غزة تحترق… ولا أفق للحل

في اليوم الثالث عشر من العدوان الإسرائيلي، شهد قطاع غزة أكثر الأيام دموية بعدما استهدف الجيش حيي الشجاعية والتفاح شرق مدينة غزة، ناشراً الرعب والموت والدمار. وسجل عدد الشهداء أعلى مستوى له بمقتل 97 فلسطينياً، بينهم 62 شهيداً و250 جريحاً على الأقل في الحييْن، كما أقر الجيش الإسرائيلي بمقتل 13 جندياً من «لواء غولاني» لقوات النخبة ليل السبت – الأحد. في هذه الأثناء، تواصلت مساعي التهدئة على أكثر من محور، في وقت تستضيف مصر وقطر عدداً من المسؤولين، على رأسهم وزير الخارجية الأميركي جون كيري، من دون أن يظهر أي أفق لانفراج وشيك. (للمزيد)

وبعد ليل طويل من القصف الإسرائيلي المكثّف، خرج آلاف الفلسطينيين صباحاً بملابس نومهم حفاة للهرب من حي الشجاعية، فيما بقي آخرون عالقين في الحي المكتظ الذي يزيد عدد سكانه عن مئة ألف.

وشوهدت جثث القتلى محترقة أو أشلاء في الشوارع، كما في المنازل، بمن فيهم أطفال ونساء وعائلات، فيما لم تتمكن سيارات الإسعاف من الوصول إلى المصابين بسبب كثافة القصف، وكثرة أعداد الضحايا. وفي مستشفى الشفاء، كانت سيارات الإسعاف تصل كل خمس دقائق محملة بالمصابين.

ووصف النازحون ساعات من الرعب عاشوها بينما كانت المدفعية الإسرائيلية تقصف منازلهم المحرومة من الكهرباء، وفي ظل غياب أي طريقة للهرب. وقالت المواطنة مرح الوادية (23 سنة) من شارع النزاز في حي الشجاعية عبر الهاتف لوكالة «فرانس برس»: «هذا أحد اسوأ أيام حياتنا. نجلس جميعنا في غرفة واحدة منذ ليل أمس (السبت – الأحد) بانتظار توقف القذائف لنخرج من هنا، والشظايا تدخل المنزل من كل جهة». وتابعت: «حالتنا النفسية مدمرة للغاية، والجميع يبكي. الأطفال يشعرون بالرعب، ولا نعرف كيف سينتهي مصيرنا».

رغم ذلك، واصل المقاومون في غزة إطلاق الصواريخ على إسرائيل، وكبّدوها خسائر في أرواح جنودها، إذ أعلن الجيش مساء أمس أن 13 جندياً من «لواء غولاني» قتلوا ليل السبت – الأحد في مكمن في قطاع غزة، ما يرفع عدد الجنود القتلى إلى 18 منذ بدء الحرب البرية الخميس، علماً أن عدد الجنود القتلى خلال حرب العام 2008 بلغ عشرة بـ «نيران صديقة»، فيما قتل جنديان وأربعة مدنيين في حرب العام 2012.

وبدا أن الهجوم البري أخفق حتى الآن في تحقيق أهدافه بإخضاع «حماس» ووقف الصواريخ وتدمير الأنفاق، إذ أعلن الجيش إطلاق أكثر من 90 صاروخاً على إسرائيل أول من أمس، فيما أقر كبار الضباط بوقوع «معارك ضارية» مع المقاومين رأى مراقبون أنها قد تمهد لتهدئة أو إلى مزيد من التصعيد. وقال زعيم حزب «يش عتيد» الوسطي، وزير المال يئير لبيد إن الحكومة ستبحث في كل الخيارات، بما في ذلك احتلال القطاع، مضيفاً أن القتال «كان شرساً».

ولم يجد رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو ما يدافع به عن الجرائم المرتكبة سوى اتهام «حماس» باستخدام الفلسطينيين في غزة دروعاً بشرية، مؤكداً أن إسرائيل لم تستهدف إلا «مواقع عسكرية». وقال لمحطة «سي. إن. إن.» الأميركية إنه سيفعل كل ما هو ضروري لاستعادة الهدوء والأمن ووقف الصواريخ. ورداً على سؤال عن الفترة التي سيستغرقها تدمير الأنفاق، اجاب: «سريعاً نسبياً»، داعياً المجتمع الدولي إلى» تنفيذ برنامج لنزع أسلحة غزة وتغيير هذا الوضع غير المقبول».

ودخلت واشنطن بقوة أمس على خط التهدئة، إذ أعلن وزير خارجيتها جون كيري أن الرئيس باراك أوباما سيطلب منه التوجه إلى الشرق الأوسط للمساعدة في جهود وقف النار، مضيفاً: «نحتاج إلى التوصل إلى وقف للنار» في غزة. وحمّل «حماس» مسؤولية تدهور الأوضاع، وقال لتلفزيون «إي. بي. سي.» إنه «عُرض عليها وقف للنار، إلا أنها رفضته بتعنت… على رغم أن مصر وآخرين دعوا إلى وقف النار». وفي مقابلة منفصلة مع محطة «فوكس نيوز»، دعا «حماس» إلى «التحلي الآن بالعقلانية» لإنقاذ الأرواح.

في غضون ذلك، تواصلت مساعي التهدئة، إذ استضافت الدوحة مساء أمس اجتماعاً بين الرئيس محمود عباس والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون برئاسة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد. وأوضح مصدر قطري كبير لوكالة «رويترز» أن أمير قطر يعمل «كقناة اتصال» بين «حماس» والمجتمع الدولي، وأن «قطر عرضت مطالب حماس على المجتمع الدولي، وأن هذه القائمة قدمت لفرنسا وللأمم المتحدة، واللقاءات (في الدوحة) ستكون لمزيد من التفاوض على هذه الشروط».

وقالت وكالة الأنباء الكويتية إن رئيس المكتب السياسي لـ «حماس» خالد مشعل زار الكويت أمس حيث أجرى محادثات مع أمير الكويت الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للجامعة العربية، فيما رجح مصدر فلسطيني أن يجتمع عباس مع مشعل عقب عودته من الكويت.

في المقابل، أعلنت وزارة الخارجية المصرية أمس أن بان سيزور القاهرة اليوم لإجراء محادثات تتناول المبادرة المصرية لوقف النار في غزة، مضيفة في بيان أنه سيلتقي «الرئيس عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية سامح شكري وكبار المسؤولين».

ونفى شكري في تصريح إلى «الحياة» وجود أي بنود سرية للمبادرة المصرية أو أوراق أخرى غير الورقة التي أعلنتها القاهرة في 14 الجاري، مشيراً إلى أن كل ما يردده بعض قيادات «حماس» عن وجود بنود أخرى تتعلق بنزع سلاح الحركة «عار تماماً من الصحة، ومحض كذب وهراء». وأكد أن فرض السيادة المصرية على معبر رفح أمر لا تقبل مصر بطرحه على طاولة النقاش مهما كانت العواقب.

يذكر أن مصر رفضت تعديل مبادرتها لوقف النار، في حين رفضت «حماس» استجابة دعوة لزيارة وفد منها برئاسة مشعل القاهرة لمناقشة المبادرة، مؤكدة في بيان استعدادها «للتعاون مع أي تحرك من أي طرف بما يحقق المطالب الفلسطينية المحددة والتي تم تسليمها للأطراف المختلفة في الأيام الماضية».

على أن مصادر إيرانية رسمية انتقدت رفض «حماس» المبادرة المصرية، ودعتها إلى التعامل مع المبادرات بعيداً من المواقف السياسية المسبقة، في إشارة إلى علاقتها بـ «الإخوان المسلمين».

+ -
.