
أصبحت ظاهرة العنوسة ذات الجذور الاقتصادية والاجتماعية في لبنان اعتيادية مع وجود الكثير ممن تجاوزن الخامسة والثلاثين من العمر وهن لم يتزوجن بعد.
ومقارنة بالدول العربية الأخرى، فإن نسبة العنوسة في لبنان هي الأعلى، فقد وصلت الى 85 في المئة، وفق الدراسة التي أجرتها إذاعة هولندا استنادا الى إحصاءات مراكز الأبحاث والمعطيات الخاصة بالمنظمات غير الحكومية.
وتتعدد الأسباب التي أوصلت الأمور الى حد “لم نجد الشريك المناسب” وهي العبارة التي باتت تككرعلى ألسنة اللبنانيات العوانس.
وفيما يحذر الخبراء من تفاقم هذه الظاهرة وأثرها السلبي على المجتمع اللبناني، يجد البعض عددا كبيرا من الأسباب التي أدت الى ارتفاع نسبة العنوسة وتأخر سن الزواج.
فمن جهة الظروف المعيشية الصعبة والضغط المادي وما يصاحبه من غلاء المهور وتكاليف الزفاف والسكن والشروط القاسية التي يفرضها أهل الفتاة على الخاطب، وندرة فرصة العمل، دفعت العديد من الشبان الى الهجرة والزواج في بلاد الاغتراب من نساء أجانب.
وأشار الخبير الاجتماعي الدكتور ملحم المصري ان” عجز الشباب عن تأمين منازل بسبب الأوضاع الاقتصادية وانتشار البطالة والمواصفات التعجيزية للمرأة التي سيرتبطون بها دفعت الى هجرة الشبان التي ولدت تفاوتا ديموغرافيا خطيرا وصل الى نسبة رجل الى خمس نساء”.
كما تسعى الفتاة الى المساواة مع الرجل، فترفض في البداية فكرة الزواج حتى تحقق طموحاتها التعليمية والوظيفية، فعندما تنخرط الفتاة اللبنانية في سوق العمل، تجد نفسها في تنافس مع الرجل وقد تتفوق عليه في كافة المجالات، ولا سيما منها الاقتصادية والإدارية، فباتت عنصرا منتجا في المجتمع يملك مركزا اجتماعيا، وأضحت مستقلة ماديا لا تحتاج الى من يتحكم بقراراتها ومصيرها.
وبات هاجس الاستقلالية الذي يطبع المرأة اللبنانية يدفعها الى القلق من ان يكون الشريك عائقا أمامها او محتجزا لحريتها.
وترى الباحثة في علم النفس الاجتماعي نسرين العقاد “ان طموح المرأة اللبنانية الذي يعلو اكثر فأكثر من الناحية المهنية يدفعها الى تأجيل فكرة الزواج بهدف تأسيس حياتها الخاصة وتأمين استقرارها المادي، وحين تتجاوز الخامسة والثلاثين او الأربعين وتبدأ الرغبة لديها في تأسيس عائلة ” يكون القطار قد فات” في معظم الأحيان”.
كما ان الزواج والإنجاب بعد التقدم في العمر له تأثيرات سلبية أيضاً من ناحية فارق العمر الكبير بين الأهل والأولاد وصعوبة التواصل بينهم.
ومع الوضع الأمني غير الذي دفع بهجرة الشاب اللبناني المهدد بفقدان أمنه الذاتي وسلامته، باتت أعداد الفتيات تفوق أعداد الشبان مما أدى الى نتائج سلبية في تغيير الهرم السكاني.
والشعب اللبناني يعتبرا فتيا في الإجمال، فالعنوسة أدت الى اختلال الميزان العمري للبنانيين، فعندما تتضاءل الزيجات، ينخفض عدد الاطفال ويصبح المجتمع اللبناني كهلا، بعد ثلاثة او أربعة عقود، بحسب خبراء اجتماعيين.
كما يبدو لدى بعض الفتيات ان العنوسة ليست أمرا مخيفا أحيانا، فهي ليست عنوسة قسرية بل اختيارية، بمعنى أنها تتم بمطلق الإرادة وبكامل التصميم، وربما يعود ذلك لعدم الرغبة في تحمل مسؤولية الأسرة والأطفال، او قد يكون لأسباب نفسية كتجربة قصص الحب الفاشلة، كما اكد الاختصاصي النفسي الدكتور فادي ريشا.
وقد أدى هروب بعض الفتيات مؤخراً من شبح العنوسة الى عشرات المواقع الإلكترونية المتخصصة بالتزويج وإيجاد الشريك المناسب، ولكن البعض يؤكد ان إمكانات النجاح ضئيلة بسبب احتيال الشخص ووضع معلومات خاطئة عنهم او إخفاء تفاصيل كالعمر الحقيقي والحالة المادية.
وهكذا، فإن العنوسة تدق ناقوس الخطر في المجتمع اللبناني بتأثيراتها السلبية التي أدت الى الانحراف لدى فئة الشباب واتجاههم الى أنواع العلاقات الأخرى، كالزواج العرفي او المساكنة بهدف تجاوز المسؤوليات التي تنتج عن الزواج الرسمي.