عن التَجَنُّد في مجابَهَة التدجين

أسامة ملحم
أسامة ملحم
أسامة ملحم

الذين أتوا بما لم يأتِ به “الأوائل”

حين كنت هناك في آب وأيلول 1986 قبل نقلي إلى سجن مجدو – كمسجون لرفضي الخدمة الإلزامية – هناك في سجن عتليت كنت أرفع بصري ، ساعة الفورة ، إلى الجبال التي تطلّ بهيبة النسور على ساحة السجن ، وأحلم ، كانت ثمة كلمة واحدة رُسمت ربما بطلاء ابيض بأحرف عبرية منمقة “חופש” حرية ، ولم أعلم من نقشها هناك لتقاسمنا حلمنا ، وظل السؤال يحلّق في فضاء الزنزانة ، أيكون أحد الأسرى المحررين أتى و ” فعلها ” ليؤكد كم هم أحرار هؤلاء الرافضين ،أم هو مأفون من جند الاحتلال ليوطد حالة الأسر التي تمسك بنفسية السجين أحيانا وبعده عن متناول الحرية ، إلا أن ذلك وإن عنى الكثير فلم يكن الشعور الوحيد الذي تنازعني وبات يطرق جدران حلمي كلما ارتفع ناظري إلى الكرمل الحبيب الرابض بكل هيبته هناك ، كحارسٍ أمين لحريتنا التي لم يطالها السجان ،كان يؤكد انتماءه إلينا ، نحن القلّة من ” ابناء الأقليات “الذين اخترنا أن نرفض الانصياع لأمر وآمر التجنيد – التدجين ، وكم حلمنا أن نرى أعلامنا ترفرف فوقه لتؤكد انتماءنا إليه .

لم يبدأ رفض الخدمة الاجبارية في جيش الاحتلال بنا ، نحن كنّا الامتداد الشرعي والطبيعي لمن رفضوا أباة منذ دخل هذا القانون الجائر إلى التنفيذ في ال 1956 بحصيلة آلاف سني الحبس ، مجموع ما حكم به الشباب الرافضين إلى لحظة ولادة ” لجنة المبادرة العربية الدرزية ” في مطلع سبعينيات القرن الماضي والتي كان في طليعة أهدافها إسقاط هذا القانون وفي طليعة المبادرين إليها طيب الذكر المغفور له الشيخ الجليل فرهود فرهود أبن رامة الجليل ورهط طيب ممن تسارعوا

إلى الالتفاف حول هذه البذرة الطيبة ،وظلت اللجنة ، على مدى عقود ” تُقارع ” وحدها في وادي القبول تيارَه الهادر عبر العشرات من النشاطات والنشرات والوقفات الوطنية الصادقة ، حتي ظهر إلى جانبها توأمها الوطني في مطلع الالفية الثالثة ” ميثاق الاحرار العرب الدروز ” والذي كان بادر إلى إقامته الكاتب سعيد نفاع ورفاق كان بعضهم اعضاء في لجنة المبادرة بالإضافة لمناضلين أحرار آخرين من العرب الدروز في البلاد ، وكان للميثاق الدور الهام على مدى مسيرته ، فعدى النشاطات الجمّة اتخذ قراراً تاريخيا بإصدار مجلته الدورية ” التواصل ” لسان حاله وحال القوى الوطنية بين العرب الدروز في الجليل والكرمل والجولان المحتل .

إلا أن الرقي بالنضال ضد ” مشروع ” التجنيد – التدجين لم يرق إلى ما بلغه اليوم من مظاهرات مباركة و تغطية حقيقية إعلاميا إلّا على يد مجموعة رائعة من الصبايا والشباب المبارك سعيُهم ، فلا الاحزاب ” الوطنية ” كان على برنامج عملها الفعلي هذا النضال ولا الحركات الوطنية ولم تحقق على أرض الواقع أي إنجاز فعلي اللهم سوى النشر في صحافتها ” الإتحاد “تحديدا – صحيفة الحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة وزيارات التضامن .

هذا التصعيد الطاهر في مجابهة الخدمة العسكرية الالزامية في جيش الاحتلال يعود الفضل فيه بالأول والأخير إلى تينك الصبايا وهؤلاء الشباب الذين أتوا بما لن يأت به ” الأوائل “

هم جديرون بأن نقف لهم وقفة إجلال واعتراف ولنقف أمام انفسنا بالجرأة المطلوبة لنقول لهن / م شكراً على ما عجزنا عنه طوال عقود ، بوركت وقفاتكم المجلجلة وحراككم الكريم ، انتن / م الأجدر بالطليعة .

انتن / م حققتن /م لي حلمي أبن ال28 عام بأن أرى فوق ” الجبل ” قبالة السجن من يهتف معي ” حرية ، حرية ” .

+ -
.