عودة الزمن الجميل: قاعة الجلاء بحلة جديدة

بقلم سميح أيوب

  إذا ألقت الظروف الموضوعية بظلالها عليه، فعلى الانسان أن يتأقلم مع هذه الظروف بحلاوتها أو مرارتها ويعمل على ايجاد الاجمل بين تناقضات الحياة، عندما يكون سيد الموقف الواقع الذي يحدوه الأمل باستمرارية الحياة وخلق فسحة من الفرح لأجيال ولدت من رحم المآسي – هذا هو الجولان المحتل، الذي تنطبق عليه هذه المقولة.

هذا الجولان بأهله وسكانه. الجولان الذي عاش مخاض الحروب والتشرذم بين التجذر بالارض والنزوح القسري عنها، فأصبح شقيي التفاحة الرمز، التي يعيش نصفها بمسقط الرأس والنصف الآخر بوطن اللجوء.
  ومن قلب المأساة وجدوا التحدي ومشوا بخطى ثابتة بنفق الظلام، باتجاه بقعة الضوء المتلألئة بنهايته، مهما طالت المسافة.

تأقلمنا مع الواقع وخلقنا ظروف للأجيال لتنطلق بعالمها وخصوصياتها، لتلحق ركب التقدم والتطور، وخلق معادلة أصبحت خاصتهم، ليكونوا زهرة ربيعية وديعة برحاب أرضهم إذا شعروا بالسلام، أو عاصفة وأرض مزلزلة إذا أقدم عليهم التعدي أو شعروا بظلم.

من صدمة النكسة استفاقوا، وحملوا مشعل الحرية بيد، وباليد الأخرى مشاعل الأمل والعلم والتقدم، وبجهود ذاتية بمنطقة منسية، خاضوا معارك الواقع المر دفاعا عن الأرض والكرامة، دفاعا عن مستقبل أجيال تنعم بدفئ الحياة.

بموازاة لمسيرة النضال الجولانية السياسية التي ادخلتة التاريخ، ليصفة الوافدون والمتضامنون مع قضيته بمدرسة نضالية، حملت راية السلم البيضاء حينا وراية التحدي الحمراء حينا آخر، بتعاضد النفوس وتشابك الأيادي، ليكونوا عائلة واحدة هي العائلة الوطنية  بتنافي الالقاب.

تميزت المسيرة الثقافية الجولانية بتأسيس مؤسسات مستقلة، جولانية بحثة، بجهود شباب نذر نفسه للعطاء.
فمن النشاط الرياضي، إلى رابطة الجامعيين، مرورا بالمؤسسات التربوية والفنية: غناء،  موسيقى، رسم ونحت. إلى مؤسسات طبية غير ربحية لخدمة الجمهور وتقليل معاناته، وعلى رأسها جمعية الجولان للتنمية والتطوير، والتي كان لها اليد البيضاء بتمويل دورات الفنون مما ورد ذكره، وتخريج العشرات من الفنانين بجميع أطيافهم، وتكون انطلاقتهم لمعترك الحياة وطرق ابواب الشهرة على مستوى عال بمساحة العالم. وأخص بالذكر مسرح الجولان الذي تفانى به بالعطاء الكاتب والمخرج المسرحي معتز أبو صالح والمخرجة آمال قيس، حيث  تخرج منه العشرات من الممثلين الذين تتلمذوا بمسرح الجلاء.

عشنا أيام من الزمن الجميل بتجمعاتنا وسهراتنا لتصدح الأغنية الملتزمة بموسيقاها بفضاء الجولان عازفة نوتة الحرية. عشناها بليالي المخيمات الصيفة بهواء الجولان الطلق النقي، وبمشاركة إخوة لنا بمسيرة النضال والمصير من العمق الفلسطيني والضفة الغربية المحتلة، لنتكاتف فتشتبك الأيادي وتبح الحناجر باغاني الحرية، لتحضر بها كلمات عظماء شعر وطرب، لنردد أشعار طيب الذكر سميح القاسم بمنتصب القامة أمشي أو الحنان لخبز الأم لمحمود درويش، وأشعار توفيق زياد،
ويكون اختتامها باغاني الملتزم سميح شقير، ويا الجولان الي ما تهون علينا، أو تنطلق آهات آه يا سجان، أو زهر الرمان.

حقا كانت أيام زمن جميل عشناها وما زالت حاضرة بتاريخنا ومخيلتنا. أياما لا تنسى.

وبعد انقطاع سنوات عن هذه الفعاليات، لظروف موضوعية، ها هي تنطلق مرة أخرى لنعيد تلك الفعاليات وننطلق من جديد.

لقد التم شملنا ثانية: أهالي الجولان ورفاق درب من الداخل الفلسطيني والضفة الغربية، لنستضيف فرقة معهد ادوار سعيد للفنون الموسيقية، أو ربما عودة طيور الفن الفلسطيني لارض عهدتها وحلقت بسمائها.

الحدث هو افتتاح قاعة الجلاء بحلتها الجديدة بعد اجراء ترميم لها، والتي نأمل أن تعود لنشاطها الفني التمثيلي والغنائي والموسيقي.

صدحت أنغام الآلات الموسيقية تحركها أصابع الفن الناعمة، متلازمة مع صوت المطرب الملتزم محمد يعقوب ابن رام الله العريقة، بل الابن الفخري للجولان ورفاق دربه. والمطربة الصاعدة ريم المالكي.

بدأت الامسية ومشاعر من الفرح تسود اللحظة والمكان،  برؤية وجوه جديدة كانت بالامس صغارا واليوم رفاق درب، وغصة ألم قاهرة بغياب بعض الرموز ورفاق درب غيبهم القدر. وتساؤل عن غياب رموز لها أياد بيضاء بوضع حجر الاساس لهذا الصرح الكبير.

لقد جرى حفل تكريم لكوكبة من النشطاء الحاضرين، ممن عملو على دعم وإنجاح هذه الفعالية.ومنهم:

  1. المؤسسة الاوربية من اجل الديمقراطية EED التي تبرعت بمبلغ ترميم القاعة.

2. معهد ادوار سعيد الوطني للموسيقى. استلم درع التكريم رئيس مجلس أمناء المعهد الدكتور غسان مستكلم.

3. المطرب الملتزم محمد يعقوب، رفيق درب نضال الجولان بفنه الملتزم.

4. القائم على أعمال الترميم السيد إياس سلمان ناطور،  ابن دالية الكرمل وابن طيب الذكر الكاتب سلمان ناطور.
استلم كل منهم درع التكريم عبر عاصفة من تصفيق الجمهور .

علت الاصوات والتهبت الأكف بالتصفيق وعادت بنا الذاكرة لزمن جميل وكل الامنيات أن يعود لنعيش لحظات جمع الشمل بين الأحبة من الجولان والعمق الفلسطينى، وربما الحلم بجمع شملنا وأحبتنا المشتتين بأصقاع الأرض وعلى مساحة الوطن.

تعليقات

  1. كلمات جميلة وتعابير رنانة تفوح منها رائحة الالفة والاخوة والوطنية الخالصة الخالية من شوائب المارقين والتائهين في اوهام الواقع . تحية لك يا أخي وزميلي وصديقي سميح أيوب احييك على هذا الاداء الرائغ الذي يبعث الأمل في النفوس ويعيد لها الابتسامة .

التعليقات مغلقة.

+ -
.