في إقامة كيان عازل مشابه.
في عام 2015، تعرّض الدروز في الجولان السوريّ لمجازر واضطهاد على يد جماعات إسلاميّة متطرّفة مثل جبهة النصرة، الّتي ينتمي إليها الحاكم الحالي أحمد الشرع. وفي عام 2018، وقعت مجازر أخرى ارتكبتها داعش في السويداء وقلب لوزة، وربّما تمّت بدعم من نظام الأسد، الّذي سعى إلى إضعاف الدروز في منطقة السويداء. واليوم، يلوّح خطر مماثل في الأفق، خصوصًا في القرى الحدوديّة القريبة من إسرائيل.
كانت سياسة التعامل مع الأقلّيات دائمًا جزءًا أساسيًّا من الاستراتيجيّة الصهيونيّة منذ تأسيس الحركة الصهيونيّة وحتّى اليوم. فقد استُخدمت سياسة تأجيج التوتّرات بين الأقلّيات والأغلبية كأداة فعّالة في السياسة الإسرائيليّة، كذلك الأمر في المناطق النائيّة الّتي استخدمت فيها هذه السياسة، مثل دعم الأكراد في العراق أو الأقلّيات الدينيّة في إفريقيا. كما طُبّقت هذه السياسة أيضًا داخل الدول ذات التوتّرات العِرقِيّة والطائفيّة مثل سوريا ولبنان، وكذلك داخل المجتمع الفلسطينيّ في إسرائيل.
ماذا تعني تصريحات نتنياهو؟
هل تعبّر تصريحاته عن عناق المحبّ الّذي يعبّر عن امتنانه للدروز الّذين يقاتلون من أجل إسرائيل ويُضحّون أكثر من اليهود أنفسهم نسبيًا؟ هل هو قلق بالفعل على سلامة الدروز في سوريا، ويُصدر هذه التصريحات استجابةً لمطالب زعماء دينيين دروز في إسرائيل ؟ هل فَكّر في تداعيات هذه التصريحات على الدروز؟
أم أنّ نتنياهو يستخدم الدروز فقط لتحقيق خطّة طويلة الأمد بالتعاون مع المؤسّسة الأمنية؟ فإذا كان قلقه صادقًا تجاه الدروز واعترافًا بتضحياتهم، فلماذا إذا تزيد حكومته من التمييز ضدّهم في هذه الأيّام، مثل الخنق المالي وشح الميزانياتّ؟ ولماذا لا تطوّر القرى الدرزيّة في الجولان، التي تعاني من تمييز كبير في جميع المجالات، خاصّة في البنى التحتيّة؟ ولماذا هذا الإعلان العلنيّ الّذي قد يضرّ بالدروز أكثر ويعرّضهم للخطر في سوريا؟ هل الغرض هو زيادة اعتمادهم على الحماية الإسرائيليّة المزعومة، لتبرير سياسة إقليميّة يضعها نتنياهو دون أي اعتبار لمصلحة الدروز.
الأمر لا يقلّ أهميّة عن تساؤلنا حول دور زعماء الطائفة الدرزيّة داخل إسرائيل في كلّ هذه القضايا. هل يتحرّكون بالتنسيق مع الحكومة الإسرائيليّة وبعد دراسة دقيقة، أم أنّهم يتصرّفون بعفوية واندفاع، وكلّ واحد منهم يعمل بمفرده؟ (من المعروف أنّ القيادة الدرزيّة منقسمة وغير متوافقة في مختلف المجالات والمسائل).
في هذه الأوقات الحرجة، من الأفضل تقليل التصريحات غير الضروريّة. من الواضح أنّ المنطقة تواجه أيّامًا صعبة في سوريا ولبنان وإسرائيل. المستقبل غامض، والمخاطر تتزايد باستمرار. لذا، فإنّ الحِكمَة تقتضي التفكير العميق قبل الإدلاء بتصريحات قد تثير التوتّرات الدينيّة في سوريا ولبنان، توتّرات قد تشكّل خطرًا حقيقيًّا على الطائفة الدرزيّة في سوريا ولبنان لاحقًا.
ورغم القلق الّذي يساورنا بشأن المستقبل، ورغم غموض ملامح النظام السوري القادم (خاصّة كيفية استقبال النظام السوريّ لوليد جنبلاط على يد أحمد الشرع أثار لدي مخاوف كبيرة بشأن المستقبل)، من الأفضل التحلّي بضبط النفس ودراسة الوضع بتعمّق وعدم الإدلاء بتصريحات قد لا يكون لها أي جدوى.
_________________________________________________________
*د. سليم بريك: محاضر للعلوم السياسية في الجامعة المفتوحة وجامعة حيفا. محلل سياسي وحزبي.