لسنوات طويلة تتفوق فرنسا سياحيًا على جميع الدول وتجذب إليها ما يقرب من 85 مليون سائح سنويًا، أي أكثر من تعدادها البالغ 66 مليون نسمة. وهي تطمح لبلوغ رقم 100 مليون سائح قبل حلول عام 2020. ما الذي يجعل فرنسا تتفوق على بقية دول العالم سياحيًا بما فيها الولايات المتحدة وإسبانيا وتجذب إليها أعدادًا أكبر عامًا بعد عام؟
يتفق خبراء السياحة على أن فرنسا توفر للسياح كل شيء تقريبا من الشواطئ الدافئة في الجنوب إلى جليد جبال الألب في الشمال، وبينهما الريف الفرنسي والمطبخ الفرنسي الشهير والطبيعة الخلابة. وعلى رأس كل هذا تقدم فرنسا أيضا مدينة النور باريس التي تجذب وحدها 30 مليون سائح سنويا.
ويقول دليل «لونلي بلانيت» السياحي إن فرنسا بها كل شيء يريده السائح وتروق للسياح من كل الأعمار يأتون لمشاهدة معالم عالمية وفنون فريدة وأطعمة شهية وشواطئ خلابة ومنتجعات أرستقراطية للتزلج على الجليد وريف رائع وتاريخ حافل.
وهناك عدة عوامل جذب رئيسية للسياحة الفرنسية يتفق عليها خبراء السياحة ويرجحون أن تبقى هذه العوامل فاعلة في المستقبل لجذب المزيد من السياح إلى فرنسا. هذه العوامل هي:
• باريس: الذهاب إلى باريس هو حلم الملايين من الشباب حول العالم، ويحقق 30 مليون منهم حلمه كل عام بالحضور إلى باريس ومشاهدة معالمها. وهي مدينة رومانسية بها الكثير من المعالم السياحية العالمية مثل برج إيفل ومتحف اللوفر ومئات المقاهي الجذابة التي يستمتع السياح بمجرد الجلوس فيها ومشاهدة العالم يجري حولهم. وهي تشتهر بين الأوروبيين والأميركيين تماما مثلما تشتهر بين الصينيين واليابانيين. ويأتي إلى باريس الكثير من السياح لمرات كثيرة حيث لا يكتفي معظمهم بزيارة واحدة. وهذا أهم درس سياحي للمدن الأخرى التي تطمح لتحقيق بعض نجاح باريس، فلا يكفي أن تجذب السياح مرة واحدة وإنما يجب أن يغادروا وفي نيتهم العودة مرة أخرى. وبالقرب من باريس تقع ديزني لاند التي تعد وجهة سياحية في حد ذاتها وتجذب 15 مليون سائح سنويا. ويعتبر الموقع أحد أهم الوجهات السياحة في كل أوروبا وليس فقط في فرنسا.
• الشمس والبحر والجبال: التنوع الجغرافي في فرنسا يتيح الكثير من الوجهات المختلفة للسياح. وهي توفر الشواطئ في الجنوب والغرب والجبال في الشمال والشرق والمزارع والريف بينهما. ويأتي السياح من جنسيات مختلفة إلى ما يفضلونه فيذهب الألمان إلى الشواطئ والبريطانيون إلى الريف بينما يأتي الأميركيون من أجل الثقافة والحضارة. ويوفر فصل الصيف في فرنسا مناخا لطيفا لا يتسم بشدة الحرارة مثلما الحال في إسبانيا أو إيطاليا.
• الموقع الاستراتيجي: تتوسط فرنسا القارة الأوروبية وتقع بين أكبر دولتين مصدرتين للسياح هما ألمانيا وبريطانيا. وفي العام الماضي سافر إلى فرنسا 13 مليون سائح ألماني وهو أكبر رقم للسياح من دولة واحدة. ويليهم في ذلك 12.5 مليون سائح من بريطانيا يذهبون إلى فرنسا سنويا هربا من صيف ممطر لا يعتمد عليه في بلادهم. ولكن ليس كل السياح المتوجهين إلى فرنسا يأتون إليها من أجل البقاء والزيارة، فهناك نحو 20 مليون سائح يمر في فرنسا سنويا في الطريق إلى إسبانيا أو إيطاليا. وتشترك فرنسا في الحدود مع ثماني دول أوروبية مما يسهل انتقال السياح عبر الحدود. وتتميز فرنسا أيضا بشبكة مواصلات ممتازة منها القطارات السريعة كما أن الطرق السريعة خارج باريس تبدو سلسة وغير مزدحمة في معظم فترات العام.
• الريف: يمثل الريف نسبة 80 في المائة من مساحة فرنسا ويجذب إليه معظم سياح فرنسا. وتقول شركات السياحة إن الريف الفرنسي يمثل أكبر عامل جذب سياحي إلى فرنسا إلى جانب باريس. ويفضل البريطانيون زيارة الريف الفرنسي ويأتون لزيارة مناطق بعينها مثل بروفانس ووادي لوار. ويأتي زوار الريف الفرنسي لقضاء عطلات فيه من أجل الهدوء والخضرة والطعام الفرنسي والاسترخاء بعيدا عن ضوضاء وزحام المدن التي حضروا منها.
• المطبخ الفرنسي: تشتهر فرنسا بأنها تقدم أفضل مطبخ أوروبي على الإطلاق، وتفخر فرنسا بهذا وتجتهد لكي تحافظ على موقعها وصدارة مطبخها في العالم. وهي تشجع صناعة الطبخ فيها وتحذر طباخيها من استخدام مكونات مجمدة أو جاهزة التحضير في تحضير وجباتهم. ويتنافس طباخو فرنسا في الحصول على نجوم ميشلان التي تمنح للتفوق في فن تحضير الطعام وتقديمه ولا يحصل عليها إلا قليلون.
• الفنون والتاريخ والثقافة: يمتد تاريخ فرنسا الطويل ويترك وراءه الكثير من الآثار التي تجذب السياح. وتشتهر فرنسا بمراحل الثورة الفرنسية وحقبة نابليون والحربين العالميتين ومواقعهما، خصوصا موقعة السوم وشاطئ نورماندي. وتحتوي فرنسا على 39 موقعا مصنفة تراثا إنسانيا من منظمة اليونيسكو، مما يضعها في الموقع الرابع عالميا. وهناك الكثير من المتاحف ومعارض الفنون. وأشهر المتاحف الفرنسية هو اللوفر الذي يضم لوحة الموناليزا بالإضافة إلى 35 ألف قطعة فنية أخرى. ويجذب المتحف نحو عشرة ملايين زائر سنويا، أي أكثر من أي متحف آخر في العالم.
• التسوق: العطور الفرنسية لها عشاقها حول العالم وكذلك الأزياء والموضة. ويأتي السياح أحيانا لزيارة مدن مثل غراس التي تشتهر بصناعة العطور وبيعها رخيصة للسياح. وهناك تجارة من نوع آخر يأتي إليها السياح لفرنسا، خصوصا من بريطانيا، وهي لشراء المنتجات الفرنسية والسجائر الرخيصة ثم العودة بها إلى بريطانيا. ويدخل هؤلاء ضمن التعداد السياحي السنوي إلى فرنسا. كما نجحت فرنسا في جذب المزيد من سياح الصين إليها والذين بلغ عددهم في العام الماضي 1.7 مليون سائح، بزيادة نسبتها 23 في المائة عن العام الأسبق. ويمثل هذا الرقم عشرة أضعاف السياح الصينيين لدولة مجاورة مثل بريطانيا التي تضع العراقيل أمام سياح الصين بسبب صعوبة الحصول على تأشيرة الدخول.
ولكن على الرغم من أن فرنسا تجذب إليها أكبر عدد من السياح في العالم فإنها ما زالت تقع في الموقع الثالث عالميا من حيث إيرادات السياحة بعد الولايات المتحدة وإسبانيا. وتحاول هيئات السياحة الفرنسية إقناع السياح بإنفاق المزيد من الوقت والمال أثناء إقامتهم في فرنسا.
توفر السياحة نحو سبعة في المائة من العوائد للاقتصاد الفرنسي أي بنسبة أكبر من صناعة السيارات فيها، ولكن متوسط الإنفاق من كل سائح لا يتعدى 646 دولارًا أثناء الزيارة وهي نسبة أقل من أي من الدول العشر الأولى سياحيا في العالم باستثناء روسيا.
وصرح أكثر من مسؤول فرنسي بأن ما يهم في صناعة السياحة ليس عدد السياح وإنما حجم الإنفاق السياحي السنوي. ويضيف ديديه ارينو رئيس شركة بروتوريزم السياحية أن الكثير من السياح يقضون ليلتهم في السيارات داخل فرنسا في طريقهم لقضاء عطلة في إسبانيا أو إيطاليا وهذه الليالي ليس لها أي عائد سياحي على فرنسا. وهو يري أن على فرنسا تنويع أسعار وأنواع الفنادق التي توفرها للسياح وتشجيع السياح للبقاء فترات أطول في فرنسا بتوفير قيمة أفضل من الدول المنافسة.
وتحقق الولايات المتحدة عوائد سياحية أكبر من فرنسا على الرغم من أنها لا تجتذب أكثر من 75 مليون سائح سنويا، ينفق كل منهم أثناء الزيارة 1884 دولارا في المتوسط. وما زالت دولة مثل بريطانيا تتعجب كيف تحصل فرنسا على هذا العدد الكبير من السياح الذي يبلغ ثلاثة أضعاف ما تحصل عليه بريطانيا رغم أن اللغة الإنجليزية لا يجري التحدث بها في الكثير من أنحاء فرنسا كما أن الفرنسيين لا يشتهرون بالضيافة.
ويبدو أن الحكومة الفرنسية تستمع إلى هذه الملاحظات، حيث بدأت في برنامج سياحي لتشجيع الفرنسيين على الترحيب أكثر بالسياح بالإضافة إلى عمليات تجديد للمعالم السياحية في البلاد. وقال وزير الخارجية لوران فابيوس في ختام مؤتمر لتشجيع السياحة في فرنسا إن المنطق بسيط في جهود جذب 100 مليون سائح وهو أن السائح غير السعيد بزيارته لن يعود مرة أخرى.
ووعد فابيوس بتسهيل الحصول على تأشيرات الدخول للسياح وباستخدام الإنترنت أكثر لتشجيع صناعة السياحة إلى فرنسا. واعترف خبراء سياحة في المؤتمر بأن باريس تشتهر عالميا بأنها غير ودودة للسياح، خصوصا هؤلاء الذين لا يتحدثون اللغة الفرنسية، وأن أطقم الخدمة في المقاهي والمطاعم لا تتسم بالكثير من اللطف في التعامل مع السياح.
وتدير غرفة التجارة في باريس بالتعاون مع لجنة السياحة دورات تدريبية للعاملين في مجال السياحة لتدريبهم على التعامل الأمثل مع سياح الدول المختلفة. ومن الدروس التي يتلقاها هؤلاء في الدورات السياحية أن البريطانيين يفضلون التعامل بالاسم الأول ودون ألقاب، ويفضل الألمان السلام باليد بينما يكتفي الصينيون بابتسامة وكلمة «مرحبا» بلغتهم.
* أشياء يتجنبها الفرنسيون في باريس ويتركونها للسياح
* لا تشتهر باريس بالضيافة لسياحها، خصوصا هؤلاء السياح الذين لا ينطقون اللغة الفرنسية بفصاحة. وبلغ الأمر بمطبوعة سياحية بريطانية أنها نصحت قراءها بعدم سؤال الفرنسيين عن وجهات سياحية لأنهم سوف يتجنبونه أو يردون عليه بالفرنسية بامتعاض. وأشارت المطبوعة بمحاولة العثور على سائح آخر لسؤاله!
في باريس، يتهافت السياح للذهاب إلى الشانزليزيه ولكن الفرنسيين يتجنبون هذا الشارع كلما أمكن. السبب هو أنه «مليء بالسياح الأجانب والمطاعم باهظة الثمن التي تقدم أسوأ أنواع الأطعمة ومعارض السيارات، وبه أيضا مقر خطوط الطيران الإيرانية»، وفقا لتقرير نشر في صحيفة «التلغراف» البريطانية. ويفضل الباريسيون شوارع مجاورة مثل مونتاني وجورج الخامس.
لا يفضل الباريسيون أيضا الاصطفاف لصعود برج إيفل ولا التزاحم لمشاهدة لوحة الموناليزا في متحف اللوفر، ولا الاصطفاف أمام محلات برغركنغ التي يقبل عليها السياح بشغف في باريس.