توج فيلم “سبات شتوي” للمخرج التركي نوري بيلجي جيلان بجائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي الدولي في دورته الـ 67.
وأضاف جيلان السعفة الذهبية إلى سلسلة الجوائز التي حصل عليها من مهرجان كان عن أفلامه السابقة وهي :اوزاك أو”البعد” و”القرود الثلاثة” و”حدث ذات مرة في الأناضول”.
وبات جيلان ثاني مخرج تركي يقطف سعفة كان الذهبية بعد أن حصدها عام 1982 المخرج التركي الكردي يلمازغوني عن فيلم الطريق عام 1982.
وعزز جيلان في هذا الفيلم نهجه الواقعي القائم على اكتشاف جماليات اليومي والعادي وتصوير واقع الاستلاب الإنساني وتحليل العلاقات الإنسانية وظلال العلاقات الطبقية عليها.
ويستعير جيلان من المسرح ومن الأدب بعض آلياته السردية وبشكل خاص من الأديب الكبير انطوان تشيخوف، ليسندها بحساسية بصرية عالية تحدرت من دربته الطويلة في مجال التصوير الفوتغرافي وإحساسه العالي بجماليات الطبيعة.
يعمق الفيلم الذي يستغرق عرضه على الشاشة 3 ساعات و16 دقيقة، احساسنا برتابة وكآبة الحياة اليومية التي تجري على وتيرة واحدة وبواقع الاستلاب الذي يتكشف على مهل، حيث يمور تحت هذه الرتابة توتر داخلي وصراع حاد في دواخل شخصيات مأزومة غير قادرة أبدا على تغيير واقعها.
ويقدم ذلك عبر حكاية شخصية آيدن (أداها ببراعة الممثل هايوك بيلجنر) وهو أحد ملاك الأراضي وممثل سابق معتزل، يدير فندقا كما يمتلك عددا من المنازل في قرية صغيرة مجاورة،حيث تفجر حادثة صغيرة تتمثل برمي طفل من القرية حجر على سيارته أزمة مع زوجته الشابة تكشف عن سلوكه المرائي وازدواجية أخلاقه البرجوازية بين المثل التي يتحدث عنها وسلوكه الواقعي الاستغلالي ومسؤوليته عن معاناة الآخرين في القرية.
مفاجأة
وكانت مفاجأة جوائز المهرجان، تقاسم المخرج القدير جان لوك غودار (الأكبر سنا وخبرة، 83 عاما) مع المخرج الكندي الشاب كزافييه دولان (25 عاما وأصغر المخرجين سنا في كان) جائزة لجنة التحكيم الخاصة. ويبدو أن لجنة التحكيم حاولت عبر هذا الاختيار التأكيد على شباب غودار الدائم في الفن السينمائي، ففيلمه كان الأكثر تجريبية و(شبابية) في اسلوبه الابداعي وفي لعبه على التصوير بتقنية الـ 3 دي (ثلاثي الابعاد) في المهرجان،
وتناول غودار خواء مجتمعنا المعاصر وسط تراكم واقع الاستلاب والاغتراب وانقطاع التواصل حد موت اللغة ذاتها، التي أبنّها غودار عبر لعبه بتقنية الـ 3 دي، في مشاهد تعمد إلى كسر أي توقع من المشاهد أو أي تنام خطي أو منطقي في تسلل الاحداث والسرد.
ولفت دولان انتباه النقاد بفيلمه “مامي” الذي يتحدث علاقة متوترة بين شاب مضطرب يميل إلى العنف وأمه، وتتحسن علاقتهما وتنفتح أمامهما آفاق إنسانية جديدة بعد التعرف على الجارة المعلمة المنقطعة عن التدريس والتي تعاني من التأتاة والحبسة اللغوية لأسباب نفسية.
وصور دولان معظم فيلمه بأبعاد أقل من الشاشة العريضة المعتادة في الصالات السينمائية، فتظهر الشخصيات محصورة في إطار كادر عمودي، لكنه يفتح الكادر إلى شاشة عريضة في لحظات الفرح، كما هي الحال عندما يقوم بطله في لحظة فرح بتحريك يديه وكأنه يفتح شيئا بصعوبة فيتسع إطار الكادر الضيق ليستحيل إلى شاشة عريضة.
ودولان الكندي من مقاطعة كوبيك التي تتحدث الفرنسية، بدا فتى مهرجان كان المدلل، ورصيده المهني حتى الآن أربعة أفلام نذكر منها “قتلت امي” 2009 و”نبضات قلب” 2010 وآخرها “توم في المزرعة” الذي عرض في دورة مهرجان فينيسيا الأخيرة.
أما جائزة المهرجان الكبرى فمنحتها اللجنة إلى المخرجة الإيطالية اليتشا رورفاخر (حسب اللفظ الالماني لاسم عائلتها فهي من اصل ألماني) عن فيلمها “العجائب”. وهي ثاني أصغر المخرجين سنا في هذه الدورة عمرها نحو 31 عاما.
قدمت المخرجة في فيلمها هذه قصيدة عن الحياة الريفية استثمرت فيها كثير من الأجواء التي عايشتها في مسقط رأسها في الريف الإيطالي حيث صورت الفيلم.
أذ تهتز تلك الحياة الريفية الساكنة التي تعيشها عائلة من مربي النحل في القرية، تتألف من أب وأم وأربع بنات وعمتهم، بمتغير تنسج المخرجة عبرة تصاعد سردها الدرامي، مع وصول صبي ألماني يحتاج إلى تأهيل اسري ليقضي مع العائلة وقتا مقابل مبلغ من المال، ووصول فريق مسابقات تلفزيوني لعمل برنامج مسابقات تقدمه الممثلة الإيطالية مونيكا بيلوتشي. وتتفجر الأحداث عندما تصطدم رغبة الفتاة “غيلوسومينا” بالمشاركة بالبرنامج مع رفض الأب المتسلط والمهيمن في هذه العائلة الريفية.
جوائز التمثيل
وقطف المخرج الأمريكي بينيت ميلر جائزة أفضل مخرج عن فيلمه فوكس كاتشر”صائد الثعالب”، الذي يحلل فيه علاقات القوة والهيمنة في عالم الرياضة، حيث يصب هذا النزوع غير المحدود للسيطرة في الجريمة في النهاية.
وقد نجح ميلر في تقديم غوصه هذا في علاقات القوة في المجتمع الأمريكي في سياق مشوق، مع إدارة بارعة لممثليه الذين حصد منهم أداء مميزا، وبشكل خاص ستيف كاريل في الدور الرئيس والذي كان منافسا قويا للحصول على جائزة أفضل ممثل في المهرجان.
بيد أن جائزة أحسن ممثل ذهبت إلى الممثل البريطاني تيموثي سبول عن أدائه البارع لدور الرسام الانجليزي جوريف ويليام تيرنر في فيلم المخرج مايك لي “مستر تيرنر”.
طاقم فيلم سبات شتوي
لقد درس سبول بعناية شديدة شخصية تيرنر، وحرص على أن يقدم أداء يمكن أن نعده صادما لعشاق فن هذا الرسام الانجليزي المولع بالضوء، عندما أظهره في صورة على قدر من البشاعة في الشكل والسلوك الشخصي، عبر بدانته المفرطة والأصوات النشاز التي يهمهم بها دائما وشخيره الدائم وكأنه يعاني من مرض تنفسي، فضلا عن غرابة اطواره. وكأن سبول يحاول أن يقدم لنا تجسيدا للشخصية لاكتشاف الجمال عبر المرور بدرب البشاعة والقبح.
ومنحت لجنة التحكيم جائزة أفضل تمثيل نسائي للممثلة الأمريكية جوليان مور عن دورها في فيلم “خريطة للنجوم” للمخرج الكندي ديفيد كروننبيرغ، وهو معالجة ساخرة لعالم الزيف والخداع في هوليود، حيث أدت دور النجمة المترفة التي تعيش وسط حياة مترفة وممتلئة ب
النفاق والزيف، وينتهي بها الأمر إلى ان تقتل على يد الفتاة التي تعمل مساعدة لها بعد ان تخطف حبيبها منها.
لقد أثار منح مور كثيرا من الاصداء المعترضة في أوساط النقاد، لا سيما أن العديد من الأفلام المتنافسة تضمن أداء نسويا مميزا، كما هي الحال مع أداء الممثلة ماريون كوتيار في دور المرأة العاملة التي تكافح من أجل عدم خسارة عملها في فيلم الأخوين داردن “يومان وليلة” والممثلة جوليت بينوش في فيلم أسيايس “غيوم سيلز “.
وذهبت جائزة السيناريو لأوليغ نيغين وأندريه زفياغينستيف عن سيناريو فيلم “ليفاثان” الذي أخرجه الأخير، وتناول فيه تحطم عائلة روسية صغيرة بعد محاولة أحد المسؤولين المحليين اخراجهم من المنزل الذي يعيشون فيه والمقام على أرض تمكن بهيمنته على الأجهزة الرسمية المحلية من السيطرة عليها وامتلاكها وتدمير منزلهم وحياتهم.
وقد منحت جائزة الكاميرا الذهبية التي تمنح للموهبة الواعدة في أول عمل اخراجي لها للفيلم الفرنسي “فتاة الملهى” وهو اخراج جماعي لثلاثة مخرجين (بينهم مخرجتان) وهم ماري أماشوكيلي وكلير برغر وصموئيل تاييس. وقد منحت لجنة تحكيم تظاهرة “نظرة ما” أيضا جائزة لكادر العمل الجماعي.
ويقدم الفيلم حكاية أنجيليك التي تعمل في ملهى على الحدود الفرنسية الألمانية وهي في الستين من عمرها، وتحب حريتها وعملها، وعندما يقنعها زبونها الدائم ميشال بالزواج منه، تتركه في ليلة الزفاف لتعود إلى مكانها في الملهى.
وكان حفل الختام وتوزيع الجوائز الذي قدمه لامبرت
ويزدم بدأ بصعود رئيسة لجنة تحكيم المسابقة الكبرى المخرجة النيوزيليندية جين كامبييون والتي كانت أول امراة مخرجة تفوز بالسعفة الذهبيية لمهرجان كان عام 1993 عن فيلمها “البيانو”، ثم اعضاء لجنة التحكيم التي ضمت في عضويتها كل من الممثل وليم ديفو والمخرج والممثل المكسيكي غائيل غارسيا بيرنال والممثلة المسرحية والسينمائية كارول بوكيه والممثلة الكورية جيون دو – يوان المتوجة بجائزة افضل ممثلة في كان عام 2007 ، والمخرج والكاتب الدنماركي نيكولاس ويندنغ ريفن والممثلة الإيرانية ليلى حاتمي والمخرجة صوفيا كوبولا والمخرج الصيني جيا تشانغكي.