تستعد قسنطينة، المدينة الجزائرية العريقة لأن تكون عاصمة للثقافة العربية سنة 2015 وهي فرصتها لأن تنفتح على العالم والوطن العربي من خلال تقديمها لتراثها الكبير، خاصة وأنها المدينة التي تزخر بتاريخ يزيد على 2500 سنة.
إنها مدينة الجسور المعلقة باِمتياز، إذ تُطلُّ من عليائها بهجةً للسماء والروحانيات الخالصة وتنصت لوادي الرمال الذي يعبرها منذ مئات السنين.
إن الحديث عن قسنطينة يقود مباشرة لأزقتها العتيقة على غرار السويقة، رحبة الصوف، الجزارين وسوق العاصر وهي الحارات التي تروي سيرة الإنسان في احتفائه بالحياة وبكل تفاصيلها الكبيرة والصغيرة، وسيرة المكان الذي ما فتئ يؤجج لهيب الشوق والمحبة.
عبرها الوندال، الفينيقيون، البيزنطيون، الفاطميون، العثمانيون وأخيرا الفرنسيون وجلبت الغزاة إليها لأنها مدينة ساحرة بامتياز.
تحضر باللوحة بالنص الإبداعي، إذ نعثر عليها برواية كاتبها الأجمل مالك حداد، وفي كتابات أحلام مستغانمي وكاتب ياسين والطاهر وطار.
اِبتداء من ابريل/نيسان 2015 ستكون قبلة لزوارها/ عشاقها من العالم العربي ومن العالم وهي تنتظر موعدها بلهفة كبيرة لتكتشفها الدنيا ولتحبها لأنها المدينة التي تستحق كل عشق ممكن.
ومدينة قسنطينة، وتُسمّى مدينة الجسور، وهي أيضا عاصمة الشرق الجزائري، وتعتبر من كبريات مدن الجزائر تعدادا.
• آلاف السنين من التاريخ
تتميز المدينة القديمة بكونها مبنية على صخرة من الكلس القاسي، مما أعطاها منظراً فريداً يستحيل أن يوجد مثله عبر العالم في أي مدينة. للعبور من ضفة إلى أخرى شُيّد عبر العصور عدة جسور، فأصبحت قسنطينة تضم أكثر من 8 جسور بعضها تحطم لانعدام الترميم، وبعضها ما زال يصارع الزمن، لذا سميت قسنطينة مدينة الجسور المعلقة. يمر وادي الرمال على مدينة قسنطينة القديمة وتعلوه الجسور على ارتفاعات تفوق 200 متر.
وقد بدأ تاريخ المنطقة مع قدوم الأمازيغ وانتظامهم في قبائل، ويٌنسب تأسيس قسنطينة إلى التجار الفينيقيين. كان اِسمها القديم هو “قرتا” ويعني بالفينيقية “القرية أو المدينة” وكان القرطاجيون يسمونها “ساريم باتيم”.
واِشتهرت “سيرتا” الاِسم القديم لقسنطينة، لأول مرة عندما اِتخذها ماسينيسا ملك نوميدية عاصمة للمملكة، وعرفت المدينة بعدها حصار يوغرطة الذي رفض تقسيم مملكة أبيه إلى ثلاثة أقسام، بفضل دعم الرومان وبعد حصار دام خمسة أشهر اقتحم تحصينات المدينة واستولى عليها.
عادت سيرتا لتحيا مجداً جديداً مع يوغرطة ملك نوميدية الجديد والذي استطاع أن يتفادى انقسام المملكة إلى ممالك. ودخلت المدينة بعدها تحت سلطة الرومان، فأثناء العهد البيزنطي تمردت سنة 311، على السلطة المركزية فاجتاحتها القوات الرومانية من جديد وأمر الإمبراطور ماكسينوس بتخريبها.
أعاد الإمبراطور قسنطنطين بناءها عام 313. واتخذت اسمه وصارت تسمى القسطنطينة أو قسنطينة. ثم عرفت ابتداء من سنة 429 غزوات الوندال، ثم استعادها البيزنطيون من جديد.
مع دخول المسلمين المغرب عرفت المدينة نوعاً من الاستقلال فكان أهلها يتولون شؤونهم بنفسهم وحتى القرن التاسع. عرفت المنطقة قدوم القبائل الهلالية، في القرن العاشر، وطغت بعدها اللغة العربية على أهالي المنطقة.
دخلت المدينة في عهدة الزيريين ثم الحماديين أصحاب القلعة وبجاية. استوطن المدينة بها الأندلسيون كما استقرت بها جالية يهودية، وتعامل معهم أهل المدينة بالتسامح. ويذكر أن قدوم اليهود كان بعد سقوط الأندلس التي كانوا يعيشون فيها بسلام في ظل الحكم الإسلامي، ثم طردهم المسيحيون المتعصبون للكنيسة الكاثوليكية في روما بعد سقوط آخر حكام الأندلس.
ومنذ القرن الثالث عشر انتقلت المدينة إلى حوزة الحفصيين أصحاب تونس وبقيت في أيديهم حتى دخول الأتراك، وقبل استقرارهم نهائياً في المنطقة حاول الأتـراك العثمانيين احتلال المدينة مرات عدة، وكانوا دوماً يصطدمون بمقاومة الحفصيين. وفي سنة 1568 قاد الداي محمد صالح رايس حملة على المدينة، واستطاع أن يستولي عليها من غير قتال، ودانت له البلاد بعد أن طرد عبد المومن زعيم الحفصيين ومعه قبيلة أولاد صاولة.
تم اختيار قسنطينة لتكون عاصمة بايليك الشرق، وقام صالح باي (1771-1792) بتهيئة المدينة وأعطائها طابعها المميز، ومن أهم أعماله بناء جامع ومدرسة القطانية، ومدرسة سيدي لخضر والتي عني فيها بتدريس اللغة العربية، كما قام بإنشاء حي خاص لليهود بعد كانوا متوزعين في أنحاء المدينة.
سنة 1830، ومع احتلال الجزائر من طرف الفرنسيين رفض أهالي المدينة الإعتراف بسلطة الفرنسيين، قاد أحمد باي الحملة واستطاع أن يردّ الفرنسيين مرتين في سنتين مختلفتين في معارك للاستيلاء على القنطرة، التي كانت تمثل بوابة الشرق.
عام 1837، استطاعت الحملة الفرنسية بقيادة دوموريير عن طريق خيانة من أحد سكان المدينة اليهود “حيث استطاع الفرنسيون التسلل إلى المدينة عبر معابر سرية توصل إلى وسط المدينة”، وعن طريق المدفعية أيضاً من إحداث ثغرة في جدار المدين، ثم حدث الإقتحام، واصطدم الجنود الفرنسيون بالمقاومة الشرسة للأهالي واضطروا لمواصلة القتال في الشوارع والبيوت، أين اِنتهت المعركة أخيراً بمقتل العديد من الأهالي، واستقرار المحتلّين في المدينة بعد عدة سنوات من المحاولات الفاشلة، فيما استطاع الباي أحمد وخليفته بن عيسى الفرار إلى الجنوب.